نسيم بارد ينساب من بين الأشجار ، تتراقص لوقعه الأزهار وهي تشكل لوحة نسجها الربيع بألوان الطيف الزاهية، من حولها يتصاعد أزيز نحل تمتص من الأزهار رحيق الربيع ، فراشات تتراقص ، مياه تتسَلل من بين الخضرة وتشق الواحة إلى قسمين . العجوز (قائد) آخر أفراد العائلة السلطانية التي اتخذت من الواحة مقراً لحكم سلطنة (آل سعيد) التي انهارت آخر معاقلها على أيدي (التنين) , لم يبق من معالمها سوى كوخ لاذ إليه العجوز وزوجه بعد أن أغقلت الأحداث فرص استمرار حياة البذخ التي تربيا عليها في كنف جدهما سلطان (آل سعيد) ، الربيع العاشر منذ دفن زوجته جوار جذع شجرة الزيتون المقابلة لمدخل الكوخ ، ينتقل بين الخضرة للتغلب على ظروف الحياة التي مرت به ، استقر إلى جوار شجرة الزيتون ، يراقب الأفق الممتد أمام أهدابه التي أصبحت كخيط أبيض تشتت على حواف عينيه ،فترات طويلة لم يزر الواحة غير طيور وقليل من صيادين ، ظل يتصفح الأفق ، خرجت أنثى الحمام من بين أغصان الشجرة التي وضعت عليها عشاً محتضناً لبيضاتها الثلاث ، الصغار تحاول تفتيت الأغلفة من حولها والخروج إلى حياة جديدة , الذكر يساعد الصغار على الخروج ويقوم بحراسة العش حتى تعود الأم ومعها دقائق الغذاء الذي ذهبت لجمعه ، غراب يقترب ساحة الكوخ يصعد أشعة الشروق بجناحيه ، يرسم ظلاً طويلاً يغطي الساحة ، سقطت أغشية البيضات الثلاث إلى جوار قدمي العجوز وهو يستمع أصوات الصغار الثلاثة وهم يرفعون مناقيرهم إلى الأعلى بحثاً عن دقائق الغذاء المنتظر ، منذ بدأ زوجا الحمام في نسج العش ووضع البيض , وهذا الغراب يترقب ويزور الساحة في فترات متعاقبة ، العجوز يناجي سحر الواحة , يتذكر الزمن الذي مر به ، الحيوانات والطيور أصبحت جزءاً من مفردات حياته ، تؤنس عليه من العناء والغموم التي لم تتوقف منذ أن أغارت جيوش (التنين ) على الواحة وفغرت أحشاء أطفاله الثلاثة أمام عينيه ، الأم في طريقها إلى صغارها ودقائق الغذاء على منقارها وجوف أحشائها ، الذكر يتصارع مع الغراب , وجه إليه صفعة قوية بإحدى جناحيه أردته أرضاً ،العجوز يحاول رمي الغراب بقطع من الصخر , جمع بين مخالبه الصغار الثلاثة . انطلق.. ظلت الأصوات تنتشر في الأرجاء ، الأم في طريقها إلى شجرة الزيتون , تسمع أصداء صغارها وهي تجوب الأرجاء طالبة النجدة ، سقط احد الصغار إلى النهر ، تقلب الذكر ، تحاول معرفة مصير صغارها ، تبحث في أرجاء الواحة ، العجوز يسند ركبتيه على الساحة ويجهش بالبكاء ، الشمس تودع الجميع وتترك الواحة للراحة بعد يوم مجهد , العجوز يعود إلى الكوخ بينما يظل الحزن والقهر يقتل الجمال ، الغراب ينظف مخالبه ومنقاره ، حركة المياه تدفع معها الريش الرهيف الذي كان يغطي جسم الصغار ، يظهر القمر بلون معتم لا يستمر حتى يعود تدريجياً إلى بهائه وضوئه الفضي الذي يعممه بعد أن دنست شرائع الغاب صورة الحياة في أرجاء الواحة ...[c1]عبد الكريم النهاري[/c]
شرائع الغاب
أخبار متعلقة