عبدالله السويجياليوم آخر أيام ،2007 ستنطلق في الليل الألعاب النارية في العواصم العالمية، سيرقص قسم كبير من الناس على ركام السنة التي ستلفظ أنفاسها بعد ساعات، وسيشرب كثيرون نخب عام جديد، متفائلين راجين متمنين أن يكون أجمل وأهدأ وأكثر سلاماً. البعض يتضرع إلى الله لينقذ البشرية من تيهها المتجدد، والبعض يطالب القادة بأن يعودوا إلى رشدهم ويوقفوا هذا النزيف في الموارد البشرية والمادية والطبيعية والإنسانية. البعض خطط لعام جديد، البعض يستقبله بلامبالاة وأحلام في الهواء، البعض لا يكترث، إنه يوم يشبه بقية الأيام، إلا أن الحقيقة الدامغة تقول إن اليوم يفصل بين عام مضى وعام آت، والحقيقة تقول إن العام الذي يلفظ أنفاسه يستعجل المغادرة والرحيل قرفاً من حماقات الإنسان وطغيانه، والعام الذي سيأتي كأنه يأتي على مضض يحمل التوتر والترقب والقلق، ولو كان العام الجديد رجلاً لابتعد عن الظهور، وظل يؤجل حضوره كما يؤجل اللبنانيون انتخاب رئيسهم، ويماطل كما يماطل الصهاينة في تنفيذ القرارات الدولية، أو يتنكر لوعوده كما تتنكر الإدارة الأمريكية لوعودها بإقامة الديمقراطية في بلدان العالم العاشر، أو بإقامة دولة فلسطينية، لو كان 2008 رجلاً لأطلق لعناته بالجملة على بشر لا يعرفون كيف يعيشون بسلام، رغم التقدم التكنولوجي وتطور القوانين وازدهار الاقتصاد وغير ذلك. إنه عام جديد إذن، ولا شك في أن احتفال الإنسان في السويد وسويسرا والنرويج والدنمارك ونيوزلندا وكندا وأستراليا يختلف عن احتفال الإنسان في الصومال والعراق وفلسطين والسودان والجزائر ولبنان والباكستان وأفغانستان، دول وصلت إلى الاستقرار لأن لا أحد يتدخل في شؤونها، ودول أصبح استقرارها حلماً بعيد المنال لأن كل من هب ودب على هذه الأرض يتدخل في شؤونها، كطفل يتيم تم العثور عليه ويتنازع الوصاية عليه مائة رجل وأسرة وعصابة ومنظمة وجيش وميليشيا وقط سمين وتاجر أوطان وتاجر أسلحة وتاجر مخدرات، البعض يريد هذا الطفل ديمقراطياً والآخر يريده غربياً وثالث يريده متطرفاً ورابع يريده مدمناً أو تابعاً وخامس يريده مستهلكاً وسادس يريده سلعة، وهذا الطفل لا يملك قراره بنفسه، ولا يملك قوت يومه، ولا فرشة ينام عليها ولا مدرسة يتعلم فيها، رغم أنه يمتلك كل هذه الأشياء إن عثر عليه أهله، أو عثر عليه ماضيه وحاضره، أو عادت إليه ذاكرته وقيمه، أو استعاد ملامحه، أو صبر على جوعه قليلاً، وتمسك بالعروة الوثقى وألقى مصيره وأمره لخالقه والمخلصين من أمته. إنه عام جديد يطل على العالم الإسلامي (رغم أنه ميلادي)، وهو يعيش أردأ مراحله وأسوأ سياساته وأضعف قراراته، يعيش تراجعاً في الفكر والسياسة والاجتماع والاقتصاد والدين، ويحقق تقدماً في التبعية! فهذا يريد إسلاماً حداثوياً وذاك يريده وسطياً وثالث يريده سلفياً ورابع ينادي بفصل الدين عن الدولة، وهذا يكفر وذاك يمنح بطاقات لدخول الجنة وهذا يغفر للناس خطاياهم ويرضى عنهم وذاك يحملهم كل الرزايا، كأن كثيرين نصبوا أنفسهم فقهاء وصحابة وأتقياء وصالحين ، نصبوا أنفسهم قضاة يحكمون وينفذون ويرون العالم بعين واحدة.إنه عالم جديد يطل على العالم العربي وقد تحول إلى عوالم عربية بفعل الشق الذي أحدثه العدو الصهيوني، ودخل فيه كثيرون، إنه عالم تحول إلى أرض خصبة لميوعة المواقف والسياسات وتطبيق العولمة من منظور التبعية للغرب والمصالحة غير المشروطة مع الأعداء والارتماء في أحضان الآخرين. إنه عالم يذوب في قيم غير قيمه ومفاهيم غير مفاهيمه، يرتدي لباساً ليس له، ويأكل طعاماً لا ينفعه، ويتكلم بلغة عصية على لسانه، ويجري تعديلات في مناهجه وينادي بثقافة السلام وحوار الحضارات وتلاقح الثقافات، ويشارك في المعارض والمؤتمرات التي تجهز احتفالات لذبحه النهائي قرباناً لآلهة المحافظين الجدد والصهيونية المسيحية وكل من أراد دمار هذا الوطن من أقصاه إلى أقصاه. إنه عام يأتي والعراق عراك، غارق في دمه حتى أذنيه، يتهيأ للتقسيم الطائفي، ويمهد لتمديد بقاء قوات الاحتلال لعشر سنوات أخرى.إنه عام يأتي وفلسطين تحولت إلى أهزوجة في احتفال وكلمة في خطاب وشطر في قصيدة وحساب في بنك، وتتعرض يومياً للاغتصاب، وعام 2008 م سيشهد حفلات اغتصاب أخرى ستنقل على الفضائيات ووسط قرع الكؤوس ورفع الأنخاب، فلسطين التي باتت وحيدة في فم تمساح، لا أحد يمد يد العون لها، وقادتها يعجلون بالتهامها، ولا بارقة أمل في الأفق. إنه عام يأتي والسودان يعيش مخاض تقسيم وتدخلات أجنبية، ولن يهدأ بال قادة البيت الأبيض إلا عندما تطأ أقدام الجنود الأمريكيين أرض دارفور، لتكون هناك مناطق محمية ومنزوعة السلاح، ويتحول الوضع إلى مناطق موالية وأخرى معارضة، كأن النموذج اللبناني ينتقل إلى كل مناطق الوطن العربي العصية على التبعية. إنه عام يأتي تزداد فيه القواعد الأجنبية في الوطن العربي الكبير، وتتراجع مساعي التطوير والمشاركة السياسية، ويتعاظم الإرهاب الفكري، إن من قبل الحكومات أو من قبل المجموعات المتطرفة، وهكذا واقع لا بد سينجب القواعد الأجنبية كما يجذب الإرهاب، ويمهد لانتشار الفوضى المدمرة وليست الفوضى المنظمة، إنه عالم مقبل على مزيد من التداعي والانهيار، لأنه يمنح صلاحية بناء أساساته لمن ليس له أساس أو تاريخ أو حضارة أو ثقافة أو ملامح. هل نرسم التشاؤم في اليوم الأول للعام الجديد؟ والإجابة يطرحها سؤال آخر: وهل يحمل العام الجديد عصا سحرية تعالج كل هذا الخراب والدمار في القيم والأخلاق والتوجهات ومستوى التعليم ونسب الأمية ومستويات التضخم والغلاء والفساد والعجز في الميزانيات وتزايد المديونيات؟ كيف تحتفل دول بالعام الجديد ولم تؤمن الكهرباء لشعوبها بعد، ولم تعبد الشوارع، ولم توفر الأمن ولا حتى رغيف الخبز؟ كيف ستحتفل دول وهي لا تزال تقمع مواطنيها وتحشر مفكريها ومثقفيها في زوايا الرضوخ والمعاناة، وتضع العراقيل أمام مبدعيها كأنهم نبت شيطاني؟ كيف ستحتفل دول في العام الجديد وهي تعاني من التخلف والبيروقراطية والدكتاتورية والتجسس على مواطنيها واغتيال صحافييها وعلمائها؟ كيف ستحتفل دول بالعام الجديد وهي تعيش في القرون الوسطى وإن استخدمت الطائرات والدبابات والهواتف؟ علينا أن نطلب الاعتذار من الآن من العام الجديد، لأنه سيشهد المزيد من حفلات الدم والخيانات والتراجعات والهزائم، وسيشهد المزيد من الانحلال والتحلل والفساد والاتجار بمصائر البشر، علينا أن نعتذر له لأننا سنكبله بأفكار ليست لنا وبرؤى لا تمت لتاريخنا وبقيم غريبة عنه، لكنه في المقابل، سيفرح في مناطق أخرى خارج وطننا الكبير، حيث الشفافية والمساءلة والتغيير الإيجابي والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، قد لا تجتمع كلها في بلد واحد، لكنها موجودة على الأقل. العام الجديد ليس ورقة تقويم نلقي بها في سلة القمامة، والزمن ليس تاريخاً نكتبه يومياً في الفصل الدراسي أو في المذكرات الرسمية، العام الجديد وكل الأعوام والزمن هي نحن، إن الإنسان هو الذي يشكل الوقت وليس العكس. وكل ما سيحدث هو نتاج أفعال الإنسان بخيرها وشرها. رغم كل هذا التشاؤم، أرجو لكم عاماً جديداً مختلفاً عن 2007 يحمل لأمتنا العربية والإسلامية كل الخير والأمن والأمان والاستقرار وأن تتحقق طموحاتنا نحو الرقي التقدم.[c1]عن / صحيفة (الخليج) الاماراتية [/c]
ليس ورقة في تقويم
أخبار متعلقة