أزمة الإرشاد الديني الذي لا يستوي على قوائم صحيحة من العقل والمنطق والضمير ، تكاد تشكل معدلاً متنامياً في مستويات الهبوط والتأخر في أحوال الأمة الإسلامية !! يدرك ذلك المرء وهو يتقلب بين الخطباء والوعاظ وكتاب الفكر الاسلامي باتجاهاته المختلفة ((!)). وعلى سبيل المثال وليس الحصر ! أدركت أحد الخطباء وهو يزبد زبد السيل الجارف ، ويخور خوار البقر (( ! )) .. يهاجم أمريكا (( وعدوانها )) على الفلوجة .. واصفاً (( إياد علاوي )) بـ (( الخنزير )) ! ومؤيداً لمبدأ اختطاف الرهائن وقتلهم في سبيل الضغط على الاجنبيالذي تحتل بلاده أرض الاسلام وتقتل شعبه !! . وأدركت خطيباً آخر يهاجم مفتي عام المملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ / عبدالعزيز آل الشيخ .. واصفاً إياه بـ (( كبيرهم .. )) !! مهاجماً فتواه بمنع اعتبار الجهاد مشروعاً في الوقت الحاضر في العراق .. ومؤيداً فتوى أو دعوة مخالفيه من دعاة بلاده بوجوب التوجه للجهاد في العراق !! . ولست بصدد تفنيد تلك الأقوال والخطب ولا بصدد مناقشتها تفصيلاً .. ولكني بصدد التعرض للتأصيل الشرعي لهذا السلوك الغريب في التعامل مع الأعداء والخصوم !! .. وكذا بصدد التعرض للأزمة الأخلاقية التي تمر بها دعوتنا المعاصرة في عالم كبير ، تعصف به رياح الخلافات من الداخل ((!)) ، وتقصمه تكالب الوحوش الكاسرة من الخارج (( !! )) . إن عدالة الاسلام هي منهاج متكامل من السماحة واليسر والعقل والضمير ، يؤكد ذلك كله قول الله تعالى في خطابه الى المؤمنين : (( يا أيها الذين آمنوا لا يجرمنكم شنأن قومٍ على ألا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى .. )) . وقال – سبحانه – في سورة النساء : (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ، شهداء لله .. ولو على أنفسكم او الوالدين والأقربين ، إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما .. فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ((!)) .. )) .وهذه الآيات وغيرها كثيرات تنتشر بين دفتي المصحف الشريف .. كلها تؤكد سلامة منهج العدل الإسلامي في شتى صنوف المعاملات كأساس من أسس البناء الحضاري للأمة .. وبدون هذه الحضارة سوف تتفشى الفوضى وتعربد البلطجة في حياة الناس ومن ثم سيضطرب منهج القوم .. وتختل موازين العدالة جميعاً وليس بعد ذلك غير السقوط !! وحتى مع الكافرين .. لا تتغيب مبادئ العدالة في تنظيم معايشتهم ومعاملتهم، أو ليس الله يقول: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين .. ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم .. أن الله يحب المقسطين .. انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم ان تولوهم .. ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون".وهاتان الآيتان من أعظم ما جاء في القرآن العظيم من تأكيد العدل حتى مع الضر والإخراج بغير حق والعدوان فليس ثمّ الا الحرب واتخاذ الكافرين عدواً!!.ومن هنا .. نتساءل بأي منطق أو حق يشرع الجاهلون خطف المدنيين من الرعايا الأجانب والذين يعملون في مجالات مختلفة من التنمية الوطنية بإذن حكومة البلد .. ومن ثم ذبحهم كالخراف في ابشع وسيلة تصفية جسدية عرفتها البشرية!!إن هؤلاء ما يزالون يؤكدون مواقعهم الحصينة في قلب ادغال الماضي التاريخي وعجزهم عن إدراك الشوط الطويل الذي قطعته مسيرة الإنسانية عبر قرون عديدة .. ونحن عندما نصنع بالاجانب هذا الصنيع إنما نحفر في ذاكرة الزمان جرفاً منيعاً يستوعب الكراهية والألم والعداوة وهو ما يعيق مسيرة دعوتنا .. وكأننا بذلك نحذو حذو المعتدين منهم عندما يقصفون ديارنا ويقتلون أبناءنا فإنهم لا دعوة لهم ولا دين "!!" .. ولذلك فهم أي اعداؤنا إلى الزوال صائرون! ومن الهزيمة يقتربون!!َ وإذا كان التعامل بالمثل مشروعاً ، كما قال الله تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدى عليكم".فإن هذا العدوان المماثل إنما شرع رداً على المعتدين انفسهم .. لا على من ينتمون إلى جنسهم أو اصلهم أو دينهم أو ملتهم!!لأنه في حالة تمييع الرد وسحبه إلى هؤلاء الذين لا جريرة لهم غير الانتماء الديني أو الوطني .. فإنهم عندئذ قد حادوا عن جادة الحق .. ومرقوا من ظلال المستقيم .. ونسبوا إلى الدين ظلمهم بغير برهان مبين!!إن مسؤولية التوجيه والإرشاد على الدعاة عظيمة ولقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً .. ولم يكن فظاً ولا غليظاً!!ولا رضي بالسفاهة منهجاً .. وقال للذي سأله في الإسلام قولاً لا يسأل عنه أحداً بعده – صلى الله عليه وسلم - قال له : قل آمنت بالله ثم استقم !!ومسلك بعض دعاتنا وخطبائنا اليوم ، ذكرني بفريقين ، دعاة سفهاء ، ودعاة فقهاء .. الأول ضار على نفسه والآخرين! .. والثاني هم حزب الله الغالبون .. وفي وصفهم يقول الشافعي ـ رحمه الله :ومنزلة السفيه من الفقيه [c1] *** [/c] كمنزلة الفقيه من السفيه! فذاك زاهد في علـم هذا [c1] *** [/c] وهذا فيه ازهد منه فيه! إذا غلب الشقاء على سفيه [c1] *** [/c] تنطع في مخالفة الفقيه!وهو والله عين الحكمة .. وقلب الحقيقة .. وبيت القصيد .
أزمة الإرشاد المعاصر !!
أخبار متعلقة