غضون
* القبيلة تقوم على أساس العصبية .. فالذي يجمع أفرادها هو النسب والأرض محددة المعالم التي يسمونها (بلادنا) ومجموعة من القواعد المنظمة للعلاقات والتي تحافظ على كيانها، أو ما يسمى بالأعراف ، ومن المؤسف أن مشايخ قبائل ذوي مكانة وحظ جيد من التعليم ومطلعين على تجارب الآخرين يذهبون ضحايا الصراعات القبلية والثأر حتى داخل القبيلة الواحدة أو أحد بطونها ، وتشتعل حروب قبلية في دورات متلاحقة ومتقاربة يموت بسببها عشرات الأفراد لأسخف الأسباب ، وإلى جانب ذلك يتحمل المجتمع كله تكاليف عالية الثمن جراء صراعات القبائل والعقلية القبلية التي ظلت حبيسة مكوناتها الثقافية المتخلفة وتتصرف أو تنطلق منها ، ولهذا السبب - كما يبدو لي - فإن مثقفي القبيلة بمن فيهم كبار شيوخها لم يوجدوا أي تغيير في تلك المكونات ولم يطوروها أو على الأقل لم يعملوا من أجل الحفاظ على المزايا التقليدية للقبيلة ، تسمع منهم حديثاً يومياً عن المميزات الإيجابية للتقاليد والأعراف القبلية ، بينما تمارس القبيلة أو أفرادها القتل والثأر والتقطع والنهب وغير ذلك من السلوك الإجرامي إلى جانب التمييز واحتقار المرأة.* قبل أيام قتل في العاصمة أحد كبار مشايخ قبيلة بني ضبيان وهو الشيخ الدماني السالمي ، وهو شخصية اجتماعية مهمة وعضو في مجلس التضامن لصاحبه حسين الأحمر وعضو في ما يسمى هيئة الفضيلة، وقد قتله شاب من نفس القبيلة أو أحد بطونها لتصفية ثأر قديم .. وقد تسبب الحادث في فوضى في الحي الذي قتل فيه الدماني ، أما في خولان فقد تواجهت قبيلة الدماني وقبيلة السهمان التي يعتقد أن القاتل ينتمي إليها في حرب ضروس استمرت من فجر السبت إلى الظهر حيث تدخل وسطاء قبليون لوقف الحرب بعد أن قتل فيها سبعة وأصيب آخرون.. ومشكلة الثأر هذه مثل الدوامة تدور وتتعاقب ومع ذلك لم يتمكن العقل القبلي من وضع نهاية لها أو على الأقل لم يحافظ على الأعراف التي “ تنظم” الثأر .. فأعراف القبيلة لا تجرم الثأر بوصفه قتلاً عمدياً بل تنظمه ، أي أن لا يمارس الثأر في بعض الأماكن والأوقات وفي ظروف معينة .. وفي الوقت نفسه ورغم هذه التكاليف لم يجرب العقل القبلي الخيارات الأخرى كالانصهار الوطني والقانون والمجتمع المدني والتخلي عن العنف والسلاح .* حضرت قبل فترة ليست بعيدة مقيلاً معظم الحضور فيه مشايخ قبائل ومشايخ أرض، ودار الحديث حول ملف صحفي نشر في صحيفة أسبوعية تضمن نقداً إيجابياً للقبيلة والمشايخ ، وقد أفزعني تعصب أحد المشايخ .. قال: إذا كان هؤلاء “ المتمدنون” يتكلمون عن القبيلة وعن المشايخ بهذه الصورة فعلينا أن نؤدبهم .. ونثبت لهم أننا قبائل بني قبائل وشيوخ بني شيوخ !! كل هذا صدر من الرجل لأنه سمع - سمع ولم يقرأ - أن تلك الصحيفة نشرت مقالات نقدية ، والأمر الذي أفزعني - كما قلت - هو أن هذه العصبية ورد الفعل غير الرشيد صدر من رجل حاصل على الدكتوراه في العلوم من جامعة غربية مرموقة وأمضى معظم حياته في مجتمع غربي ، وهو قائد حزبي كبير .. مع ذلك لم تؤثر فيه كل هذه العوامل ولم ينقل التأثير إلى قبيلته ولا حتى إلى أسرته ، وهي بالمناسبة أسرة عريقة في القبيلة والمشيخة ، كل ذلك رمى به جانباً وعاد ليرتكس إلى العصبية القبلية لمجرد العصبية .. ولذلك قلت في بداية كلامي إن كبار مشايخ القبائل ومثقفيها فشلوا في تغيير العقل القبلي وفشلوا أيضاً في الحفاظ على العقل القبلي القديم والسبب أنهم يتحركون في إطار العصبوية القبلية وما تقوم عليه من تراث متخلف.