شخصيات خالدة
[c1] ...مسيرة زعيم[/c]الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر كان بنضاله، وفكره،ومواقفه القومية والتاريخية رمزاً للأمة العربية، وقلباً ينبض رغم سنوات طويلة مضت على رحيله عن هذه الدنيا ، فقد ولد جمال عبد الناصر يوم الخامس عشر من شهر يناير عام 1918م،في شارع 18 بحي باكوس الشعبي بمدينة الإسكندرية ، لأسرة كريمة من أسر الفلاحين تنحدر من قرية بني مر، بمحافظة أسيوط في الصعيد المصري ، وتلقى تعليمه الابتدائي متنقلاً بين عدة مدارس بالإسكندرية وضواحيها ، بحكم طبيعة عمل والده في مصلحة البريد ، ثم إنتقل إلى القاهرة لاستكمال دراسته الثانوية فيها ، والتحق بعدها بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية،عام1929،وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البريد هناك.أنهى جمال عبد الناصر المرحلة الثانوية حيث كان عمره تسعة عشر عاماً، ففكر في الالتحاق بالكلية الحربية ، إلا أنه لم يتمكن من ذلك ، فلجأ إلى دراسة القانون ، وفي تلك الأثناء فتحت الكلية الحربية أبوابها لقبول دفعة استثنائية ، فتقدم إليها،وقبل،وتخرج منها برتبة ملازم ثان عام 1938 م ، و قد عرف عنه وقتها من المقربين إليه ،الجرأة في الحق ، والالتزام العالي بالمبادئ، كما عرف بالشجاعة والقدرة الهائلة على تشخيص مواقع الخلل ، وتحليل الأحداث ، واستشراف المستقبل وفق منهج علمي دقيق ، وحس مسؤول ونظر ثاقب، كما عرف فيما بعد بالثقافة العالية والنهم الشديد للمطالعة .و نتيجة شغف الزعيم الخالد، بقراءة التاريخ والموضوعات الوطنية، فقد قرأ عن الثورة الفرنسية وعن «روسو» و«فولتير» وكتب مقالة بعنوان «فولتير رجل الحرية» نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن «نابليون» و«الإسكندر» و«يوليوس قيصر» و«غاندي» وقرأ رواية البؤساء لـ «فيكتور هيوجو» وقصة مدينتين لـ «شارلز ديكنز».وقد اهتم بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجباً بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ سيرة النبي محمد صلى الله وعليه وسلم وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصاً رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني. وبعد تخرج جمال عبد الناصر من الكلية الحربية، عين بسلاح المشاة في محافظة أسيوط ، ثم نقل في العام الذي يليه إلى السودان ، ورقي إلى رتبة ملازم أول ، وعمل بعد ذلك بمنطقة العلمين ، وفي عام 1942 م ،تولى قيادة إحدى الفرق العسكرية العاملة هناك ، ثم انتدب للتدريس في الكلية الحربية ، والتحق فيما بعد بكلية أركان الحرب ، وتخرج منها عام 1948 م، وشارك في نفس العام في معركة الفالوجة بفلسطين ،حيث التقى هناك بقادة المقاومة الفلسطينية للتنسيق والتشاور، حول سبل رفع درجة المقاومة ، وقد كانت تلك المشاركة إحدى الأسباب التي دفعته لتشكيل تنظيم الضباط الأحرار، الذي عقد أول اجتماع له في شهر يوليو عام 1949 بمنزله.- في عام 1950 انتخب جمال عبدالناصر رئيساً لتنظيم الضباط الأحرار، الذي توسع فيما بعد وضم إلى صفوفه ضباطاً من مختلف الرتب والمواقع والقطاعات ، وأصبح يعد ويرتب لقيام الثورة ، وفي ليلة الثالث والعشرين من شهر يوليو عام 1952 قامت تلك الثورة ، وقضت على النظام الملكي وطردت الملك فاروق ، وأعلنت الجمهورية برئاسة اللواء محمد نجيب ، ثم تحول تنظيم الضباط الأحرار إلى مجلس لقيادة الثورة ، وأصبح جمال عبد الناصر الذي أعد للثورة وخطط لها قائداً لهذا المجلس ورئيساً للجمهورية ، وبدأ في تنفيذ الأهداف التي قامت من أجلها الثورة بنجاح ، حيث قام ببناء المساكن ، ونشر المزارع على ضفاف نهر النيل ، وبنى المصانع ، واستحدث المرافق الخدمية لتلبية احتياجات الشعب المصري ، وعزز تلك الإنجازات وحماها بالقوانين وحارب الإقطاع وناصر الفلاحين.وقد بدا واضحاً أن الرجل بسياساته العروبية القومية،وخطه التحرري قد بدأ يزعج أعداءه ،ففي يوم 26اكتوبر1954 م ،وفي ميدان المنشية بمدينة الاسكندرية ، وبعد أن انطلقت ثمانى رصاصات في سماء الميدان نحو صدر جمال عبد الناصر ، ظل الرجل واقفا صامدا متحديا الاغتيال ومتحديا القاتل ، ووسط دوي الطلقات استمر جمال عبد الناصر قائلا للجماهير المحتشدة في الميدان : ( فليبق كل في مكانه ، فليبق كل في مكانه ، إنني حي لم أمت ، ولو مت فإن كل واحد منكم هو جمال عبد الناصر ،لقد ثرت من أجلكم وسأموت في سبيلكم ، ولن تسقط الراية).- في عام 1956م،اتخذ جمال عبدالناصر موقفًا جريئًا وشجاعاً،عندما أتخذ قرار تأميم قناة السويس ، فما كان من بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني ،إلاَ أن شنت عدواناً على مصر في نفس العام ، عرف بالعدوان الثلاثي ، ولكن المقاومة الشعبية المصرية بقيادة جمال عبدالناصر واجهته ودحرته.- في الثاني والعشرين من شهر فبراير عام 1958م، أعلن جمال عبدالناصر عن قيام أول وحدة عربية في التاريخ العربي المعاصر بين مصر وسوريا ، تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة.- وفي شهر يناير من عام 1960م، بدأ جمال عبدالناصر،أهم المشاريع الاستراتجية لجمهورية مصر العربية، وهو بناء السد العالي.- وفي 26يوليو من عام 1961م، أصدر جمال عبد الناصر، قرارات تصحيح الوضع الزراعي والاقتصادي في مصر، التي حددت الحد الأعلى للملكية الزراعية ، وأممت المؤسسات الكبرى التي كانت محتكرة من الخارج فتحررت مصر بذلك من كل الاتفاقيات المبرمة مع إنجلترا ، وفرنسا ، وفي عام 1962م أعلن عن قيام الإتحاد الاشتراكي.- كانت فلسطين هاجس الزعيم الخالد ، فهو منذ مشاركته في حرب1948م، وتواجده مع القوات المصرية في الفالوجة بفلسطين يفكر بتحرير الأرض الفلسطينية المغتصبة ، وقدم الدعم للمقاومة الفلسطينية. - في عام 1968 بدأ جمال عبدالناصر في مرحلة الإعداد لحرب الاستنزاف ، وعلى إثر قيام ثورة الفاتح العظيم في ليبيا في الأول من شهر الفاتح/سبتمبر عام 1969م، قام جمال عبدالناصر عام 1970 م ،بزيارة إليها ، والتقى بقائد ثورة الفاتح العقيد معمر القذافي ، و خاطب الجماهير الحاشدة التي خرجت لاستقباله قائلاً :- (إنني أترككم وأنا أقول إن أخي معمر القذافي هو الأمين على القومية العربية وعلى الوحدة العربية).- في الثامن والعشرين من شهر الفاتح عام 1970م ، وبعد انتهاء مؤتمر القمة العربية بالقاهرة، تلقت الأمة العربية وأفريقيا بحزن شديد نبأ وفاة البطل الخالد جمال عبدالناصر المفاجئة،وهي في أشد وأمسّ الحاجة إلى مزيد من عطائه ومواقفه القومية والتحررية ، التي زرع بذورها وجسدها قولاً وعملاً في الوطن العربي وأفريقيا والعالم الثالث كافة.