بالرغم من أن حقوق الإنسان في الإسلام لم يفرد لها وثيقة خاصة إلا أن القرآن والسنة النبوية قد ركزا على الحقوق التي كانت مهدرة في الأمم الأخرى واليوم حيث اختلطت المفاهيم والمعاني والقيم نحن بأمس الحاجة إلى قراءة منهجية لمبادئ وجوهر الإسلام في حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية والعدالة وحرية الرأي ، واحترام الآخر وتقبله....دعونا معا نستعرض بلمحات مختصرة ما نحن عليه اليوم من تردي وانحلال وتفسخ ورفض وكراهية وفتن وحروب ،وفساد ، وتخلف وجهل وفقر ...كيف اختزلت المعاني والمبادئ وحتى الكلمات...كلمة( الإنسان ) اختزلت لتعني الرجل فقط .. و كلمة بني آدم أيضا تذهب بنا لتشير إلى الرجل المسلم أو الجماعة الإسلامية؟من المسئول في نقل الصراعات تارة بين جماعات وأخرى بين قبائل وعشائر ودول .. واليوم ها نحن ضحايا الصراعات التي انتقلت إلى بيوتنا وأسرنا حتى أصبحت تلك الصراعات توجه بفعل فاعل لتسود بين الرجل والمرأة في الأسرة الواحدة باسم حقوق النساء وحقوق الرجال (الإنسان)لماذا اختزلت المبادئ الإسلامية من تلك التي تقوم السلوك الفردي والجماعي نحو الخير والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات إلى تلك التي تعنى بالصراعات بين البشر والجماعات وأفراد الأسرة ..لماذا أصبح فكر ومفهوم ومصالح من نصبوا أنفسهم أمراء للفكر الإسلامي او الجماعات الإسلامية هم مصادر التشريع اليومي بدلا من القرآن والسنة ...بل ولماذا أصبحت المرأة على قمة تلك الصراعات .. تشغلهم (أي أمراء الفكر والجماعات الإسلامية )تشغلهم مولدها ونشأتها، لبسها وحركاتها وسكناتها ، تعليمها وعملها ، طموحها وأحلامها .. نومها ومماتها حتى أصبحت المكتبات ومحلات الأشرطة المسموعة والمرئية ومواضيع بعض خطباء المساجد وخطبهم، وبرامج الإذاعة والتلفزيون ومناهج التعليم كلها لا هدف لها إلا المرأة والتشريع لها حتى لا يفتنون أي الرجال بدينهم ... كأن هذه الدنيا وبلادنا خاصة ليس فيها أي مشكلة تؤرقهم إلا أن ينفسوا غضبهم وكبتهم وذلهم وخنوعهم وجهلهم وفقرهم وخوفهم تجاه مخلوق هم وجدوه ضعيفا بل أضعفوه ليكون ميدانا لصراعهم ...لنسأل أنفسنا ... من هو المسئول ؟ ومن هو المستفيد ؟ من الجاني ومن الضحية ؟ من يجرك خيوط اللعبة ؟الواقع الذي نعيشه والذي يجاهد كثيرون من النساء والرجال لتأكيده عاطفيا وانفعاليا حتى آخر رمق لهم بأنه إسلامي ... مؤشراته تقول لنا بالحقائق والأرقام والأفعال اليومية بان :- المرأة ليست إنسانا عاقلا راشدا كامل الأهلية- لا تقبل شهادة المرأة على حدث ما حتى لو رأت الحدث أو الجناية وعرفت الجاني باسمه وعائلته وقبيلته وأشارت بأصبعها عليه - ولا يهم إن كانت متعلمة أو موظفة في الدرجات العليا أو رئيسة لموظفين رجال ... بينما يقبل شهادة طفل ذكر ..- لا تعطى المرأة حق الولاية و الوصاية على أولادها حتى لو كانت تربيهم بمفردها - ليست المرأة ولية نفسها حتى لو كانت قاضية أو مدير عام..- الزوجة التي تخلع زوجها ترد له المهر أو تكاليف زواج بأخرى حتى لو لا تعمل وليس لها أي مصدر دخل .. ولا فرق مدة هذا الزواج قد استمر ليوم أو مائة عام ..- الطلاق التعسفي مباح للرجل دون شرط أو قيد- لا تنال الزوجة بعد طلاقها أي جزء من الثروة التي شاركت بتنميتها وبنائها حتى لو مر على زواجها خمسون سنة.. وحتى لو كانت عاملة لها مصدر دخل كانت تساهم به في الأسرة- لا عقوبة للزوج الذي يمتنع عن النفقة على أولاده بعد طلاق أمهم حتى لو كانت تربيهم بمفردها ولم تتزوج بعده - ولا يجبر الأب بالنفقة على أولاده بحسب دخله ..بل المضحك أن القانون حدد مبلغا معينا لكل المستويات وعلى الأب أن يقبل به أو يزوده أو يمتنع عن ذلك دون أي عقوبة ..- يشترط في لزوم الزواج أن يكون الرجل كفؤا للمرأة وليس أبدا العكس .. ويكفي أن يكون ذكرا من حيث المواصفات الجنسية..- لا توجد مواد قانون أو إجراء يحمي الزوجة من اضطهاد زوجها أو استغلالها أو حتى المتاجرة بها ...- يمتنع الكثير من الأسر من توريث المرأة ولا يعاقب القانون من يمنعون الإرث عن المرأة لأن القانون يعتبره شأنا اسريا- عدد النساء اللاتي تتعرضن للإيذاء الجسدي من قبل الأب أو الأخ أو الزوج .. و حتى القتل تحت مسميات الشرف لا يحتاجون أدلة تبرر أفعالهم فهم أحرار يعملون مايشاؤون بالنساء في أسرهم- تسقط العقوبة من الشخص الذي يغتصب المرأة أو الفتاة إذا ما أقدم على الزواج بها - وهذا مكافأة لإعتصابه لها.. أما إذا أنكر فالمرأة هنا تعاقب بعقوبة الزنا وحدها .وحتى إذا بلغت هي نفسها بحدث الاغتصاب ...- القانون يعطي الحق بقتل الزوجة إذا ما وجد الزوج مبررا لسلوكها ولا يعاقب الزوج في هذه الحالة إلا بعقوبة لا تنفذ أبدا (مع وقف التنفيذ) بل تحتفي به أسرته ومجتمعه .. والعكس لو أقدمت الزوجة بهذا الفعل وتكون العقوبة الإعدام بجناية قتل ، حتى ولو كان هو أي الزوج متلبسا بفعلته وشهد شهود عليه ..- تزوج الفتيات دون موافقتهن وليس هناك أي عقوبة على ذلك.. بل لا يكلف المأذون بالاستماع للفتاة وجها لوجه أو الحرص على توقيعها على عقد زواجها بجانب توقيع ولي الأمر- مازال المجتمع بكل مؤسساته يتستر على حوادث الدعارة وتجارة الجنس وخطف النساء ولا يجرؤ المشرعون بتشريع قوانين تحمي النساء- لا عقوبة إطلاقا على الزوج الذي ينقل أمراضا معدية كمرض الإيدز مثلا وهو عالم بإصابته .. بل للزوج الحق برفع قضية ضد زوجته بأنها لا تطيعه شرعا، ويحكم القضاة لصالح الزوج تحت مسماة الطاعة الشرعية ولا يهم الضرر الذي يقع على الزوجة .. ولا يهم حتى معرفة كيف أصيب الزوج بذلك المرض..- لا عقوبة لمن يتحرش بالنساء في الأماكن العامة أو الشارع .... حتى لو كان المتحرش استخدم ألفاظا أو يديه أو وسائل أخرى- تطرد طالبات مدارس ( في الصفوف الابتدائية ) لأن مديرة تلك المدارس وصل إليها معلومات من جواسيسها بان (الطالبات) ظهرت خصلات من شعرهن أو نظرن إلى شخص ما أو تحدثن إلى شخص ما في الشارع وهن راجعات إلى بيوتهن ..ولا يهم معرفة الحقيقة وملابساتها .. (التربية بالطريقة الأمنية).. ولا يجرؤ الآباء حتى بمراجعة المدرسة خوفا من العاروهناك قصصا حقيقية رصدناها خلال السنوات الخمس الماضية لا يمكننا سردها الآن ...ولكن ... أعود فأتساءل من المستفيد من نقل الصراعات إلى أفراد الأسرة بين الرجل والمرأة ؟ هل هذه المؤشرات تمكننا من إيجاد الأسرة المتماسكة المتحابة أفرادها متساوون يحترم بعضهم البعض من أجل بناء وطن يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات؟أين هم المشرعون الذين يجب أن يستمدوا القوانين من جوهر ومبادئ الإسلام ؟ أين المفكرون الإسلاميون الذي يجب أن يحللوا القوانين والإجراءات ويطالبوا بالبدائل ؟أين هم خطباء المساجد الذين يقرؤون الواقع ويحللون القوانين ويطالبون بتنقيح وتطوير التشريع وتوعية المجتمع بجوهر الإسلام بدلا من التحريض ضد الفتيات والنساء ونقل الصراعات إلى أفراد الأسرة ؟أين هن الداعيات اللاتي يجوبون المنازل والتجمعات النسائية لنشر الوعي بحقوق النساء ويطالبن بتغيير وتعديل القوانين بما يتفق مع جوهر الإسلام بدلا من تخويف الفتيات من النار والعقوبة الدائمة وتكريس مبدأ الذنوب ومبدأ الدونية؟ أليس الإسلام دين عبادات كما هو دين معاملات وحياة في الدنيا تتساوى فيها كل الأفراد والشعوب وتشرع القوانين والإجراءات ، وتستقل المحاكم لتحفظ الحقوق ، وتدار المؤسسات لتكفل الحرية والعدل ولتجارب الفساد وليعش الأفراد في رغد وأمن ويعمل الجميع من أجل التقدم والتطور والحياة الكريمة والمواطنة المتساوية ؟كيف أصبح لدينا اليوم إسلام متنوع : إسلام للسنة وإسلام للشيعة وأخرى للوهابيين والسلفيين والزيود وللأفغان والباكستانيين .. بل إسلام للرجل وإسلام للنساء .... وهلم جراكيف نعامل بناتنا بكل تلك القيود بينما أولادنا الذكور مطلق لهم الحرية الكاملة والغير مراقبة وكل هذه الازدواجية التربوية نبررها بالإسلام .. ألم نشاهد النتيجة حتى الآن ؟ ألم نتلمسها ونعاني منها ؟ ماذا ننتظر ؟وبرأيي.. أن نكون مسلمين أو لا نكون ؟ وأعني بهذا أن ينفق سلوكنا مع مبادئنا أو نعلن بأن هذه المبادئ لا تصلح لكل الأزمنة والأمكنة ونحن عاجزون على تطبيقها والعمل بها في حياتنا اليومية ، كيف وصلنا إلى درجة الترويج بالانتظار حتى نكافأ على سكوتنا وخنوعنا بتلك الدرجات المضحكة التي بدأت تحسب كدرجات الطالب في أخر العام الدراسي نتيجة لسلوكه الحسن المتمثل بالصمت وعدم الإزعاج وطرح الأسئلة وعدم اللعب وممارسة طفولته ...ونجن عندما خططنا لهذا البرنامج منذ عامين تمعنا في القرآن والسنة بمنهجية تحليلية، ووجدنا أن هناك أكثر من عشر آيات في القرآن تنهى عن الإكراه لضمان حرية الفكر ، وتعرض القرآن للظالمين والظلم بنحو ثلاثمائة آية ، وأمر بالعدل والقسطاس في أربع وخمسين آية ، ونحو ثمانين آية للحفاظ على الحياة ، ونحو سبعين آية بجرم فيها القتل ، ونحو عشرين آية عن الكرامة والتكريم ، وخمسين آية عن الخلق والخلائق والمساواة في الخلق ، ولا يكرم أي فرد في العالم إلا بالعمل والتقوى ..وتأكدنا بأن القرآن يخاطب البشر بشكل عام، لا يفرق بين رجل وامرأة ... لذا أعلنا بأننا سنعمل من خلال هذه المبادئ وبأننا لو عملنا بها جميعا سنكون أحسن أمة أخرجت للناس بالقدوة وبالعمل والسلوك والطموح .. وتأكدنا بان هذه المبادىء لا تتقاطع مع كل المبادئ الإنسانية بل تفوقها ..ومن خلال هذا البرنامج ومن خلالكم أطالب بان تعدل كل القوانين والإجراءات من منطلق تلك المبادئ كما جاءت لا كما يفهما أنصاف المتعلمون والجاهلون بالفقه والتفسير ..والرافضون للمتغيرات ...ومن هنا أؤكد بأن كل قوانيننا اليمنية لا تتفق أبدا مع جوهر الإسلام ولم تستمد منه أبدا .. وهي بهذا تناقض الدستور بمعنى أنها ليست دستورية .. إذ إن تلك القوانين هي توافقية لمبادئ قبلية وعادات وتقاليد من هنا وهناك .وهي صيغت لإرضاء من هم المنتفعون منها .. وأناشد الجميع الذين يحرصون على مجتمع إسلامي حقيقي يعيش أفراده منسجمين مع أنفسهم وضمائرهم ومع من هم في الداخل ومع من هم في الخارج ليست لديهم مشكلة مع الآخرين يحترمون الجميع ويعملون من أجل التطور والتقدم والعدالة والمساواة والأمن أناشدهم بأن ينضموا إلينا في تحليل الواقع القانوني وإجراءات المحاكم والنظام القضائي ، وإيجاد بديل منسجم مع جوهر الإسلام لمواطنة متساوية ، يعيش فيها الرجل والمرأة على حد سواء مواطنين لا رعية في ظل حقوق وواجبات متساويةوعودة لما تقدم ... كان هذا البرنامج مبادرة منا لكشف الملابسات من أجل تثبيت الحقوق المتساوية وإرسائها دون تمييز.. وندعو من خلال هذا البرنامج للعمل معا نحو تغيير البيئة الاجتماعية والتعليمية والسياسية والعدالة الاجتماعية والقوانين لتكون بيئتنا صالحة للبشر بالرغم من جنسهم وقبيلتهم وطبقتهم ومعتقداتهم وأفكارهم السياسية تحت مظلة المواطنة المتساوية ...ونحن إذ نؤكد من خلال هذا البرنامج أيضا ضرورة مواكبة التطور وإرساء العدل والمساواة ومجارية الفساد .. لا نتجاهل إطلاقا الماضي ولا ندعو في نفس الوقت أن نكون اسري لذلك الماضي ، لأن الثقافات والاتجاهات ليست ظواهر ثابتة وجامدة بل تتبدل وتحتاج لأن توجه بما ينسجم والبيئة المحلية والعالمية لضمان مشاركة المواطن ذكرا وأنثى في بناء مجتمع متطور ومنسجم لا يشكو الازدواجية في المعايير والحقوق والعدالة والواجبات ولا ينقل صراعاته إلى أفراد أسرته ومجتمعه والعالم.وفي الأخير لا يسعني إلا أن استمد من قول رسول الله (ص) في خطبة الوداع عندما أنهى خطبته بقوله:... اللهم اني بلغت اللهم فاشهد !!!!* ناشطة يمنية في المجتمع المدني
|
فكر
لماذا أصبحت المرأة هدفا لجماعات الإسلام السياسي ؟
أخبار متعلقة