قصص من الغموض والخيال
البق الذهبيالبق: حشرة صغيرة "المترجم"عاش صديقي وليام ليجراند في جزيرة صغير تبعد أربعة عشر كليومتر عن مدينة تشارلستون الامريكية، لقد كان رجلاً ذكياً، وكان في ما مضى غنياً ولكنه اليوم فقير،، وهذا التغيير في حياته كان السبب الرئيسي لجعله غريب الأطوار أحياناً، ففي بعض الاحيان يكون حزيناً وصامتاً ويبدو وكأنه يكره كل من حوله، وأحياناً أخرى يبدو على النقيض تماماً فيبدو سعيداً جداً لدرجة أن محاوره يشعر بالمتعة في الحديث معه. واليوم يعيش صديقي وليام في كوخ مع خادمه الافريقي العجوز المدعو جوبيتير وكلب كبير، كان في ما مضى مولعاً بصيد الطيور والأسماك وكان قناصاً رائعاً، وكانت الصدف التي يحصل عليها من أجود وأجمل الأنواع التي رأيتها في حياتي، كما كان مولعاً بكل أنواع الحشرات.في أحد الأيام عندما ذهبت لزيارته، قال لي صديقي ليجراند: لقد وجدت شيئاً عجيباً على الشاطئ اليوم، لقد وجدت بقا ذهبي اللون، يبدو وكأنه مصنوعاً من الذهب، لا أظن بأنني قد رأيت بقا مثله من قبل، فقلت له بعد أستبد بي الفضول "دعني أراه إذن" فأجابني قائلاً: في طريق عودتي من الشاطئ قابلت صديقي مارتن ، وأراد أن يجري دراسة على البق الذهبي الذي وجدته لذا أعطيته أياه ، سأريك البق في المرة القادمة، ولكنني استطيع رسوم صورة تقريبية لها وأريك إياها الآن.جلس ليجراند على طاولة صغيرة بالقرب من النافذة وبحث عن بعض الأوراق فلم يجد أي شيء و من ثم بدأ بالبحث داخل جيوبه وبدا أنه وجد قطعة من الورق فقال: آآآه أعتقد بأن هذه ستفي بالغرض، قال هذا بعد ان اخرج قصاصة متسخة من الورق، وبدأ بالرسم عليها بعدها اعطاني الورقة لأنظر إليها عن طريق الموقد، في نفس اللحظة فتح الباب ودخل كلب ليجراند الغرفة، كنت والكلب صديقان حميمان لذا تعانقنا لبعضة دقائق، بعدها نظرت للقصاصة المتسخة التي أعطاني إياها صديقي، وللوهلة كنت مندهشاً لما رسمه ليجراند فقلت: إن هذه أغرب بق رايتها في حيا تي، إنها تبدو وكأنها رأس لشخص ميت أو بالأحرى جمجمة من عظمتين متقاطعتين، وهناك بعض العلامات تحتها، ضحك ليجراند مستغرباً وقال »جمجمة«؟؟!! بعدها ارتسمت ملامح الجدية على وجهه وقال : لا ، لا لم استطع رسم الألوان عليها، ولكنها بالطبع حشرة البق لقد رسمتها بصورة جيدة.في ا لحقيقة لقد رسم صديقي- وبدقة- جمجمة مع عظمتين متقاطعتين مع بعضهما البعض ولم يكن الرسم يشير من قريب أو بعيد لأي حشرة، ولكنني كنت حريصاً على مشاعر صديقي فلم أجادله ولكنني نهضت من مكاني واتجهت نحوه وسلمته القصاصة الورقية ليراها بنفسه، تصورت للحظة بأنه سيمزق الورقة، ولكنه نظر إليها بسرعة بعدها أحمر وجه وصار شاحباً، وقام بفحص القصاصة الورقية بدقة لعدة دقائق ولم يقل شيئا ًوأخيراً وضع الورقة داخل درج وأقفل عليه بالمفتاح ولم ينبس ببنت شفة.بعدها لم أرى صديقي ليجراند ولم اسمع عنه لمدة شهر تقريباً، أتى جوبيتير لزيارتي وأحضر معه رسالة من سيدة لي كان فحواها، لماذا لم أراك لمدة طويلة، لقد اكتشفت شيئاً مذهلاً وأريد إخبارك عنه، تعال هذا المساء مع جوبيتير، شعرت ببعض القلق خصوصاً بعدما رأيت وجه جوبيتير فسألته مستفسراً، كيف حال سيدك؟! فأجاب: إنه ليس على مايرام ياسيدي ، لا أدري ماذا حدث له فهو لايتحدث كما في السابق وقبل أيام قليلة مضت ظل خارج المنزل طوال يوم كامل اعتقد بأن شيئاً ما يؤرقه، اعتقد بأنها شكلة البق الذهبي ياسيدي، اعتقد بأنها لدغته عندما حاول الإمساك بها وقد اصيب بالإعياء نتيجة لهذه اللدغة.قررت الذهاب الى الجزيرة مع جوبيتير لأرى صديقي، وعندما وصلنا كان ليجراند شاحب الوجه ومتعب، كان في حالة متوترة وغريبة كما كانت هناك نظرة جنونية تطل من عينية، قال لي بتوتر: هل تذكر البق الذهبي الذي أخبرتك عنه سابقاً؟ أنه مصنوع من الذهب ، واعتقد بأنه سيجعلني ثرياً، بعدها أحظر الحشرة إلي كي أرها وكان ميته ولكن كانت لاتزال تحتفظ بجمالها وكانت بالفعل مثل الذهب كما كانت أثقل بكثير في وزنها من باقي الحشرات الأخرى، ولكنني كنت موقنا من انها - بالرغم من لونها الذهبي- لم تكن مصنوعة من الذهب.. فقلت برفق لصديقي لجيراند لابد وأنك متعب و.... فقاطعني صارخاً ، لا، إنني متوتر قليلاً ولكنني لست متعب، إنني احتاج لمساعدتك لي، فسألته وكيف لي أن أساعدك ؟ رد علي قائلاً: سأصعد مع جوبيتير هذا المساء إلى التلال هي تأتي معنا؟ إنني أثق بك كثيراً فقد نكون محظوظين، فأجبته سآتي معكم على أن تعدني بمجرد عودتنا من التلال يجب عليك الذهاب مباشرة للسرير وسأحضر طبيباً كي يراك، فرد عليا، أعدك بذلك، هيا يجب علينا التحرك الآن قبل حلول الظلام.غادرنا الكوخ في السا عة الثالثة والنصف بعد الظهر وقد أتى معنا الكلب وكان جوبيتير يحمل حبلا وثلاثة مجارف اما انا فقد كنت احمل فانوسين وكان ليجراند يحمل كرة من الحبل لمربوط في طرفها البق الذهبي وكان ي ؤرجح البق على طرف الحبل أثناء سيره بعد ساعتين وصلنا مكانا مرتفعاً وكان هناك الكثير من الأشجار حولنا، ولكن ليجراند سار مباشرة وبثبات نحو أطول شجرة، كانت الأكبر حجماً كما انها كانت الأجمل ايضاً فلم أرى مثلها في حياتي قط. قال ليجراند موجهاً كلامه لجوبيتير والآن ياجوبيتير هل تستطيع تسلق هذه الشجرة؟ فرد جوبيتير نعم ياسيدي ولكن إلى أي مدى؟ رد عليه ليجراند تسلق الأفرع الأولى أولاً، بعدها سأخبرك وخذ هذه معك، أعطاه كرة الحبل مع البق الذهبي المربوط بطرف الحبل. كانت شجرة عتيقة في القدم ولم تكن صعبة التسلق، وبسرعة اصبح جوبيتير في الأعلى، كان ممسكاً بالفرع الأول من الشجر، قال ليجراند لجوبيتير وبصوت عال، هذا هوالفرع الأول، والآن أصعد الى أعلى حتى تصل الى الفرع السابع من ذلك الجانب، استمر جوبيتير في التسلق وبعد عدة دقائق قال صائحاً للأسفل، إنني على الفرع السابق ياسيدي، عندها كان ليجراند سعيداً جداً وقال: حسناً أصعد الى ذلك الفرع وحين تصل إليه أخبرني إن وجدت شيئاً هناك، بعد ذلك بلحظات صارح جوبيتير من فوق قائلاً: آووه، سامحني يا ألهي ما هذا بحق اللّه؟ صاح ليجراند بدوره وسأله قائلاً : ماذا رأيت؟ أجابه جوبيتير إنها جمجمة ياسيدي إنها لرجل عجوز وهي مثبتة بمسمار على الشجرة، عندها قال له ليجراند والآن اسمعني جيداً ياجوبيتير ونفذ ما أقوله له بالحرف هل تسمعني؟ أجابه جوبيتير نعم أسمعك ياسيدي، قال له ليجراند حسناً حدد العين اليسرى للجمجمة خذ الحبل وأدخله من البق الذهبي من خلال العين اليسرى للجمجمة بعدها أترك الحبل المربوط بالبق يتدلى الى اسفل ، هل تعي ما أقول؟ رد عليه جوبيتير ، نعم ياسيدي، أن هذا سهل جداً ، لقد عملتها إن البق ينزل الى أسفل الآن ياسيدي، أجابه ليجراند نعم أننا نرى ذلك احسنت، كانت الحشرة تتدلى من الحبل إلى أسفل وكانت تلمع مع أشعة غروب الشمس مما أكسبها منظراً رائعاً وكأنها كرة ذهبية صغيرة، بعد لحظات صاح لجيراند لجوبيتير قائلاً: أسقط الحبل الآن وأنزل من الشجرة.سقطت الحشرة الى الأرض، وعندما توجه ليجراند إليها أخذ معه عصا ورسم دائرة حول موقعها، بعدها التقط البق الذهبي وسلمني الطرف الآخر من الحبل قال لي ليجراند، أربط طرف الخيط هذا على الشجرة في أقرب موقع للعصا، وسأمد أنا الحبل حتى آخر مدى له، أحرص دائماً على ملامسة الحبل للعصا، بعدها وبوقت قصير اشتد الحبل ممتداً من الشجرة الى العصا بطول خمسة عشرة متر. وضع ليجراند علامة جديدة حول البق الذهبي وذلك بأن رسم دائرة حوله ، حينها قال موجهاً كلامه لجوبيتر، والآن ياجوبيتير أحضر المجرفة يجب علينا أن نحفر مكان العلامة،ظللنا نحفر لمدة ساعتين وكنا قد حفرنا حفرة عميقة جداً وقد رأينا بداخل الحفرة- عن طريق الفوانيس التي كانت معنا- فقط التراب والحجارة، بدأ الانزعاج بادياً بوضوح على وجه لجيراند ولكنه رفض الاستسلام. أخذنا قسطاً من الراحة خصوصاً بعد أن أخرجنا حجرة كبيرة من الحفرة وفجأة أمسك ليجراند بذراع جوبيتير وسأله: جوبيتير إن لك عينان، عين يسرى وأخرى يمنى، والآن أرني أين عينك اليسرى؟ رد جوبيتير، آووه ياسيدي أعتقد بأن هذه هي عيني اليسرى،وضع جوبيتير يده على عينه اليمنى، قال ليجراند آآآهه هذا ما توقعته إنك لاتستطيع التفرقة بين اليمين واليسار لقد وضعت البق الذهبي من خلال العين اليمنى للجمجمة أنظر يارجل هذه هي عينك اليسرى هل تفهم؟ يجب علينا المحاولة ثانية.رجعنا ثانية الى الشجرة حرك ليجراند العصا قليلاً بمسافة قصيرة جداً بينما قمت أنا بإمساك الحبل على الشجرة وربطة ثانية قام ليجراند بمد الحبل حتى أقصى حد له، عندها اصبحت الحشرة تبعد قليلاً من مكان الحفرة، وضع ليجراند إشارة أخرى حول موقع الحشرة وبدأنا الحفر ثانية، كنا جميعاً متعبين بحيث كنا نحفر ببطء شديد وبدون كلام، وحفرنا لحوالي ساعتين أخريين وفجأ أوقفنا كلب ليجراند عن العمل وذلك عندما بدأ بالنباح بقوة وبعدها مباشرة قفز داخل الحفرة، وقد جذب الأثربة بمخالبة بقوة وبسرعة رأينا كتلة كبيرة من العظام البشرية، كانت بقايا جثتين بشريتين . قمنا بتنظيف العظام من الأتربة وبعدها وجدنا سكينة طويلة في أسفل العظام، كما رأينا ثلاثة أو أربع عملات متلألئة بضوء الفوانيس التي كانت معنا، قال ليجراند كنت أتوقع أكثر من ذلك لنحفر أكثر، وبمجرد أن أنهى كلامه احتكت مجرفته بشيء معدني، كان خاتم حديدي كبير وكان مثبتاً على طرف صندوق خشبي، كنا نحفر بسرعة غير عادية وكانت الخمس الدقائق القادمة من أجمل وأروع دقائق عمري، كان الصندوق كبيراً وثقيلاً محاطاً بست خواتم حديدية على أطرافه، كان يحتاج على الأقل لستة رجال أشداء لحمله، وكنا ثلاثة ولم نستطيع حتى أن نزحزحه من مكانه، كان الصندوق محكم الإغلاق بقضيبين من الحديد، وبكل ما وتينا من قوة قمنا ثلاثتنا بزحزحة القضبين الى الخلف حتى نستطيع فتح الصندوق، وفعلاً استطعنا أن نفتح الصندوق ويالهول ما رأينا كانت هناك كمية ضخمة من الذهب والفضة والمجوهرات بالداخل، كان كنزاً، لم استطع وصف شعوري آنذاك، ضللنا مندهشين لدقيقتين تقريباً فقط كنا ننظر بدهشة كبيرة لهذه الثورة العظيمة التي هبطت علينا وكان جوبيتير هو أول من تحرك نحو الصندوق وقد غمس يديه داخل الكنز حتى وصل مستوى المجوهرات حتى كتفيه، وقال مندهشاً، كل هذه الثروة من تلك الحشرة الصغيرة، بعد أن تجوزنا مرحلة الدهشة والعجب،بدأنا نفكر بجدية حول كيفية نقل هذا الصندوق الضخم من مكانه، قال ليجراند يجب علينا إخراج المجوهرات الثقيلة أولاً وإخفائها في الأشجار، أريد نقل كل شيء إلى البيت قبل طلوع شمس النهار، لم نستطيع حمل الصندوق خارج الحفرة إلا بعد أن أصبح نصفه فارغ.ولكن بمساعدة الحبال التي جلبها جوبيتير، استطعنا إخراج الصندوق الضخم من الحفرة، بعدها تركنا الكلب يقوم بحراسة الأشياء الثمينة التي أخفيناها، وحملنا الصندوق وبدأنا طريق العودة وقد وصلنا الكوخ- بعد رحلة مضنية- في الساعة الواحدة ليلاً، وقد ارتحنا لمدة ساعة وتناولنا العشاء.قال ليجراند لجوبيتير: أحضر ثلاثة أكياس كبيرة وقوية، سيكون من الأسهل علينا حمل ما تبقى من الكنز على هذه الأكياس، وصلنا الحفرة ثانية في الساعة الرابعة فجراً وبسرعة قمنا بتعبئة الأكياس الكبيرة بما تبقى من المجوهرات على الرغم من كوننا متعبين لم أعد قلقاً كثيراً حول حالة صديقي ليجبراند، كما أنني لم استطع أن أعرف كيف عرف هو بموقع الكنز.لقد وصلنا الكوخ متعبين جداً وكان الشمس قد أشرقت.