. “أي عالم عبثي هذا الذي نعيش فيه؟! إنهم يقتلون الأطفال والنساء ويبيدون الحياة، ولكن أمريكا تدعمهم وتقول إنهم يدافعون عن أنفسهم في وجه العدوان .. أي حمق هذا الذي يقال؟!” .. الرئيس الفنزويلي “هوجو تشافيز”..وحده الرئيس “تشافيز” يستطيع أن يقول ما يريده وما يشعر به، دون تحرج أو تلعثم، ودون أن يكون مضطراً إلى ممارسة الديبلوماسية المغلفة - بالشكولاته الفاسدة - تجاه ما يحدث في العالم من حمق وجنون وعبث لا آخر له. ولكن لماذا يمكنه التصرف والتحدث هكذا دون مقبلات؟!. ببساطة - لا آخر لها بالمثل - لأن السيد “تشافيز” غير معني أبداً بالتبعية سوى لإرادته المستقلة وخياراته الخاصة والتي يقرؤها من كتابه هو، وليس من كتاب يملى عليه أو يلقى إليه.. ما يقوله “تشافيز” ليس صعباً أو مستحيلاً، بل هو كلام بسيط وموضوعي بالمرة، ولكنه أيضاً كلام صادق وشجاع، ولهذا السبب ذاته فهو كلام نادر، في عالم مزدحم بالجبن والنفاق .. وبالمنافقين والجبناء؛ الذين يمتدحون القوة وإن كانت غاشمة ويغلبون مصالحهم الآنية وإن جاءت على حساب مصالح شعوبهم، أو خالفت قوة الحقيقة ومنطق الحق.. هذا التجاوب الكبير مع كلام ومواقف السيد “تشافيز” من قبل الجماهير العربية - خصوصاً - والتي ألهب حماستها إلى حد بعيد الرئيس الفنزويلي، فخرجت إلى الشوارع رافعة علم فنزويلا وصوراً كبيرة لرئيسها الكبير.. كل ذلك عنى أو يفترض أنه يعني أن الجماهير العربية بالمقام الأول، باتت تعيش في غربة رهيبة .. معزولة عن القيادات والأنظمة الرسمية التي ولت وجوهها شطر “البيت الأبيض”، وأن الشعوب متعطشة إلى قيادة تخاطب وعيها الجمعي وتتناغم مع حاجيات وتطلعات وأحلام وآلام الجماهير الغفيرة بعد ما اتسعت الهوة وعظم البون فيما بين الأنظمة وشعوبها.. في أحوال كهذه، وفي ظل المرارة والغبن الشديدين اللذين يمنى بهما الشارع العربي مع كل مجزرة ومحرقة نازية تقترفها آلة الحرب والدمار الصهيونية، ضد أبناء الشعب الفلسطيني .. وكما بلغت مداها ودمويتها في عدوانها الوحشي على غزة والمدنيين المحاصرين من كل جهة .. ومع ما يشهده الشارع والمواطن العربي من صمت وعجز وتخاذل وامتناع محبط ومؤلم عن نصرة غزة والضحايا والمستضعفين هناك، وتخاذل الأنظمة الرسمية إلى حد يبعث على القهر والانتحار كمداً .. عندها يكون للسيد “تشافيز” وقع خاص وقيمة مضاعفة.لن تعدم الجماهير زعيماً تهتف باسمه، حتى ولو كان من أمريكا اللاتينية! فقط لأنه اقترب من الحاجات الجماهيرية الملحة إلى صوت جسور أو موقف شجاع أو متحدث يستطيع من موقفه ومكانته أو مكانه في السلطة أن يقول للسفير الإسرائيلي في بلده : “أنت مطرود” كما فعل “تشافيز”.. قد لا يحقق هذا الكثير من النصر أو التغيير على الأرض، وقد لا يحسم الصراع أو المعركة لصالح الفلسطينيين في غزة .. ولكن ليس مطلوباً من الرئيس الفنزويلي أكثر من ذلك، فلا يتاح له أن يفعل أكثر مما فعل .. وإلا لربما لم يتردد .. على الأقل ما يقوله ويفعله باستمرار يرجح هذا الافتراض.. أما وجه الدلالة والمفارقة في القصة بكاملها، فهو ليس أقل مرارة ووطأة على الأنظمة العربية والواقع العربي برمته!. حيث الجماهير تتجاوب وتهتف لرئيس دولة بعيدة في أمريكا اللاتينية .. وهي بذلك إنما تعبر عن مشاعر الفقد وفداحة المصاب والخيبة تجاه الأنظمة العربية القائمة وتجاه النظام الرسمي العربي برمته، بل وتجاه قضايا العرب المهدورة وحقوقهم المضاعة ومصائرهم الذاهبة إلى المجهول الرهيب!. ما فعله “تشافيز” كان يمكن أن تفعله الأنظمة العربية، وكانت الجماهير ستهتف لها أكثر مما فعلت مع رئيس فنزويلا. ولكنها لم تفعل فذهب المواطن العربي المنكوب في الداخل إلى البحث عن قيمة تعويضية تسد بعضاً من فراغ وتلبي قليلاً من الحاجة إلى الرضى والإشباع العاطفي والوجداني .. فكان السيد “تشافيز” في هذه اللحظة الصعبة هو صاحب الامتياز والحظوة .. حتى لو لم يكن قد أتخذ قراراته لإرضاء الجمهور العربي، بل لإرضاء فنزويلا وشعبها والمبادئ الأخلاقية التي تؤمن بها.. ينبغي أن يعني الأمر أشياء كثيرة بالنسبة إلى صانع السياسة والقرار العربي. وأن يجعله يشعر بالكثير من الأسف والخجل، لأن غربته تتضاعف وسط محيطه الشعبي والوطني والقومي ولأن الجماهير لن تتوقف في اصطناع بدائل .. وتغيير الحال المائل(!).
لماذا “تشافيز” وليس غيره؟!
أخبار متعلقة