نجمي عبد المجيدقام بهذه الرحلة الفرنسيون وكانت للمرة الأولى من عام 1708م حتى عام 1710م، ومروا بميناءي المخا وعدن وصولاً إلى مقر إمام اليمن في الحملة الثانية عام 1711م حتى عام 1713م وقد حوى تقرير الرحلة دراسة عن تجارة البن ونبذة تاريخية عن استخدام القهوة أول مرة في الغرب وكيف جاءت إلى فرنسا، وكانت بداية الرحلة عندما أبحرت السفينتان كيوديوس ودليجانت لغرض التجارة والطواف عبر البحار، وقد اقلعت السفينة الأولى التي حملت الرحالة الفرنسي دي لاروك من ميناء بريست بتاريخ 6 يناير عام 1708م.ثم كان الإتجاه نحو الجزيرة العربية، وفي 13 يناير 1708م وكان تحركهم بين كوميرا ورأس تنيريف ومن هناك إلى جزر الرأس الأخضر، وفي تاريخ 28 نوفمبر 1708م كان الاقتراب من جزيرة سقطرة والدوران حول نقطة من الساحل والتي تبين الخرائط البحرية التابعة لهم مكان الرسو على الجانب الآخر منها حيث كانت توجد أماكن للرسو جيدة في كل إرجاء الجانب العربي من الجزيرة وكان الهدف الأول بعد النزول على الجزيرة الذهاب إلى عاصمتها لزيارة حاكمها، وبعد قطع المسافات كان الوصول إلى العاصمة والتي موقعها على الجانب الشمالي من الجزيرة وقد نزل على مدرج جميل أخضر تظلله أشجار النخيل لا يبتعد كثيراً على مكان الحاكم والذي كان جالساً على سجادة قرمزية حيكت أطرافها بالذهب كما يصف دي لاروك، وبعد أطواف في سقطرة كانت المغادرة بتاريخ 10 ديسمبر 1708م نحو ساحل الحبشة وفي اليوم التالي من الرحلة ابصروا جزيرة كوريا وجزيرة موريا على مسافة 5 فراسخ منهما، ثم كان الوصول إلى عدن.[c1]وصف لمدينة عدن ومرفأها وحصونها عام 1709م[/c] يقول دي لاروك عن عدن :(عدن. إنها أفضل مكان في شبه الجزيرة العربية بأسرها لأن المدينة التي تحمل هذا الأسم هي الأشهر والأهم في تلك البلاد كافة.ماكدنا نرسو في الطريق إلى عدن، رافعين الراية الفرنسية، حتى أرسل الحاكم لنا قاربين محملين بالكثير من المؤن، مرحباً بنا على لسان أحد الضباط.ولأننا كان على مسافة أكثر من فرسخ من المدينة، لم نبلغ الشاطئ ذلك اليوم، ولم نجد من المناسب حجز أنفسنا تحت قلعة في بلد لا يزال أهله مجهولين بالنسبة لنا. ولكن في وقت مبكر من صباح اليوم التالي أرسلنا موفداً لتحية الحاكم. وفي غضون ذلك حييناه بطلقات من سبعة مدافع في كل سفينة، رد عليها من مدافع القلعة التي تسيطر على الطريق الأقرب إلى المدينة، وأرسل فوراً لتحيتنا مرة ثانية مع الدعوة
شجرة البن
بالقدوم إلى الشاطئ، واحتشدت قوارب البلد حولنا لتقدم لنا كل أنواع المؤن وكنا قد ادركنا بالفعل أن العرب شعب متحضر وأكثر تعوداً على رؤية الأجانب مما تصورنا.وذهب السيد دي شامبلوريه ومضيت معه بصحبة بعض الضباط من سفننا الثلاث إلى الشاطئ، بعد تناول الغذاء، ووجدنا على المدخل بعض الجنود الذين اصطحبونا إلى بوابة يطلقون عليها بوابة البحر العظيمة بسبب كبر حجمها ومواجهتها للمرفأ وكان أمامها مجموعة من الحراس. ولاحظت في أثناء مروري أن هذه البوابة هائلة السمك وبها مسامير حديدية كبيرة أو ربما أوتاد يسندها عمود من الحديد متناسب الحجم مع باقي مكونات البوابة. دخلنا من هذه البوابة إلى دهليز مقنطر على نحو بديع قرابة خمس عشرة خطوة ووجدنا نوعاً من الباحة المقنطرة على نحو مماثل تنتهي بزاوية.واستقبلنا هناك بحفاوة عظيمة ضابط رفيع الرتبة يدعونه أمير البحر وندعوه أمير البر، وربما هو رئيس المرفأ. واجلسنا على أرائك من نوع خاص جداً، وسألنا من أين اتينا ومناسبة رحلتنا.وكانت محادثتنا قصيرة بسبب كون هذا الضابط قدم الحاكم بأمر رسو لنا، فأرسل أوامره بمثولنا أمامه.خرجنا من بوابة حديدية في أدنى المكان أفضت بنا إلى مكان آخر جوانبه كتل خشبية، وسرنا بين صفين من الجنود، يتقدمنا ويتبعنا آخرون، وأمير البحر على شمالنا، حتى وصلنا قصر الحاكم. ارتقينا درجاً بديعاً إلى الجناح الرئيس، حيث وجدنا الحاكم جالساً على اريكة في الطرف العلوي مغطاة بسجاد فاخر ووسائد موشاة بالذهب.وكانت حاشيته مصطفة عن اليمين وعن الشمال واعضاؤها يجلسون بالمثل على السجاد، وكانت بقية القاعة مغطاة بالفراش الجميل واتجهنا إلى الأريكة من دون خلع نعالنا، وهو معروف نادراً ما يمنح لأي شخص.وبعد السلام على الحاكم بادر بمصافحتنا، وابلغنا عن طريق مترجمه وهو أحد المنشقين البرتغاليين أن علينا الجلوس، وبدأ يسألنا أسئلة عامة تتعلق بالبلد الذي قدمنا منه ورحلتنا، فأجبنا عليها بما يرضيه، وأكد لنا حمايته لنا في نطاق حدود حكمه، وبعد تكريم لنا ببعض القهوة السلطانية، كان لطيفاً معنا إلى حد إخباره لنا أنه أمر بتجهيز مساكن لنا، وحيث أنه من غير المعتاد الحديث عن العمل في أول لقاء فقد استأذنا في الانصراف بعد أن قدمنا له الشكر ووعدنا بزيارته صبيحة الغد مرة أخرى في الصباح التالي).يصف دي لاروك عدن والتي كان وصوله إليها في عام 1709م بأنها مدينة تحيط بها الجبال من كل الجوانب، وتوجد بها ما بين خمس أو ست قلاع في أعالي الجبال كذلك ستائر وتحصينات كثيرة في المضايق والممرات الضيقة بين الجبال، أما الماء فقد كان ينقل عبر قنوات بديعة الهندسة إلى قناة كبيرة وخزان يبعد عن المدينة قرابة ربع فرسخ ويزود جميع السكان بماء جيد جداً كما يقول دي لاروك، والذي يعبر على أية معلومات استند أهل الجغرافبة من أوروبا في قولهم إن نهراً يمر عبر المدينة.هذا المكان كان محاطاً بالأسوار، وهو في تلك الحقبة الزمنية كما يصف الكاتب في حالة سيئة جداً بالذات على جانب البحر، حيث توجد بعض الهضاب وعلى مسافات معينة تجد من خمس إلى ست بطاريات مدافع من النحاس تحمل كرات من وزن 6 أرطال، وقد يقال عنها بأنها جزء من المدفعية التي تركها سليمان الثاني خلفه بعد مغادرة عدن.كانت توجد طريق واحدة لا غير للوصول إلى عدن عبر البر تمر بجسر ضيق يمتد حتى يدخل في البحر مثل شبه الجزيرة وقد سيطرت على رأس ذلك الجسر قلعة مع حراس متمركزين على عدة مسافات، ووجدت على مدى طلقة مدفع قلعة أخرى بيضاوية الشكل يقول عنها دي لاروك فيها 40 قطعة مدفعية كبيرة ركبت على عدة بطاريات، مع حامية حتى يكون من المستحيل النزول من ذلك الجانب، وعلى طريق الاتصال بين المدينة وذلك من المكان، وقد توجد به كذلك قلعة أخرى بها 12 مدفع وحامية.وعند اتجاه البحر الذي كان يمكن الوصول إلي عدن عن طريقه، يجد خليج عرضه ما بين 8 إلى 9 فراسخ في المقدمة وقد قسم إلى طريقين الأول واسع جداً وبعيد عن المدينة، والثاني أقل مسافة وأقرب ويعرف في ذلك الوقت بطريق المرفأ وهو بعرض فرسخ واحد، ويأخذ من عرض القلعة التي تسيطر على 50 مدفع حتى النقطة التي توجد بها القلاع سابقة الذكر، ويمكن الرسو في كل أرجائها حيث كان عمق المياه يصل ما بين 18 حتى 20 أو 22 قامة، ويصف عدن من الداخل بأنها مدينة واسعة إلى حد كبير، وبها عدة منازل جميلة ترتفع إلى طابقين وتعلوها سقوف مسطحة، ويشير إلى أن عدن كانت ذات يوم مدينة لها مكانة عالية ومشهورة وذات أهمية عظيمة، وهي متراس شبه الجزيرة العربية الرئيس.[c1]الوصول إلى ميناء المخا والمدينة[/c]بعد الرحيل من عدن كان الاتجاه نحو المخا المدينة والميناء حيث تقول دي لاروك :(في الثالث من يناير 1709م رسونا في طريق المخا، حيث يتكون المرفأ من عنقين ضيقين من اليابسة محدبين مثل قوس، تشبه بالضبط الهلال. وشيدت على الطرفين قلعتان تحميان المدخل وهذا المدخل الذي يمتد بطول فرسخ تقريباً ما بين القلعة والأخرى، يشكل نوعاً من الطريق، حيث تضطر السفن الكبيرة للرسو، أما بقية الميناء فهي أكثر ضحالة من أن تسمح بذلك، وتصلح فقط للمراكب الصغيرة ذات الحمل الخفيف.ما إن القينا مراسينا حتى رفعت القلعتان كلتاهما راية حمراء على نقطة معلمة بثلاثة أهلة ورسم آخر.ولاحظنا بالمثل، وإن كان على مسافة بعيدة من المدينة، العلم الهولندي الذي رفعه رئيس البعثة الهولندية على الشرفة لتكريمنا، إلى جانب راية على بطارية مدافع بالقراب من قصر الحاكم كالبطاريتين الموجودتين على القلعتين.حييناهم بسبع طلقات مدفع من كل سفينة، ردوا عليها بخمس من بطارية المدينة. وفي الحال أرسل الحاكم إلينا مركباً ذا ثلاثة صوار وبحاراً يحمل راية مع أمير البر أو قبطان ميناء المخاء، وكان يرتدي رداء أخضر اللون، تتدلى أكمامه مثل عباءة الراهب وتحته دراعة من قماش الغفارة المقلم بلون المريمة، وكان برفقة بيرا، البانياني الذي يتكلم البرتغالية، وكان هذا البانياني يرتدي لباساً أبيض وحزامة مطرزاً مع وشاح على كتفيه مصنوع من الحرير متعدد الألوان وكان معهما أيضاً هولندي ينتمي إلى البعثة الهولندية، وكان قد أقام في تركيا، ويفهم الفرنسية جيداً. وهذا الأخير يرتدي زياً تركياً.بعد المجاملات الأولى. ابلغت أمير البر بمناسبة رحلتنا، التي قمنا بها تحت الحماية والنفوذ الرفيعين من قبل امبراطور فرنسا، مولانا الذي يرغب بدخول رعاياه في رابطة وصداقة ومباشرة التجارة مع إمام اليمن، وكان أمير البر مسروراً لذلك غاية السرور مؤكداً لنا أن الحاكم سيكون مسروراً من كل قلبه بعد وصولنا وبنوايانا هذه.وقدمت لهم بعد ذلك هدية مؤلفة من العديد من أنواع الشراب، لكنهم لم يشربوا من أي منها واكتفوا بشمهاوعرض علينا البانياني بيرا استضافتنا في بيته ثم ابحروا مع أحد ضباطنا، الذي أرسلته مع خطاب إلى الحاكم، إلى جانب الخطاب الذي جلبته من أخيه حاكم عدن، وأعطيتهم خمس بنادق عند مغادرتهم.وبعد ذلك بقليل عادوا إلينا بالمؤن وخطاب من حاكم المخاء، رداً على خطابي وآخر مكتوب باللاتينية من مبشرين إيطاليين، وكان خطاب الحاكم مكتوباً بالعربية وترجمته كالآتي :القبطان الفرنسي السيد دي ميرفيل هداه الله.الحمد للذي يجب له الحمد.سعادة الربان الفرنسي السيد دي ميرفيل هداه الله، إن شاء الله، وبارك تجارته، وأفاد عليه السعادة والفلاح.لقد تلقينا خطابكم على يدي مبعوثكم، والذي علمنا منه بوصولكم الميمون إلى ميناء المخا المبارك، المزدهر أبداً بفضل الله وعدالة أمير المؤمنين المهدي لدين الله نصره الله وأيده. إنكم توجهون انفسكم بأفضل المبادئ وأكمل التقاليد، وفي الغد إن شاء الله العلي القدير، سوف نحضر إليكم، ونطلع بأنفسنا، وبالتفصيل مصالحكم. ونسأل الله أن يمن علينا بفضله، وهو حسبنا وكفيلنا.[c1]من حاكم ميناء المخا صالح بن علي حفظه الله[/c]في اليوم التالي، الرابع من الشهر، جاء إلينا الراهبان المبشران، وطلبت منهما أن يسعيا لي لمقابلة الحاكم، الأمر الذي انجزاه في اليوم نفسه. وقد اقترح علينا البقاء حتى اليوم التالي، مصمماً على أن يجعل إقامتنا إقامة رائعة، حيث إننا كنا أول ضباط فرنسيين يصلون إلى دولتهم، لكننا رجوناه ألا يكلف نفسه هذا العناء، وأن يسمح لنا بشرف لقائه في وقت لاحق. وتبعاً لذلك أبحرنا بمراكبنا، السيد دي شامبلوريه وأنا يرافقنا قسم من ضباط بملابس جيدة مع تجهيزات جيدة، ورسونا في مدخل الميناء، وبعد أن أجتزنا من المدخل إلى بوابة البحر، وجدنا أثني عشر حصاناً مجهزة تجهيزاً جميلاً، ومائتي جندي تقريباً، وأمامهم الطبول ذات الجوانب المعدنية. وااسقبلنا أمير البر عند البوابة، وقادنا إلى قصر الحاكم، الذي لم يكن يبعد كثيراً، يتبعنا حشد كبير من الناس.ماكدنا ندخل هذا القصر، حتى قال لنا المترجم إن علينا أن نخلع أحذيتنا قبل الدخول إلى قاعة الاجتماعات : وكان الأمر ذاته قد قيل لنا من قبل في عدن، وكان لي الرد نفسه عليه. فقد أبديت رفضي، استناداً إلى عاداتنا التي لا تتطلب هذه الرسميات، حتى في حضرة إمبراطورنا "أعظم أمراء أوروبا"، قائلاً لمضيفنا إنني مستعد للرجوع من دون اتمام المقابلة، متظاهراً بأنني اعتزم المغادرة، فاستدعوني وأدخلونا جميعاً إلى القاعة الفسيحة، التي كانت أرضها مغطاة بالسجاد جيد، مؤثثة بمثل أثاث غرف الأتراك في شرقي المتوسط مع أريكة سريرية في الطرف العلوي).[c1]بحث تاريخي عن الاستخدام الأول للبن[/c]كان ضمن ما دون عن تلك الرحلة إلى بلاد العربية السعيدة، مادة عن البن، هذه الشجرة التي غزت أوروبا عبر القهوة، والتي لم تكن معروفة في الغرب ولم تذكر في كتب رحالة أوروبا الذين كتبوا عن أشجار الشرق عندما جاءوا إليه في منتصف القرن السادس عشر مثل بيتر بليون والذي سافر إلى بلاد العرب من عام 1546م حتى عام 1549م فقد وصف بعناية أغرب نباتات مصر والجزيرة العربية ولكنه لم يذكر أي شيء عن البن.كان أول غربي يذكر البن في كتاباته هو الطبيب بروسبير البينوس عالم النباتات المشهور، حيث أقام في مصر عام 1580م وفي أثناء إقامته فيها لفترة ما بين ثلاث أو أربع سنوات درس طبيعة أشجار مصر ودراسة جيدة وألف كتاب عنها بغرض إعطاء معلومات عن هذه النباتات، وقد نشر في عام 1592 م.ويذكر في كتابه الفصل السادس عشر حيث يقول :(لقد شاهدت هذه الشجرة في القاهرة، في حديقة شخص تركي اسمه علي بيه، واليك هنا رسماً لغصنها، وهي الشجرة نفسها التي تنتج الثمرة الشهيرة في مصر على نطاق واسع، التي يطلقون عليه اسم "بن" ويصنع العرب والمصريون منها نوعاً من المستخلص بالغلي يشربونه، بدلاً من الخمر، ويباع في جميع محالهم العامة.. ويطلقون على هذا الشراب "قهوة".والثمرة التي يصنعونه منها تأتي من بلاد العرب السعيدة والشجرة التي رأيتها تشبه الشجرة المغزلية، ولكن الأوراق أسمك وأقوى وأشد خضرة ولا تتجرد الشجرة من الورق أبداً).وقد نشر هذا الكتاب في طبعة أخرى عام 1640م، كما أورد المستشار بيكون المتوفي في عام 1626م ذكر البن في كتاباته، غير أن معرفته به لم تكن جيدة، وفي ايطاليا التي كانت مزودة بشكل جيد بالبن من الشرق عبر تجار البندقية، هناك اصدر فوستوس نيرو الماروني وأستاذ اللغات الشرقية في روما بحثاً صغيراً باللاتينية عن البن، ونشر في صحيفة ايطالية عام 1671م.[c1]دخول القهوة إلى عدن[/c]وعن دخول القهوة إلى عدن جاء في كتاب عبد القادر بن محمد الأنصاري الجزيري "عمدة الصفوة في حل القهوة" وقد ألفه في مصر عام 996 هجرية، الموافق 1587م، وجاء فيه :(جمال الدين ابو عبدالله محمد بن سعيد الملقب بالذبحاني من ذبحان المدينة الصغيرة من مدن شبه الجزيرة العربية حيث كان مولده، والذي كان مفتياً لعدن المدينة المشهورة والميناء في البلاد نفسها في قرابة أواسط القرن التاسع الهجري والخامس عشر الميلادي، والذي اتيحت له فرصة القيام برحلة إلى بلاد فارس، وفي أثناء إقامته هناك لاحظ بعض أبناء بلده يشربون القهوة، فلم يعر ذلك اهتماماً كبيراً في البداية، ولكنه عندما عاد إلى عدن قام بتجارب عليها آملاً أن تجلب له الانتعاش. ولم يسترد المفتي عافيته فحسب، بل سرعان ما أحس بفوائد أخرى للقهوة، خصوصاً أنها طردت كل ثقل في الرأس، وصفت الذهن وأبقته متنبهاً من دون أي آثار سيئة بعد ذلك.وقد استغلها بصفة خاصة بسبب هذه الميزة الأخيرة، وغالباً ما شرب القهوة مع الدراويش، وهم طائفة من المتصوفة المسلمين. ليقيموا الليل، أو ليواصلوا الذكر بمزيد من التنبه وحضور الذهن.والمثل الذي ضربه المفتي في شرب القهوة وكونه حجة في هذا الشأن، وكذلك رجال الشريعة، وأولئك الذين أحبوا القراءة وجميع الحرفيين الذين كانوا مضطرين للعمل ليلاً، والمسافرين الذين كانوا يرتحلون ليلاً تجنباً لحرارة النهار، أدى إلى أن سكان عدن بأسرها اقبلوا سريعاً على شرب القهوة، وليس في الليل للبقاء متيقظين فحسب، بل في ساعات النهار أيضاً بسبب منافعها الأخرى.وهكذا شاع استعمال القهوة في عدن، وكان هذا هو المكان الأول الذي تلقاها فيه بشكل عام جمال الدين، وهو رجل واسع الأفق، يحظى بتقدير المدينة، وعالم آخر ذائع الصيت اسمه محمد الحضرمي، المولود في حضرموت، عاصمة البلاد المسمى بهذا الأسم في شبه الجزيرة العربية).راجع كتاب : رحلة إلى العربية السعيدة. تأليف : دي لاروك.ترجمة : صالح محمد علي.إصدار : أبو ظبي المجمع الثقافي.الطبعة الأولى : 1999م.الموزع : دار العلوم للنشر والتوزيع.