القاهرة/14اكتوبر/ السيد العيسوي : كتاب “ من غزوات النبي “ ، والذي أعده الكاتب حازم عوض ، يقع في 80 صفحة من الحجم الكبير ، ويتحدث عن : غزوة بدر الكبري - بني قينقاع - ذي العشيرة -السويق - سرية ابن جحش - أحد - حمراء الأسد- الرجيع - بني النضير - بدر الصغري - الكدر - الخندق - ذات الرقاع - بني قريظة - بني ثعلبة - الحديبية - خيبر - دومة الجندل - بني لحيان - ذي قرد - بني المصطلق - وادي القري - ذات السلاسل - الخبط - مؤتة - فتح مكة - حنين - تبوك - الطائف - طيئ . وهكذا يتناول الكتاب عن كثير من الغزوات التي لا يعلم معظمنا عنها شيئاً أو لا يذكر إلا أشهرها ومن هنا تأتي قيمة الكتاب بوصفه مرجعية شاملة لهذه الغزوات ، وإن كان يؤخذ علىه ضآلة حجمه مقارنة بالموضوع المعالج ، فالمعالجة موجزة أو أكثر من موجزة .ولعل الجانب الأبرز في الكتاب والذي يتضح من المقدمة في كتاب يتحدث عن الغزوات ومواجهة الأعداء ونزالهم هو الجانب الإنساني الذي يرفع فعل الحرب إلي مستوي القداسة ولا يهبط به إلي مستوي الحيوانية ، فقد كان أول ما يوصي به الرسول جنوده هو الحفاظ على حقوق الإنسان وحماية حرياته ، فينهاهم عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ ، ويحرم علىهم حرق الزرع وإتلاف ممتلكات الأعداء ، كما كان يحسن معاملة أسراه ، ويستجيب لمطالبهم ويراعي أحوالهم الخاصة ، فكثيراً ما أطلق سراح فقرائهم الذين لا يستطيعون فدية أنفسهم .ولم يكن الهدف كما يري بعض المستشرقين من هذه الفتوحات هو نشر الدعوة بحد السيف ، بل كان تأصيلاً لمعني شرف وإعلاء كلمة الحق فوق الباطل ، كما أن قدر السماحة التي كان يتعامل بها النبي والمسلمون مع أهل البلاد التي دخلوها خير دليل على تأصيل هذا المعني ، ويكفي أن نعلم أن الغزوات التي خاضها المسلمون في حياة الرسول وشارك بسلاحه في تسع منها لم يكن المسلمون البادئين بالاعتداء ، بل كانت جميعاً رداً لعدوان وقع علىهم ، أو استرداداً لحق لهم ، أو مقاومة جماعة أفسدوا في الأرض وأرهبوا الناس . كما أن هذه الغزوات بمثابة استخلاص لعبر وعظات تجسد أعظم المثل وأكرم الخلق التي تحكم مسيرةالإنسان وسلوكه كما تجسد روح التضحية والفداء ، وتغرس فكرة الوازع والدافع .كما أن تاريخ هذه الغزوات يؤكد كم كان الرسول على دراية بكل فنون الحرب ، فاستخدم المخابرات العسكرية ، وطبق نظم الإغارة ، وخداع العدو ، والحرب المعنوية ، واستخدم وسائل التدريب العالية ورفع معنويات جنوده.يبدأ الكتاب بغزوة بدر الكبري ويبين قيمتها في أنها كانت نقطة تحول في تاريخ الإنسانية جمعاء ، كما كانت فرقاناً بين الحق والباطل، وقد وقعت في 17 من رمضان سنة 2 هـ فعندما سمع النبي أن قافلة تجارية لقريش قادمة من الشام بإشراف أبي سفيان بن حرب ندب المسلمين إليها ليأخذوها لقاء ما تركوا من أموالهم في مكة .اعتمد الرسول في هذه الغزوة على المشورة ورسخ بين المسلمين هذا المبدأ حين ترك رأيه وأخذ برأي الحباب بن المنذر وجاء النصر من عند الله رغم قلة عدد المسلمين إلي ما يقرب من الثلث كما عبر القرآن : “ ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة”. ولقد كان من أهم نتائج بدر أن انتصار المسلمين على الكفار هدد طرق تجارة المكيين وهي عصب حياتهم ، وأضعفت هيبة مكة ونفوذها على العرب وبدأت قوة الإسلام الجديدة وسطعت شمسه. غزوة بني قينقاع : عندما عاد الرسول من غزوة بدر الكبري منتصراً أظهر اليهود له الحسد ونقضوا عهدهم مع الرسول ، وقالوا يامحمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة . وكان أول من نقض العهد ، واستهزأ بالإسلام يهود بني قينقاع ، وبينما هم على مجاهرتهم وكفرهم حدث أن جلست امرأة مسلمة عند صائغ يهودي لأجل حلي لها في سوق بني قينقاع ، فغافلها رجل وحل درعها إلي ظهرها ، فلما قامت بدت عورتها أمام رجال من يهود بني قينقاع الذين ظلوا يضحكون منها ، فقام إليها رجل من المسلمين فقتل الرجل الذي فعل بها تلك الفعلة ، وبذلك نقض يهود بني قينقاع العهد مع رسول الله ، وعندما علم الرسول بذلك أعلن علىهم الحرب فتحصنوا في حصونهم وتقدم إليهم رسول الله وحاصرهم خمس عشرة ليلة حتي أعلنوا استسلامهم ونزلوا على حكم النبي . وتذكر الروايات أن عبادة بن الصامت أخرجهم فبلغ بهم ذباب . ثم ساروا إلي أذرعات من أرض الشام . فلم يلبثوا إلا قليلاً حتي هلكوا. غزوة ذي العشيرة : وهي غزوة متقاربة في وقتها وأحداثها مع غزوة بدر ، وهي من الغزوات الأولي للمسلمين ، فقد فر المسلمون الأوائل بدينهم من كفار قريش إلي المدينة وتبعهم الرسول وأبو بكر مهاجرين إلي المدينة ، وترك المسلمين أموالهم في مكة فأراد الرسول أن يسترد جزءاً من هذه الأموال التي تركها المسلمون فخرج يطلب قافلة لقريش في جيش من المسلمين في أولي الغزوات التي تعرف بغزوة ذي العشيرة ، وكان ذلك في جمادي الآخرة بعد مضي ستة عشر شهراً من الهجرة . غزوة السويق : عاني أبوسفيان ـ قبل إسلامه ـ من هزيمة كفار قريش يوم بدر فبيت النية على الانتقام لشرف أهل مكة خاصة أنه كان على رأس كفار قريش يوم بدر فخرج في مائتي راكب من قريش ، وبعث رجالاً من قريش إلي المدينة فنزلوا بمنطقة يقال لها العريض فأشعلوا النار في بعض نخلها وقتلوا رجلاً من الأنصار، وجاء إلي المسلمين من يستغيث بهم فركب الرسول على دابته وكذلك أصحابه فتعقبوا أبا سفيان ورجاله وإن كانوا قد تمكنوا من الهرب وهم يلقون زادهم وطعامهم كي يتخففوا ، ولذا سميت هذه الغزوة “ غزوة السويق”.غزوة أحد : تعتبر معركة أحد من المعارك الهامة في تاريخ الإسلام ، ولعل أهميتها تأتي من الهزيمة التي كادت تلحق بالمسلمين في ثاني معركة حاسمة لهم مع جحافل الشرك ، كما أن ما يعطي لمعركة أحد أهميتها أيضاً وقوعها مباشرة بعد معركة بدر الكبري ، تلك المعركة التي انتصر فيها المسلمون على عدو يفوقهم عدة وعدداً .وكانت دموع قريش لم تجف على قتلاها في بدر وبلغت روح الانتقام والثأر أعلى درجاتها ، واستعانوا بمال أبي سفيان ، وساروا في العرب ليستنفروهم ، واجتمعت قريش وجمعوا ألف عير وثلاثة آلاف محارب في شوال سنة 3هـ وجمع الرسول المسلمين ونظمهم وأمر الرماة بعدم النزول من فوق الجبل مهما كانت الأسباب وقال لقائدهم : “ انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا ان كانت لنا أو علىنا فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا “ وقد عين الرسول هذه الفصيلة لسد الثغرة الوحيدة التي كان يمكن لفرسان المشركين أن يتسللوا من ورائها إلي صفوف المسلمين ويقوموا بعملية تطويق للجيش ، وهذا ما قد كان ودفع الرماة الثمن فادحاً مقابل “ عدم سماع كلمة القائد “، فقد بدأت المعركة بالنصر للمسلمين وكادت المعركة أن تنفض حتي أن الجنود بدأوا يجمعون الغنائم ويفرحون بالنصر على المشركين . ولكن الخطأ هنا أن بعض الرماة لم يسمعوا كلام القائد وتركوا مواقعهم واستعجلوا ونزلوا يجمعون الغنائم ، فانفتحت الثغرة ، ولاحظ خالد بن الوليد ذلك ـ وكان لم يسلم بعد ـ فجمع المشركين ودخل من الثغرة ـ وكان داهية ـ فحول الهزيمة إلي نصر . وهكذا تكشف هذه الغزوة عن درس من أهم الدروس وهو طاعة الله ورسوله خاصة إذا كان الرسول هو القائد في أرض المعركة .غزوة حمراء الأسد : هذه الغزوة كانت بعد معركة أحد مباشرة وكان الهدف منها رفع الروح المعنوية للمقاتلين بعد هزيمة أحد وبث الثقة في نفوسهم بالإضافة إلي ملاحقة كفار قريش ومهاجمتهم وتخويفهم، وهذا ماقد كان ، فحينما عسكر جيش المسلمين وحينما حل الليل أمر النبي المسلمين بإيقاد خمسمائة نار ليعلم العدو بكثرة عدد جيش المسلمين ويدب في قلوبهم الرعب ، وبالفعل وصلت الرسالة التي أرادها النبي إلي الكفار فخارت قواهم ورجعوا عن عزمهم ومشوا إلي مكة .. وانتظر المسلمون خمسة أيام ثم عادوا إلي المدينة بلا قتال بعد أن فر عدوهم.وتحققت أهداف النبي من هذه الغزوة التي سار إليها وهو لم يزل يعاني من الجراح التي أصابته يوم أحد والتي شجت فيها جبهته وكسرت رباعيته لدرجة أن أهل مكة ظنوا أنه قتل .. ونخرج من هذه الغزوة بدروس أهمها يكمن في ضرورة الاهتمام برفع الروح المعنوية للمقاتلين وإطاعة القائد .غزوة بني النضير : نشأ اليهود على الغدر وخيانة العهد ، كذلك الجبن عن القتال فلا يقاتلون غيرهم إلا من خلف حصون ، وقد كان لغزوة بني النضير قصة تؤكد ذلك ، وتوضح وفاء المسلمين بعهودهم كاملة .وبنو النضير من يهود المدينة كانوا يقيمون منازلهم في منطقة مزروعة بالنخيل والأشجار تعرف “بالغرس” وجاء في سبب غزوهم أن الرسول خرج يوم السبت فصلي في مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه ، ثم توجه إلي بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية رجلين كان الرسول قد آمنهما ، لكن عمرو بن أمية قتلهما وهو لا يعلم أن النبي قد أمنهما على روحيهما. وقد أعلنوا في البداية إجابتهم لمطلب النبي ، لكنهم هما بالغدر به إذ قال عمرو بن جحاش : “أنا أصعد على البيت فألقي علىه صخرة” فرد علىه سلام بن مشكم : “لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به” وجاء رسول الله الخبر من فوق سبع سماوات فنهض سريعاً فتوجه إلي المدينة ولحق به أصحابه فقالوا : “غادرت ولم نشعر” فرد:”همت اليهود بالغدر ، فأخبرني الله عز وجل بذلك فقمت”.وبعث الرسول إلي بني النضير محمد بن مسلمة ليخبرهم أن الرسول يبلغهم أن اخرجوا من بلدي ولا تساكنوني ، لأنكم هممتم بما هممتم به من غدر ، ومنحهم الرسول مهلة عشرة أيام فمن رئي بعد ذلك في المدينة حل دمه وتم قتله ، فمكثوا عدة أيام يجهزون رحالهم واستأجروا إبلاً من بعض الناس لينقلوا علىها متاعهم ، لكن ابن أبي أرسل إليهم ألا تخرجوا وأقيموا في المدينة فإن معي ألفين من المقاتلين وغيرهم يدخلون حصونكم ، ويدافعون عنكم حتي يموتوا جميعاً فداء لكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان ، فطمع قادة اليهود فيما قال ابن أبي وأرسل إلي رسول الله أنهم لن يخرجوا وليصنع ما يشاء ، وبذلك نقضوا كلامهم ، فما كان من الرسول إلا أن كبر وكبر المسلمون لتكبيره ، فتجمع أصحاب الرسول من حوله وصلي بهم العصر في فناء بني النضير ، وكان على بن أبي طالب يحمل عنه رايته ، واستخلف النبي على المدينة ابن أم مكتوم ، فلما شاهدوا النبي وهم على حصونهم ومعهم النبال والحجارة اعتزلهم بنو قريظة وخذلهم ابن أبي فلم يرسل إليهم رجاله وكذلك حلفاؤهم من غطفان ، فحاصرهم النبي وقطع نخلهم فقالوا : “نحن نخرج عن بلادكم “ فأجلاهم عن المدينة وعهد إلي محمد بن مسلمة بإخراجهم وحملوا النساء والأطفال ، فقال لهم رسول الله : اخرجوا ولكم أن نحقن دماءكم ولكم ما حملت الإبل إلا السلاح .ونخرج من هذه الغزوة بدرس ربما رأيناه حتي يومنا وهو أن اليهود نشأوا على الخيانة والغدر ، وأنهم لا يقومون على مواجهة غيرهم ولا يحاربونه إلا من خلف ساتر وجدار وحصن منيع .وهكذا نستطيع أن نجد في هذا الكتاب عرضاً لغزوات الرسول ، منهاما سمع عنه القارئ العادي ، ومنها ما لم يسمع عنه ، ومنها ما هو رئيسي ومنها ما هو فرعي في ضوء هذه الشريحة التي عرضناها ، وليس يعني هذا أن بعضها مهم وبعضها غير مهم ، ولكن جرت العادة أن يتركز الحديث حول الأحداث الأكثر بروزاً والأشد تأثيراً في التاريخ ، خاصة حين يكون تاريخ المسلمين ، لأنها تصنع مراحل فاصلة وفارقة في سلسلة هذا التاريخ .وهذه الغزوات تكشف عن عدة أمور مجتمعة : منها قوة العقيدة والثبات على المبدأ ، وإلا لما حارب مع الرسول أحد ، خاصة حين كان المسلمون شرذمة لا حول لهم ولا قوة ، ومنها ضرورة مواجهة الحق للباطل ، ومنها حسن الإعداد والتخطيط ، ومنها الثقة في القائد الملهم ، ومنها التشاور وعدم الانفراد بالرأي ، ومنها الثقة في عون الله وتأييده ونصره “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم “ وما أحوجنا اليوم - قادة وشعوباً - لاستلهام هذه الآية وهذه الدروس على أرض الواقع .
|
رمضانيات
مـن غـزوات النبي
أخبار متعلقة