لو استمر هذا التدفق السردي السعودي سنصبح عما قريب بلد المليون روائي؛ فشهية الروائيين السعوديين غدت مفتوحة على الآخر خلال السنوات الثلاث الأخيرة لكتابة الرواية، وأفرز هذا الجموح أسماء جديدة ومواهب شابة لم نكن نسمع بها من قبل، وأغرى الانتشار الهائل لرواية «بنات الرياض»، وما صحبها من أضواء، وسكب حولها من حبر آخرين إلى الإبحار بنفس القارب إلى ذات المرافئ، ولم يستطع أن يخرج عن عباءة «بنات الرياض» سوى قلة من هذه الروايات.ومع هذا يتورط بعض الرواة السعوديين الشباب في إشكالية إقحام الجنس بشكل طافح ومتطفل في تلك الأعمال الروائية، التي لو قرأها فرويد لتبرأ من كل نظرياته، فحتى الروايات الغربية التي انطلقت من ثقافة اجتماعية مختلفة لم تورد الجنس لذاته في سياقاتها، وإنما كان جزءا من مكونات تلك الأعمال، أما في بعض رواياتنا فالأمر لا يتجاوز أن يكون استعراضا لفحولة متخيلة، ومراهقة متأخرة، وعبثية لا متناهية، فكل قضايا المجتمع تغيب عن تلك «الروايات» ويبقى الحاضر الوحيد دائما هو الجنس، وهذا من شأنه أن يعطل حركة الرواية كسجل للإنسان الذي يختزل هؤلاء الرواة حياته في ملمح واحد فقط متمثلا في نشاطه الجنسي.. كما تتورط بعض رواياتنا أيضا في إشكالية عناوينها، التي يختارونها أو تفرضها عليهم دور النشر لأغراض تسويقية على نسق: «بنات الرياض»، «شباب الرياض»، «حب في السعودية»، «بنات من الرياض» الخ..، وهي ظاهرة تنفرد بها رواياتنا عن روايات المجتمعات الأخرى من حيث التصاق عنوان الرواية بهوية مؤلفها، الأمر الذي لم يحدث من قبل في أية أعمال روائية عربية أو غربية.ورغم هذه الإشكاليات التي تصاحب هذه المرحلة الجامحة للرواية السعودية الحديثة، إلا أنه يتملكني قدر من التفاؤل بأن تصحح الرواية مع الزمن أخطاءها لتصبح سجل حياتنا المعاصرة، ومرآة أيامنا، ومستودع أسرارنا كما كان الشعر بالأمس ديواننا وخبزنا وموالنا، فثمة مراحل في الأدب والفنون تقترن بالبوح الفاضح، كما حدث في مراهقة الثورة النصية للأغنية المحلية ـ «حبك سباني» كمثال ـ قبل أن ترتقي في صورها ومضامينها على أيدي شعراء بارزين أمثال: إبراهيم خفاجي، ودايم السيف، وبدر بن عبد المحسن وغيرهم.فهل ستصبح الرواية ـ رغم بعض التعثرات ـ الملمح الأكثر بروزا في حياتنا الأدبية؟[c1]* نقلاً عن/ صحيفة الشرق الاوسط[/c]
مراهقة الرواية
أخبار متعلقة