(كليوباترا) بمشاعر (أسمهان)
أحمد فضل شبلول من الصعب متابعة كل مسلسلات رمضان على كل الفضائيات والأرضيات هذا العام الذي تميز بكثرة كاثرة من تلك المسلسلات المصرية والسورية والخليجية وغيرها.حاولت بقدر الإمكان متابعة مسلسلات: (الجماعة)، و(اللص والكتاب)، و(كليوباترا)، ويكفي ذلك، فنحن لسنا منقطعين في الشهر الكريم للمسلسلات قياماً وقعودا وصحوا ونوما، وليت القائمين على عروض تلك الكثرة الكاثرة من المسلسلات يعرفون أن للإنسان طاقة على المشاهدة، ولديه مهام أخرى غير الانقطاع للفرجة التلفزيونية. وأنهم بهذا الإغراق المسلسلاتي يفقدون مشاهدين كثر، بدلا من جذبهم.سألت أحد الأصدقاء: أي مسلسل تتابع؟ فأجابني: ولا مسلسل! ـ لماذا؟ ـ من كثرتهم فضلت ألا أشاهد أحدا منهم. وربما نجد كثيرين مثل صاحبنا.سألني: وأنت ماذا تشاهد؟ فذكرت له المسلسلات الثلاثة. وذكرت له الأسباب:• *(الجماعة) مسلسل جريء يتعرض لنشأة (الأخوان المسلمين) على يد الشيخ حسن البنا، وبطبيعة الحال توقعت منذ أول حلقة، بل قبل عرض المسلسل، أن يحدث اعتراض وإقامة دعوات قضائية سواء من جانب جماعة (الأخوان المسلمين) الحالية، أو نفر منهم، أو من عائلة الإمام حسن البنا نفسه. وهو ما تتعرض له سنويا المسلسلات القائمة على عرض سيرة ذاتية لأحد المشاهير، من أم كلثوم إلى عبدالحليم حافظ إلى أسمهان وغيرهم. وأشيد بجرأة وحيد حامد الذي يدخل ـ كما عودنا ـ إلى المناطق الملغومة، والفنان الأردني إياد نصار الذي ينطلق نحو النجومية في مصر الآن، مثل الفنان السوري جمال سليمان.•* (اللص والكتاب) رغم تفاهته، فقد حاولت أن أرى أي خيط يربطه مع رواية (اللص والكلاب) لنجيب محفوظ، أو الفيلم الذي أخرجه كمال الشيخ عام 1962 ولعب بطولته شكري سرحان وشادية وكمال الشناوي وصلاح جاهين وكامل أنور وعدلي كاسب وغيرهم. فلم أجد أي خيط سوى هذا المجرم الذي أدى دوره الممثل الشاب سامح حسين في دور مزدوج الشخصية: المجرم مع أخيه الطيب مدرس الدراسات الاجتماعية (حامل لواء الكتاب والعلم)، في تصاعد يذكرنا بدور الفنان أحمد حلمي في فيلم (كده رضا). ولا يوجد أي شبه بين دور شكري سرحان في (اللص والكلاب) ودور سامح حسين في (اللص والكتاب). ولكنه على أية حال فرصة لصعود نجم الكوميديا الجديد سامح حسين بعد أن افتقدناه هذا العام في (راجل وست ستات) مع أشرف عبدالباقي الذي بذكائه وحسن تصرفه لم يشعرنا بغياب سامح حسين عن المسلسل.•* أما (كليوباترا) فالحديث عنها يطول، ورغم مرور عشر حلقات على إذاعة المسلسل، فيبدو أن أحدا لم ينتبه للخطأ النحوي الكبير في أغنية التتر التي كتبها إبراهيم عبدالفتاح فنصب فيها خبر أن في قوله: (الأرض تشهد أنك امرأةً / تشهد أنك امرأة العصور)فقد نصب الشاعر خبر أن وهو (امرأة) في كلا الشطرين، ومن المعروف بطبيعة الحال أن خبر أن يرفع ولا ينصب، ويكون الصحيح:(الأرض تشهد أنك امرأةُ / تشهد أنك امرأة العصور)وإذا عرفنا أنه يوجد مدقق لغوي اسمه كريم راشد للمسلسل، ووضع اسمه مع بقية أسماء العمل الفني، لأدركنا فداحة الأمر. فكيف لم يدقق راشد لغويا في أغنية التتر التي تذاع مرتين في كل حلقة، وكيف لم تلاحظ ذلك الفنانة المتألقة شيرين وجدي التي تؤدي أغنية التتر.هناك أخطاء أخرى كثيرة بطبيعة الحال وردت على ألسنة الممثلين الذين يتحدثون بالفصحى، ولكن كلام الممثلين يعبر مع الأحداث والشخصيات فلا يكون له نفس تأثير أغنية التتر التي تلخص المسلسل وتحمل ملامحه وسماته.ويبدو أن التركيز اللغوي كان منصبا على شخصية الملك بطليموس الثاني عشر (التي يؤديها الفنان يوسف شعبان) وعلى الأميرة كليوباترا (التي لم تصبح ملكة حتى الجزء العاشر) فلم ألحظ أخطاء على لسانيهما مثلما لاحظتها على بقية الألسن. ولخبرة الفنان عامل كبير أيضا من هذا المجال، فليوسف شعبان تاريخ مشرف في قيامه بأدوار تحدث فيها بالعربية الفصحى، وللفنانة السورية سولاف فواخرجي أيضا لغة فصحى عذبة تجرى على لسانها.ولكن المشكلة عند سولاف فواخرجي ـ حتى الآن ـ أنها تؤدي دور الأميرة كليوباترا بنفس مشاعر الأميرة آمال في مسلسلها الرائع الذي قامت ببطولته في رمضان 2008، وتعرضت فيه لبعض الأقاويل كما يتعرض مسلسل (الجماعة) الآن.أرى الأميرة كليوباترا في مراهقتها والسعي وراء مشاعرها بعد كل كلمة حلوة تقال لها، وكأنني أرى الأميرة الدرزية آمال (أو أسمهان فيما بعد) في نفس الفترة العمرية في مسلسل (أسمهان). وتقريبا نفس الشكل والملامح وقصة الشعر التي ظهرت بها أسمهان هي التي ظهرت بها كليوباترا، مع أن البعد الزمني شاسع بين الشخصيتين، ففي كليوباترا نعود إلى ما قبل الميلاد (69 ـ 30 ق. م) وأسمهان (1917 ـ 1944)، وما يوحد بين الشخصيتين هو الرحيل الفاجع الأولى عن عمر 39 عاما بعد انتحارها بسم الثعبان، والثانية عن عمر 37 عاماً بعد حادثة غامضة تعرضت لها، أو كما جاء في المسلسل رحيلها مع صديقتها غريقة بعد أن تعمد سائقها الانحراف بالسيارة في إحدى الترع، بعد أن أغلق نوافذها وقفز من السيارة قبل اندفاعها في الماء، وهو ما يفسر النبوءة التي قالت إنها ولدت في الماء وستموت في الماء (حسب المسلسل).المهم أنني وأنا أشاهد الأميرة كليوباترا الآن، يقفز إلى ذهني مباشرة الأميرة آمال (أو أسمهان) التي رأيتها متألقة منذ عامين في مسلسلها الذي أثار جدلا واسعا، ولكنني لا أعتقد أن مسلسل (كليوباترا) سيثير جدلا مماثلا، لأنه لا توجد عائلة لكليوباترا الآن، مثلما يوجد عائلة للأميرة آمال الأطرش من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التاريخ القديم ملك للجميع، وهو مباح على الأقل بالنسبة لحقوق الملكية الفكرية.فقط أعود وأنبه على خطأ التتر النحوي في (كليوباترا)، الذي أرجو أن تتم معالجته بأقصى سرعة لأن المسلسل من الممكن أن يذاع مرات ومرات خاصة بعد أن انتهاء مولد المسلسلات الرمضانية هذا العام.