سلوى صنعاني :حري بنا ونحن نطفئ الشمعة الأربعين لميلاد صحيفة “14 أكتوبر” هذا العام.. ان نتذكر تلك الاقلام التي لا تجف محابرها.. التي خطت اشرف صفحات تاريخ شعبنا وترجمت معاناته وافراحه وانتصاراته وانتكاساته.قامات اعلامية اشرقت الحياة بكلماتهم ومواقفهم في الاوقات العصيبة وفي زمن الانكسارات، حملوا رايات الشرف والنضال معاً وجمعوا بين القول والعمل وبين الكلمة والسلوك الشريف.ومنهم ذلك الرجل ذي القامة النحيلة الذي حمل هم الوطن على كتفيه النحيلتين .. وكان فكرا متوهجاً وذاكرة مخزونة بالمعرفة والتاريخ ومرجعاً فكرياً وثقافياً يزود من حوله بكنوزه المعرفية.فارس من فرسان الكلمة الشريفة الذين لم يرتدوا اقنعة الزيف والتملق بغية منصب أو جاه، بل كان الوطن ومحاربة الجهل هو ديدنه.عرفته صفحات “14 أكتوبر” على مدى عقودها الثلاثة وممن أرسوا دعائمها لتمضي كشعلة إعلامية في الحياة، ومن لا يعرفه وهو أستاذنا الكبير المفكر والصحفي عبدالواسع قاسم نعمان.ومثلما عرفته صحيفة “14 أكتوبر” قلماً شريفاً متوقداً عرفته الساحة الاعلامية كقوة خلاقة صنعت صرحاً إعلامياً في زمن النضال والاستحالة بتحريره نشرة الثوري إبان الوجود الاستعماري سعياً لإذكاء الروح الكفاحية في وجدان الشعب اليمني ثم تأسيسها كصحيفة تشكل منبراً اعلامياً منذ أواخر عام 1967م.كذلك عرفته السجون والمعتقلات حين ضمت بين جنباتها شرفاء هذه الأرض وحين أودع سجن مربط ثم سجن المنصورة عام 1965م بعد انخراطه المبكر في حركة القوميين العرب.اطلق على نفسه لقب “الغفاري” لانحيازه لأبي ذرالغفاري ملك الفقراء في الإسلام والمدافع عنهم، وهذا يعني انحيازه وحبه ودفاعه عن فقراء هذا الوطن الحبيب الى قلبه.كان من أوائل الصحفيين الذين عملوا في صحيفة “14 أكتوبر” اسهم في هيئات تحريرها، وقلماً بارزاً من اقلامها في الظروف الصعبه والبدايات التي تشوبها العثرات .. عمل بجهد وسهر على ولادتها مع زملائه تحت وطأة الظروف الثقافية والتقنيات المحدودة والاوضاع المهنية المتردية التي واجتها الاصدارات الصحفية المبكرة.لم يكن قلماً لامعاً في الساحة الإعلامية اليمنية بل وله كتابات متميزة في الصحف والدوريات العربية ومنها مجلة “الطليعة المصرية” وتجمعه صداقات وعلاقات كثيرة مع زملائه من الكتاب والأدباء العرب.الرجل رغم بساطته وتواضعه كان فكراً متوهجاً ملأ الدنيا بكتاباته، وزود من حوله بمعارفه .. وهو الملم بعلوم الفقه الديني واللغوي والفلسفة والادب والصحافة.لديه مكتبة ضخمة لمؤلفين كبار من العرب والاجانب وباللغتين العربية والانجليزية في منزله الكائن في كريتر، لا يبخل بتزويد أي قارع لبابه بالمعلومات.. كانا قلبه ومنزله مفتوحان للناس ومفعمان بحبهم.ومثلما عرفته صحيفة “الثوري” مؤسساً كذلك أسس مجلة “قضايا العصر” عام 1986م وترأس هيئة تحريرها وعني خلال مشواره معها بنشر البحوث والدراسات الفكرية العربية واليمنية واعطاها زهرة كنوزه من معرفة وصحة وعمر افناه لتزدهر، ولم يقتصر عمله الخلاق على ذلك بل اسهم في تأسيس مجلة “المعرفة” مع زميله الاستاذ عبدالرزاق شائف وزخهم بالعديد من الابحاث والمراجع التي يمتلكها..ترجم العديد من الكتب والابحاث من الانجليزية الى العربية، ومن العربية الى الانجليزية.. ولكنه وهو العفيف الزاهد في الحياة لم تمكنه ضيق اليد وعسر الحال من اخراجها الى النور.عرف الرجل بنقاء الضمير والعفة والترفع عن ملذات الحياة .. عاصر ازمنة التردي وعاش مكلوماً حبيس نفسه وهو يرى احلامه واحلام غيره من المثقفين تذوي ازاهيرها، عانى من النكران ممن حوله من هؤلاء الذين يحبون رفع المباخر وترديد الزغاريد والتلون والتزلف.. فانزوى في منزله بكريتر مؤمناً وهو العصامي بانه لا يبقى للانسان ما يدخره لنفسه سوى كرامتها وعفتها وحب الناس لها.رحل عبدالواسع قاسم المفكر المتقد لتموت بعده كتلة من المثل والمبادئ والقيم أثرت حياة الآخرين من خلاله.آخر ايامه كان حبيس منزله ونفسه ورحل على اثر سكته قلبية بعد معاناة مع مرض القلب بعد ان اقام للفكر محراباً مقدساً للحرب ضد الجهل وملأ الحياة نوراً.حري بنا ان نتذكر أستاذنا عبدالواسع مع كل مناسبة نعيشها.. نتذكر فكره ومعارفه وقلبه المفعم بحب الوطن وناسه.. ونتذكر صبره وجلده في ازمة الانكسارات التي كان يواجهها بتحديه وبابتساماته الجميلة المشرقة.. ونشكره على كل ما قدمه من أعمال على الساحة الاعلامية الصحفية العربية واليمنية، وخصوصاً صحيفة “14 أكتوبر” ونقول له.. “مثلك لا ينسى” وشكراً لما اعطيتنا ونحن نطفئ شمعتنا الاربعين ينتصب شخصك الكريم أمامنا يحتفي معنا بهذا العيد وهذه الانوار.
شكراً لأستاذنا عبدالواسع قاسم
أخبار متعلقة