ما أن تدخل مدينة صنعاء القديمة من باب اليمن الكبير حتى تجد أمامك التاريخ القديم الذي قرأت عنه في الكتب وكأنه بث مباشر يأتي من الماضي فالمدينة التراثية هي مدينة حقيقية يعيش بها أناس حقيقيون كل فرد فيها يمثل حلقة في سلسلة تاريخية قد تصل إلى أيام سام بن نوح،مؤسس مدينة صنعاء القديمة.أن كل منزل يقع داخل أسوار المدينة المنيعة يعد بمثابة متحف أثري،فالمدينة القديمة التي ضمت مملكة سبأ وعرش بلقيس ترتفع عن سطح البحر2000متر،وقد مرَّت عليها حضارات متعاقبة يونانية ورومانية وفينيقية وغيرها لا تزال بصماتها واضحة في تلك المدينة المتحفية مدينة صنعاء القديمة.أن هذه المدينة الزاخرة بمئات الشوارع الضيقة والتفريعات اللامنتهية تحاصرك جميع أسواقها في مكان واحد،كل منها متخصص في بضاعة معينة ،إنها مهن رائجة كصناعة المشغولات الفضية والعقيق اليماني بألوانه المختلفة والجنابي،ومهن صامدة كالعطارة،ومهن اندثرت وغاب صيتها مثل الكوافي،وتعبق في هذا المكان الفسيح روائح التوابل الحارة والحبوب والبخور ويلاحظ الداخل إلى مدينة صنعاء القديمة أن جميع منازلها متشابهة إلى حد كبير في مكوناتها الخارجية والداخلية،مساكن مبنية من صخور البازلت والطوب الطيني وخطوط عريضة من الجص الأبيض مسحت على أطراف النوافذ والبيوت وكأنها وضعت لتحديد وإبراز معالم كل بيت،أن كل منزل لا يتجاوز ارتفاعه خمسة طوابق،والتقسيم المتعارف لسكان تلك البيوت تلك الأدوار العليا للرجال وبخاصة الدور الأخير والأدوار السفلية مخازن للحبوب وحوش لتربية بعض أنواع الحيوانات المفيدة لاحتياجات المنزل أما الأدوار الوسطى فهي للنساء والمطبخ عادة ما يكون بجانبهم،ونتيجة لهذا النسق العمراني القديم والموحد للمدينة،فقد دخلت مدينة صنعاء القديمة في قائمة التراث الإنساني الذي اقره مجلس التراث العالمي التابع لمنظمة اليونسكو.وتشاهد في المدينة الجامع الكبير الذي يعد من أقدم المساجد في الإسلام حيث شيَّد في السنة الثامنة للهجرة بأمر من الرسول عليه الصلاة والسلام على أنقاض كنيسة أبرهة الأشرم الذي سعى إلى هدم الكعبة المشرفة وتحويل الناس إلى كنيسته فخاب مسعاه بعد أن أرسل الله له طيراً أبابيل رمته وجنوده بحجارة من نار فأهلكهم جميعاً.هذه هي مدينة صنعاء التي يشدك إليها الشوق والحنين دائماً،إن العجائب في هذه المدينة المتحفية لا تريد أن تفارقك حتى بعد أن تغادرها وكأنها تدعوك لزيارتها مرة أخرى.