وقفة في زمن الفن الجميل :
[c1]* الأمير الفنان لولاه ماكانت الموسيقى الشرقية تجددت [/c]تتزعم اسرة الطرشان الملكية التي ينحدر منها فريد الاطرش جبل الدروز وقد قاد ثورتها ضد الفرنسيين عام 1923م زعيمها الامير سلطان الاطرش خال والد فهد الاطرش وفهد الاطرش هو والد الموسيقار العظيم فريد الاطرش وقد اشتهر الدروز بالشجاعة والحرب فهم مشهورون بالمروءة والشهامة وإكرام الضيف ولكي نوضح للقارئ العزيز اين يقع جبل الدروز يبعد عن دمشق عاصمة سورية بمائة وعشرين كيلو متر ويقع على حدود الحجاز والاردن وفلسطين.[c1]"نشأته الفنية"[/c]بدأ فريد الاطرش حياته الفنية عندما كان تلميذاً في مدرسة الغرير بالقاهرةفكان يغني في الاذاعات الاهلية ويترك دراسته حتى طرد من المدرسة بسبب حبه للفن فأدخلته والدته الاميرة علياء الاطرش بعد ذلك "مدرسة الروم الكاتوليك" التي نال منها الشهادة الابتدائية فيما بعد كما التحق بنادي الموسيقى الشرقي وكان من اساتذته رياض السنباطي فعلمه العزف على العود رغم الموهبة التي اكتسبها فريد في العزف على العود ومن غير دراسة الموسيقى بانتظام وكان يسكن بجواره في ذلك الحين فريد غصن الملحن اللبناني الذي كان يضع له ولشقيقته الراحلة اسمهام الحانهما التي غنياها في بدء حياتهما."أول أجر" وكان فريد يتقاضى من فرقة ماري منصور الاستعراضية مالا يزيد عن ستة جنيهات فعرضت عليه بديعة مصابني جنيهين زيادة فترك فرقة ماري منصور الى بديعة واخذ يظهر في استعراضات الفرقة التي كان من بين افرادها انذاك الموسيقار محمود الشريف، ومحمد عبدالمطلب وابراهيم حمودة، الذي غنت له أم كلثوم بعض الحانه، والمرحوم محمد فوزي ومن راقصاتها تحية كاريوكا،وجملات حسن التي ماتت منتحرة حرقاً وكان فريد كلما غضب من بديعة ترك فرقتها ليعمل عازفاً في فرقة ابراهيم حمودة الذي انفضل في المدة تلك عن فرقة ماري منصور.[c1]مدحت عاصم يكتشف فريد:[/c]وفي ذلك الوقت كان مدحت عاصم يشغل منصب المدير الفني للاذاعة المصرية فصادف مرة أن كان يزور معهد الموسيقى العربية فسمع في احدى الغرف التي في المعهد صوت عزف جميل على العود فأعجب بطريقة العازف ففتح باب الغرفة فإذا به يجد نفسه أمام شاب حديث السن ونهض فريد من مقعده مرتبكاً عندما رأى أمامة شخصية المدير للاذاعة المصرية فأشار له مدحت بيده في كبريائه المعهودة وقال له: اقعد يا اطرش انت اللي كنت بتعزف دلوقت فأجابه فريد وهو يلتقط انفاسه نعم يا افندم-اسمك ايه؟فريد الاطرش استمر في العزف أنت عزفك جميل وصوتك برضة جميل ابقى فوت عليَّ في الاذاعة- وبذلك جاءت الفرصة لفريد ليكون عازفاً على العود في الاذاعة المصرية مقابل جنيه واحد عن الاذاعة الواحدة ثم جاء مرة اخرى الى مدحت يقول له في حياء: أنا بغني كمان زي ماحضرتك قلت في السابق فأسمتع اليه مدحت وشجعه على الغناء حيث غنى فريد في الاذاعة أول لحن له:"بحب من غير أمل" ثم غنى بعد ذلك "افوت عليكي بعد نص الليل" و" ياريتني طير"وكانت هذه اول الحان يغنيها فريد الاطرش في بداية مشواره الفني في الاذاعة عدا الالحان التي غناها لمدحت عاصم مثل تانجو "كرهت حبك" و "ميمي" و"اهواك" ورومبا " مااقدرش" وكان فريد في البداية يغني بمصاحبة العود ثم بمصاحبة رباعي العقاد.وطارت شهرة فريد عن طريق الاذاعة وظهرت مواهبه في التلحين بجانب الغناء فكان يلحن لاسمهان وكان من بين ماغنته له انذاك "نويت اداري الآمي" و "رجعت ياحبيبي" و "اعمل ايه علشان انساك" ولمع نجمه كمطرب الى درجة ان مجلة الصباح اقامت مسابقة لاحسن مطرب فكانت من نصيبه.[c1]شهرة فريد وحقد محمد عبدالوهاب:[/c]وفي ذلك الوقت تحمس عبدالوهاب لاظهار تلميذه محمد أمين ولحن له أغنية وهي اول اغنياته التي طارت شهرتها حينذاك وهي "نور العيون ياشاغلني" فاصطحبه الى اثينا لتسجيل بعض الاسطوانات له هناك وقدمه بنفسه لمستمعي الاذاعة وهو مالم يفعله مع مطرب أخر لكي يضار به فريد الاطرش.انتصار الشباب - وجاء عهدالسينما بعد الاذاعة وتعاقدت شركة افلام النيل على بطولة فيلمها الاول انتصار الشباب عام 1941 في مقابل اجر ثلاثة الف جنيه مناصفه بين اسمهان وفريد وفي مقابل الغناء والتمثيل والموسيقى فيما يتقاضى فريد بعد هذا الفيلم مبلغاً كبيراً جداً عن الفيلم الواحد لم يحلم به فنان عربي.- فريد وسامية جمال - وكان انتصار الشباب نقطة تحول في حياة فريد الموسيقية ، كما تعاون على العمل فيه مجموعة كبيرة من العناصر الفنية فأخرجه أحمد بدر خان وكمل فيه المخرج هنزي بركات "موتير" والمخرج يوسف معلوف في احدى المهن الفنية واشترك في تمثيله بجانب البطلين (فريد واسمهان) انور وجدي وروحية خالد وبشارة واكيم وحسين كامل وفؤاد شفيق وعلوية جميل. واصبحت سامية جمال بعد اشتراكها في الفيلم ضمن مجموعة الكومبارس في الراقصة التي ادتها في اوبريت الختام وكان نجمها قد بدأ في اللمعان هي الراقصة الوحيدة والبطلة في العديد من اوائل افلامه الذي قدمها أما عن الانطلاقة الاولى تكمن عندما ادخل بعض اصدقائه في رأسه وهو لايمتلك شيء سوى صوته والحانه فكرة إنتاح افلام لحسابه فأنشأ مكتباً في مبنى متواضع في شارع الانتخانة واعلن عن انتاج فيلمه الاول من حسابه الخاص الذي اختار له عنوان اغنية حبيب العمر، وقامت بدور البطولة الى جانبه الراقصة سامية جمال وفجأة انهالت عليه عقود موزعي الافلام في الاقطار العربية ليدفعوا ثمن الفيلم مقدماً ووجد فريد لديه مبالغ كبيرة فدخل الاستديوا لينتج الاغنية التي صارت فيلماً.. وعرف الناس فيمابعد من يكون حبيب العمر الذي غنى له تلك الاغنية فقد كانت سامية جمال واصبحت سامية جمال بعد ذلك الحبيبة والصديقة والقاسم المشترك في جميع افلامه "عفريته هانم" "آخر كذبة" "مانقولش لحد" ثم تعال سلم أخر افلامهما معاً وكان فريد قبل ذلك قد ظهر مع صباح في فيلم ليس من انتاجه هو (بلبل افندي) وظهر مع نور الهدى في فيلمين من انتاجه وهما (ماتقولش لحد) و (عايز اتجوز) ثم انتج له استوديو مصر فيلم لحن الخلود الذي التقى فيه للمرة الاولى مع فاتن حمامة واشتركت فيه ماجدة ومديحة يسري وقد نجح الفيلم " لحن الخلود" مما جعله يحاول انتاج فيلم أخر بعنوان ـلحن حبي) مع صباح كما انتج فيلم رسالة غرام قبل لحن حبي واذا كان لحن الخلود مقتبساً عن قصة فيلم خلود لمرجريت كندي فلحن حبي مقتبس عن مجدولين لالفونس كار للسيناريست يوسف عيسى والمخرج بركات مثل فيه فريد دور استيفن أمام مجدولين مريم فخر الدين التي التقى معها مرة ثانية في فيلم عهد الهوى واشترك فيه يوسف وهبي الذي طالما مثل على المسرح ايام مجدرمسيس دورارمان دوفال اما في الفيلم فقد قام بتمثيل دور الاب، وليلة العرض الاولى لفيلم عهد الهوى تبرع فريد بتلك الحفلة لمشوهي الحرب وحضرها الرئيس جمال عبدالناصر واعضاء مجلس قيادة الثورة ولم يتمكن فريد من الحضور بسبب مرضه.وكان احدث ما انتج فيلم "قصة حبي" عن فكرة من تأليفه لاول مرة استعمل فيها القصة التي اشتهرت عند غرامه بالملكة السابقة ناريمان حيث يقوم فيها بدور خطيبها الذي اختطفها منه الملك السابق فاوق بعد أن رأها في محل غالي الجواهرجي ولكن شخصية الملك السابق لاتظهر في الفيلم بل تظهر فيه يد ترتدي قفاز ابيض ويطلق عليه اسم الرجل ذو القفاز الابيض أما شخصية ناريمان فتمثلها ايمان بعدان مثلت فيلم عهد الهوى بعد أن اتاح لها الفرصة الاولى فريد واصبحت بعد ذلك ايمان زوجة اخيه فؤاد الاطرش ولكنها طلقت منه بعد ذلك --- ولنعود الى ماكنا عليه اصبحت اغنية (حبيب العمر) شعاراً لفريد في حبه فعندما طارت شهرة قصة حبه الثانية مع سامية جمال بطلة افلامه التي شاركت في مجده وغنى لها اروع الحانه (حبيب العمر) و (يازهرة في حياتي) ووضع لها معزوفة خاصة باسم (توتة) توقع الكثير من دوام هذا الحب لاسيما بعد تعاونهما الفني معاً وتكون نتيجته الزواج ولكن النهاية جاءت على عكس ماكانوا يتوقعون بانقطاع كل علاقة فنية وشخصية بينهما بعد حادث خاضت فيه الصحف في ذلك الوقت فقالت مجلة الفن ان فريد قد بلغ من غيرته على سامية جمال وأنه ذهب يومها اليها وهو في يده مسدس وهددها بالانتحار على مدبح غرامها فقد بالغت الصحف والمجلات الفنية بترويج الاشاعات الكاذبة التي ليست بدليل قاطع أو واقع دعونا من هذا ولنتابع بقية القصة الغرامية الفنية في زمن الفن الجميل بين الموسيقار الكبير فريد الاطرش والنجمة الاستعراضية سامية جمال وكان فريد في هذه المرة كما في المرة الاولى الدون جوان المجني عليه وإن كان المعروف أن بسبب الخلاف هو أن سامية جمال كانت تريد أن توطد علاقتهما بالزواج غير أن فريد كان يخاف أن يفشل في زواجه لذلك كان يماطلها حتى يخلد الى نفسه ويقرر هو وقت الزواج مما دفع بـسامية جمال لتركه وتزوجت من شيردكنج الامريكي الذي اسلم ليتزوج منها واطلق على نفسه اسم عبدالله كنج، ومن الطريف انه حدث بعد طلاق سامية من عبدالله كنج الامريكي أن قرنت الشائعات من جديد بين اسمها واسم فريد الاطرش وقيل انها طلقت لتعود الى فريد فأرسل فريد أول بيان من نوعه الى الصحف ينفي فيه نفياً قاطعاً وجود علاقة بينه وبين (حبيب العمر) سامية جمال سوى علاقة الزمالة بين فنان وفنانة (حكاية غرامي) لقد غنى فريد هذه الاغنية وهو يبكي بالدموع وفريد انسان عاطفي حساس لايستطيع ان يعيش بلاحب ولذلك اقترنت هذه الاغنية الباكية بقصة غرامه الفاشلة- لن اتزوج وأنا فنان.. وقال فريد أنه لن يستطيع أن يتزوج وهو فنان لانه لن يستطيع اسعاد من سيتزوجها بسبب عمله المتواصل وقرر بأنه لن يتزوج وأن يحافظ على فنه الذي يحبه أكثر من روحه، أما أحد المقربين اليه فيقول:أن فريد يخشى الزواج حتى لايصبح لديه عقدة نفسية من كل ماهو "إمرأة" وبالعكس ففريد قلبه يمتلئ بالحب والعطف والحنان والمشاعر والاحاسيس فريد حب أكثر من مرة فريد الكريم المضياف.. وفريد ورث الكرم والضيافة عن عائلته الحاكمة في جبل العرب (الدروز) وهم سلاطين آل الاطرش وهم يفتح منزله للجميع ولايفوته أن يقيم الحفلات الساهرة في منزله الفخم التي فيها المئات بمناسبة وغير مناسبة لامراء العرب ومشاهير الفنانين فقد دعا الامير اغاجان والبيجوم قرينته والماركيز ديكويفاس وفرقته التي تتكون من مائة راقص وراقصة بالية وكثيراً مايقيم الليالي الملاح حتى الصباح ولسان حاله يقول طبعي كده وأنا كده.موسيقى الاطرش: وموسيقى الاطرش يصوغها كما يصوغ الشاعر قصائده بالوحي والالهام فهي ليست نتيجة تعليم أو دراسة لانه لم يدرس الموسيقى دراسة منتظمة وإنما اخذها بالفطرة والسليقة والاستعداد والموهبة الفذة التي ولدت معه فوجد نفسه منذ الصغر يغني ويسرق عود والدته ليعزف عليه من ورائها وستعجب بعد ذلك عزيزي القارئ وأمام هذه الثروة من الحان الجدة التي وضعها فريد عندما تعلم أنه كان يلحن بالسماع دون أن يكتب موسيقاه التي يسجهلا بواسطة فرقة أوكسترا ضخمة مكونة من مئة وثلاثين عازفاً بعدا ان كان يغني بمصاحبة العود فقط ومن ذلك تلمس أن فريد يصوغ الحانه بالفطرة والسليقة كما يصوغ الشاعر الموهوب الذي لم يتعلم الشعر في مدرسة قصائده وقدساعده على ذلك استعداده الشخصي وموهبته التي خلقت معه بجانب صوته العذب الذي يفصل عليه الحانه بعد ان فتح له صوت اسمهان الذهبي آفاقاً واسعة في التلحين جعلته بعد احتجاب هذا الصوت القوي الرنان يفصل لصوته الحاناً ليبلغ بها عمق صوت اسمهان وما امتاز به من حرارة ودفء نفس طويل كما حاول ذلك في اغنية الختام في (لحن الخلود) التي ذكرنا اداؤه لها وبالاخص في نهايتها بصوت اسمهان وهو يدوي بالرنين مع صوته في اوبريت الختام وللعاطفة في موسيقاه نصيب كبير يستمد الحانه من تجاربه العاطفية وهي تجارب كما عرفت كلها عذاب وآلام ودموع صقلت روحه بالالم فانسكبت في الحانه واستوحى منها انغامه التي لاتخرج عن كونها رسالة غرام يبث فيها لوعته وشقاه من صد الحبيب وهجره وجفاه كما لايستطيع كما سعد بلقاء الحبيب وحظي برضاه أن يخفي عن الناس كذلك اسباب هنائه وسعادته بهذا اللقاء فهو يصوغ الحانه كما يصوغ الشاعر قصائده بالوحي والالهام .[c1]الوراثة [/c]ولابد للقارئ أن يعلم من اين هذا البلبل الغريد فردالاطرش وشقيقته ذات الصوت الذهبي النادر اسمهان من اين اكتسبا هذه الموهبة وعن من اخذاها فلابد لكل موهبة من أصل وأصل موهبة فريد واسمهان تكمن في حنجرة والدتهما الاميرة عليا الاطرش التي اضطرت بأن تسجل في حياتها اسطوانه واحدة بالاشتراك مع المطرب.. تاج كما اقامت بعض الحفلات بعد وصولها القاهرة عندما نزحت مع اولادها من لبنان ولكنها لم تتخذ الفن مهنة نظراً لمكانة عائلتها وعائلة زوجها الامير فهد الاطرش وعادت الاميرة علياء من القاهرة الى بيروت عام 1965م حيث توفيت فيها عام 1968م وهذا هو جزء لايتجزأ عن قصة حياة الموسيقار الكبير فريد الاطرش هذا النجم اللامع والهرم الفني الخالد الذي ضحى بحياته في سبيل اسعاد جمهوره ورضاءه وبقيت ذكرى اغانيه وموسيقاه خالدة الى يومنا هذا نذكر بعض اغانيه الرائعة منها: "الربيع،اول همسة،وسألني الليل، ونجوم الليل، وياقلبي يامجروح، وحكاية غرامي وغيرها من أروع وأجمل ماترك لنا هذا الموسيقار العظيم هدية من زمن الفن الجميل.* إعداد / روماس عبدالقوي عبدالله