شخصيات خالدة
جنتر جراس هو أحد الأعلام المعاصرين في الأدب الألماني، وُلد بمدينة دانتسيج في 16 أكتوبر عام 1927. وفي عام 1944 التحق بالخدمة العسكرية وجرح أثناء الحرب العالمية الثانية ثم أسره الأمريكيون في ولاية بافاريا. وفي عام 1946، أي بعد انتهاء الحرب أطلق سراحه ثم مارس أعمالاً كثيرة منها أعمال البناء بمدينة دوسلدورف حيث بدأ دراسات جديدة في الفن أكملها بمدينة برلين في عام 1935.بدأ جنتر جراس انطلاقه في عالم الأدب عندما ربح جائزة في الشعر في عام 1955، وأخذ يكتب في إحدى المجلات الأدبية المشهورة، كما اكتسب شهرة في ميدان النحت والرسم وكتابة المسرحيات والتمثيليات الإذاعية ومئات المقالات. ثم انتقل بعد ذلك مع عائلته إلى باريس في عام 1956 حيث كتب أولى رواياته الطويلة «طبلة الصفيح» التي أحدثت زوبعة في الأوساط الأدبية والنقدية عندما نُشرت في عام 1959، وقبل نشرها في كتاب حصلت هذه الرواية على جائزة من «جمعية 47»، وهي جمعية أدبية تكوّنت في عام 1947 لتشجيع الأدباء الجدد ونشر إنتاجهم، ومنذ ذلك الحين أصبح جنتر جراس عضواً عاملاً بها.وقد لاقت رواية «طبلة الصفيح» رواجاً كبيراً لدى القرّاء، ونالت شهرة ضخمة لدرجة أن فيلماً سينمائياً أعد منها من إخراج فولكر شلوندورف نال الجائزة الأولى في مهرجان «كان» السينمائي في عام 1980.وفي عام 1963 وجه جنتر جراس ضربة أخرى للوعي الألماني بروايته «سنوات القهر» التي غطت الأرضية نفسها تقريباً التي غطتها رواية «طبلة الصفيح»، وبين الروايتين نشر جنتر جراس رواية قصيرة بعنوان «قط وفأر»، وقد صدرت هذه الأعمال الثلاثة مرة أخرى في مجلد واحد في عام 1974 بعنوان «ثلاثية دانتسيج».إن جنتر جراس ينتمي إلى ذلك الجيل من الأوربيين الذين ولدوا في السنوات الأخيرة من العشرينيات والذي اكتوى بنار الحرب في آخر الثلاثينيات، كان عمره سبعة عشر عاماً عندما جنّد بالجيش النازي، وكان أصغر من أن يتحمّل المسئولية ولكن وعيه بالأشياء كان ناضجاً، لذلك كانت الحرب بالنسبة له ولجيله صدمة كبيرة لأنهم قاسوا ويلاتها وهم في مطلع الشباب، ثم عانوا بعد ذلك من الفوضى والدمار اللذين خلّفتهما الحرب، ثم عايشوا- بعد أن بلغوا طور الرجولة- مشكلة تقسيم ألمانيا، ثم المعجزةالاقتصادية التي أعادت بناء جمهورية ألمانيا الاتحادية من جديد. لذلك فإن من الطبيعي أن يكون جنتر جراس واحداً من أولئك الأدباء الغاضبين المتمرّدين الذين يجترون دائماً الأحداث الماضية لكي يتفهّموها ويحللوها ويوجّهوا الاتهام لمن يستحقه، ويقوموا بالتحذير من مغبة نشوب حرب عالمية ثالثة.اختار جنتر جراس أسلوب السرد النثري الذي يشبع ميله نحو وصف الأحداث بطريق التداعي ومزجها بالوثائق التاريخية الواقعية، كما أن الشكل الذي تظهر فيه روايات جنتر جراس والأسلوب الذي تكتب به يتميّزان بنوع من الثنائية الفريدة التي تمزج بين مشاعر الكاتب والحقيقة المجرّدة في لغة تتميز بالقوة القاسية القاتمة مع سخرية تنضح بالمرارة. وقد اعتاد جنتر جراس أن يصمم أغلفة كتبه ويزوّدها بنفسه بالرسوم المعبّرة.وفي العام 1999م نال جائزة نوبل للأدب وجاء ضمن حيثيات فوزه إن جنتر جراس رسم في رواياته القاتمة التي لا تخلو من بهجة الوجه المنسي للتاريخ .من أبرز أعماله سنوات القهر، تخدير موضعي ، سمكة الترسة ، الألمان ينقرضون ، و نداء الضفادع .