ما بعد الشيخ..
كما كان متوقعا فقد خرج مئات الآلاف من المواطنين لتشييع جثمان الفقيد الكبير الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله يوم الاثنين الماضي في جنازة مهيبة هي الأكبر في تاريخ اليمن المعاصر، ولاشك أن هذا التشييع المؤثر كان تعبيرا فطريا عن احترام شعبي كبير للرجل الذي عاش فاعلا في الحياة السياسية ومتصدرا للكثير من الأحداث على مدى الأعوام الخمسين الماضية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هذا التشييع الشعبي لم يكن استعراض عضلات كما تصور البعض لحزب ما أو لقبيلة ما بل إنه كان تعبيرا عن إجماع وطني سياسي واجتماعي على شخص الفقيد الراحل الذي كان دوما أكبر من الحزبية وأكبر من القبيلة... ولذلك فقد جاء التشييع الرسمي متسقا مع هذه الحقيقة فكان بالتأكيد كما يليق بالراحل الكريم ومعبرا كذلك عن إجماع غير مسبوق على أهميته ومكانته السياسية والاجتماعية في اليمن المعاصر، وبانطواء آخر أيام العام 2007م كان الشيخ الجليل يرقد تحت الثرى هادئ البال مرتاح الضمير تحيط به السكينة والطمأنينة وحب الناس بعد أن أدى واجبه الوطني بكل قوة ومثابرة ودأب وصدق وعزيمة لم تلن، فيما كانت بشائر العام الجديد تطل علينا وقد أصبحت الساحة خالية من الرجل الذي كان أحد أكبر المؤثرين فيها المساهمين في صناعة مجرياتها، والكثير يتساءلون بقلق هل سنكون بعده كما كنّا في حياته أم أن أمورا كثيرة يمكن أن تتغير وتختلف الصورة التي كان أحد مكوناتها الأساسية؟! أقول بصدق لمن يحسون بالقلق أنه لا داعي له، فالبلد كانت ولازالت بأيد أمينة عليها رغم كل المصاعب الموجودة... ولاشك أننا سنكون بحاجة لمن يغطي الفراغ الذي خلفه الشيخ عبدالله بحكمته ورصانته وصبره وترفعه، لكني أظن أن (من خلّف ما مات) وكما أشار أستاذنا الدكتور عبدالعزيز المقالح في يومياته قبل أمس الثلاثاء أن الأمل في أن يواصل أبناء الفقيد وعلى رأسهم الشيخ صادق مسيرة والدهم الراحل بنفس نهجه ومدرسته خاصة أنهم محاطون برعاية خاصة كريمة من والد الجميع فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي سيجدون فيه بلاشك خير من يعوضهم عن فقدانهم الشخصي للأب والراعي وهو – أي الرئيس – الذي ظل أوفى الناس للشيخ لم يستغن عن رأي أو مشورة أو نصيحة كان –رحمه الله – يقدمها له في كل الظروف بحكم العلاقة الشخصية والنضالية الخاصة التي جمعتهما. إذن فلماذا القلق؟! فما يتعلق بمستقبل حزب الإصلاح أظن أن الإصلاح قادر على أن يضع الصيغة المناسبة لخلافة الشيخ بما يحقق مصلحته كحزب وبما نتمنى جميعا أن يصب كذلك في المصلحة الوطنية... أما ما يتعلق بمجلس النواب فهو مؤسسة دستورية لها تقاليدها وضوابطها ولم يكن وجودها أصلا مرتبطا بأيّة شخصية سياسية ومن ثم فإنها الأقدر على ترتيب أوضاعها في ظل النصوص الدستورية والضوابط القانونية والتقاليد الديمقراطية. وبتوافقنا جميعاً على ما يصب في المصلحة الوطنية، وبترفعنا عن الصغائر، وباصطفافنا جميعاً مع كل مصلحة حقيقية للبلاد والعباد، وبتمثلنا دوما لقيم الشيخ عبدالله في المواقف الكبيرة والتاريخية سنكون قد حفظنا بلادنا وأوفينا مع الراحل الكريم ومع ذكراه الطيبة، ونزعنا بالتالي كل دواعي القلق المفهومة التي انتابت البعض جراء غيابه الأليم، وكما قدمنا نموذجا رائعاً للعالم في الوفاء للرجل عند وفاته سنكون قادرين على تقديم نموذج رائع آخر في الوفاء لقيمه بتغليب العقل والحكمة والمصلحة الوطنية العليا في قادم الأيام.[c1]* نقيب الصحافيين اليمنيين[/c]