أمير سعيد[c1](( الحرب كلها مرعبة ولا توجد فيها أي رحمة، ولكني شخصياً أخشى أصوات الرصاص بشكل كبير وأشعر أنه يهز كياني ويدمرني ))[/c]المغدورة / أطوار بهجت قد يكون أيسر تفسير لتغييب أطوار بهجت هو الرغبة في قتل الحقيقة وطمسها, وإزاحة صوت الحياد والاعتدال, غير أنه من الصعب حقاً أن نميط اللثام عن الوجه القمئ الغادر الذي اغتال هذه القيمة الإعلامية النادرة, ونحدد ملامحه المخبوءة خلف العديد من التفسيرات. دعونا لا نحوم حول العناوين الفضفاضة والعبارات المرسلة لتوصيف هذا المشهد البشع لاغتيال امرأة ضعيفة لا تملك إلا صوتها وضميرها الحي ورسالتها الإعلامية الرائدة.. فقلب الشاعرة الحالمة دوماً بأن تبكي على صدر الوطن ـ مثلما قالت من قبل ـ قد ضمها الوطن إلى صدره واحتواها إلى أجل, فيما الجناة يعتبرون شعرها وأدبها وجرأتها وكشفها للحقيقة حجر عثرة في طريق طموحاتهم. أطوار بهجت أمضت حياتها الإعلامية أطواراً مختلفة وتنقلت ما بين القنوات الفضائية وحازت عن جدارة دوماً قصب السبق في تغطيتها الإعلامية, وزرعت لدى مشاهديها الثقة كلما شاهدوها في هذه الشبكة التليفزيونية أو تلك؛ فالحقيقة لديها لا تتبدل والعدسة التي تنظر بها لوجه المشهد العراقي لا يشوبها غبش إملاءات من جهة رسمية كانت أم عشائرية أم إعلامية, صوت واضح جرئ لا يعرف التردد أو المداراة, يريك الصورة كأنك حاضر تعانيها بعينيك وتسمعها بأذنيك, مع فارق في عبارات أدبية رصينة وثقة أكيدة وحضور إعلامي دافق, في منظومة قل أن تلقاها من مراسل إعلامي.. وبعد, هل كانت هذه جريمة أطوار التي استحقت بسببها لقب "شهيدة" على أيدي المغاوير الأشاوس؟! هناك في الواقع عدة تفسيرات لإقدام المجرمين على قتلها غيلة هي ورفيقيها العراقيين, بعضها شخصي والآخر سياسي يتجاوز شخصها إلى مرجل صراع دموي أرغمت قسراً على أن تكون وقوداً له. بمعنى آخر: أطوار قد تكون قتلت لأنها أطوار بهجت السامرائية, تلك الإعلامية التي يعدها البعض عقبة كأداء في طريق طموحهم السياسي لما تملكه من جرأة على بث الحقائق تماماً مثلما تراها, أطوار كانت ضحية لسلسلة من التحريضات التي يؤسفني أن أقول إن كثيراً منها أتى من منابر إعلامية عراقية ومن أشخاص يفترض أنهم زملاء مهنة, لا أريد في هذا المقام أن أسميهم فتلك مهمة جهات التحقيق ـ إن وجدت ـ ولكن حسبي أن أقتبس بعض عباراتهم هنا: "الزميل (..) والذي له باع واسع في فضح عملاء النظام من خلال كتبه القيمة المنشورة ودفاعه عن المرجعية المخلصة لأدعو بقية الكتاب إلى إعلان تعبئة عامة ضد المتعاونين مع النظام المخلوع وأذكر منهم الأسماء التالية: (..) و أطوار بهجت(..) وهي بعثية"" ولا أعرف كيف تواصل المذيعة أطوار بهجت ، والتي كانت تعمل في القناة الفضائية الصدامية حتى ساعة سقوط النظام، (..) أقول، كيف تواصل هذه (.. )عملها في الإعلام ، وكيف تتم الموافقة على اشتغالها مراسلة (..) في بغداد ، فهل هي الأمور (سايبة ) إلى هذا الحد ؟! (..) ، هذه (الأطوار) لا تنتقي محدثيها ألا من منطقة الأعظمية الطائفية ، وجلهم من الطائفيين الحاقدين على العراق والعراقيين ، والغاضبين لضياع السلطة والثروة والجاه ، بعد ضياع صدام (..) أو من كوادر البعث المهزوم" [الحذف لعبارات لا تعنينا هنا, ولبعض السباب الذي نعفي القراء من الاطلاع عليه, لاسيما في هذا المصاب الذي حل بالمسكيأطوار كانت أعلنت بكل وضوح واعتزاز في حوار لها مع الوطن آنفا أن "المقاومة العراقية صورة مشرقة ومتميزة للشعب العراقي", وبالتالي فغني عن البيان أنها متخندقة ضدها حتى تنالها سهامها.. وحين صرخ الخاطفون قطاع الطرق الإعلامية :"نريد المذيعة.. نريد المذيعة" كانت هناك بعض المعطيات الصحفية تتسرب ـ من دون أن نجزم بصحتها بالأكيد ـ بأن هذه "المذيعة" إنما تمكنت مع فريقها من تسجيل مشاهدات ومقابلات في قلب الحدث السامرائي, وبحكم علاقاتها مع أبناء مدينتها وشيوخ عشائرها ومصداقيتها المهنية المشهودة, ما بوسعه أن يكشف حقائق حول أسباب تفجير الوضع الطائفي في العراق, لاسيما وأن لا جهة أعلنت مسؤوليتها عن الجريمة ولا قدمت لها ما يبررها من الناحية السياسية أو الدينية حتى, ولم تطلب الجهة الخاطفة لا مطالب سياسية أو مادية, فأطوار التي ولدت في العام 1976 من أب سني وأم شيعية تجسد بأسرتها الصغيرة وحدة الوطن الذي لا تريد له قوى عراقية ـ للأسف ـ أن يتوحد, ويسعى لنفث سموم الطائفية دوماً في أجوائه. ومن جهة أخرى, فقد لا تكون أطوار قتلت لأنها أطوار بهجت, وإنما لأنها تمثل قيمة إعلامية مميزة ومن ثم فاغتيالها سيشيح الوجوه قليلاً عن حرب أهلية يراد لها أن تستعر بقوة في العراق؛ فهناك أكثر من ملف مفتوح الآن على الصعيد الدولي والإقليمي كاستمرار بقاء قوات الاحتلال الأمريكية في العراق بكامل عتادها وعدتها, الأمريكيون على أعتاب استحقاقات داخلية كدعوات الانسحاب الجزئي من العراق ودعوات عزل الرئيس الأمريكي والانتخابات النصفية للكونجرس نهاية العام الحالي, وهناك الملف النووي الإيراني المحال قبل أيام لمجلس الأمن, وهناك الاستحقاق الداخلي العراقي ومعضلة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد أيام من الانقسام البارز في المعسكر الشيعي على تسمية رئيس الوزراء د.إبراهيم الجعفري (حزب الدعوة الشيعي) والذي حصل بالكاد على نسبة تزيد بصوت عن منافسه عادل عبد المهدي (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية), وهناك دعوات توريط قوات عربية في "حفظ السلام" بالعراق, والتي لم تكن بعيدة عن جولة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس للمنطقة والمستمرة حتى الآن.. وكلما كانت الساحة العراقية مقبلة على مرحلة جديدة من الاستقرار أو الصراع كان للصحفيين البارزين عنوان باغتيالهم لهذه المرحلة؛ فكما كانت الأنظار مأخوذة بمشهد اغتيال الزميل الشهيد طارق أيوب في الثامن من شهر إبريل في العام 2003 كانت الدبابات الأمريكية تمضي اقتحاماً للعاصمة العراقية بغداد, وحين كان العراق على أعتاب حرب طائفية دموية بغيضة, كانت الزميلة المغدورة عنواناً لهذه المرحلة المقبلة أيضاً. وكان قدر أطوار أن تدفع هي ثمن إرهاصات هذه المرحلة.. رحم الله أطواراً, فقد كانت تحمل مسؤولية كبيرة لم تنأ يوماً عن حملها حتى ضاق بها الجميع ذرعاً, ويوم أن اعتقلتها قوات الاحتلال الأمريكية في مايو 2004 قدم الناطق الإعلامي الأمريكي مفهوماً جديداً للإعلام بدا أن المسكينة لم تكن تفهمه أو تحاول أن تتفهمه ببراجماتية يتمنطقها غيرها.. قال الناطق حينها بكل براءة:"إنها تتواجد في أماكن الأحداث ضد القوات الأمريكية في كل مرة"!! فما كان ينبغي لها أن تتواجد في أماكن الأحداث إلا مع القوات الأمريكية لا ضدها, وكان هذا سبيل النجاة الذي لم تقبله نفس المغدورة الأبية, التي تحمل في قلبها حملاً ثقيلاً هو هذا الوطن العراقي الحبيب بكل شجونه وآلامه وأتراحه.. هذا الوطن الذي فاضت عباراتها كثيراً لوعة على فقدانه.. "عندما أحاطت القوات الأميركية الفندق أيقنت بالحقيقة وبكيت لأني شعرت أن البلد سقط وضاع وكدت أصاب بالهستريا حتى بدأت بالتفكير للذهاب إلى طبيب نفساني بسبب الصدمة الكبيرة التي تعرضت لها جراء سقوط بغداد السريع وغير المتوقع".. "كنت أكتب عن الحب فقط لكن من يوم احتلال بغداد ولحد الآن لا أكتب سوى عن الوطن الذي أشعر أنه سرق في وضح النهار." (قالت أطوار..) فليكتبوا هم عن الحب وليدعوا أطواراً تسجل ملحمتها الشعرية بدمها البريء.. في الأخير, لقد سرق المجرمون منا الوطن.. ثم سرقوا أطواراً..
|
مقالات
(أطوار).. عندما تبكي على صدر الوطن
أخبار متعلقة