ميسون عدنان الصادقلا أعرف ماذا أكتب هذه المرة ففي هذه المرة القلم يقف عاجزاً وحائراً في نفس الوقت فموضوعي الذي سأتناوله هو موضوع غاية في الأهمية فقد يريح أناساً وقد يؤلم أناساً وقد يكرهني من بعده العديد من الناس ولكن هذا الموضوع بالذات يجب علينا إلقاء الضوء عليه ألا وهو الإساءة إلى الوالدين في الحياة وما بعد الممات..دعوني أخذكم في رحلة قصيرة قد تكون الأولى بالنسبة لي ولكنها ليست الأخيرة وهذه الرحلة كان يجب علينا القيام بها منذ زمن طويل ولكن ها أنا الآن سوف أخذكم في هذه الرحلة دون أن يدفع أحدكم ثمن هذه الرحلة فتعالوا معي.. أنا لست بارعة في الكتابة ولكنني سأحاول جاهدة أن أنقل لكم ما أشعر به من ألم وحزن وأسى لهؤلاء الأباء والأمهات ومن احتقار واشمئزاز وكره لهؤلاء الأبناء.فهناك حالة مرضية شاذة أصبحت تغزو مجتمعنا الشرقي بشكل كبير ألا وهو تفضيل الزوجات على الأمهات فالعديد من المشاكل الأسرية تكون سببها الزوجة وأم الزوج فلنعلم إذاً من السبب الرئيسي لهذه المشكلة، فنادراً ما نجد الزوج يقف إلى جانب أمه ضد زوجته وكثيراً ما نجد الزوج يقف مسانداً لزوجته ضد أمه ما العمل إذاً؟إليكم الحل الذي أملاه عليه ضميره وهو التخلص من تلك المسكينة لا أقصد بالمسكينة هنا الزوجة بل تلك التي تعبت وربت وسهرت لكي تنجب في الأخير ذلك الوحش الذي تفاجأت هي نفسها كيف لها أن تكون قد حملت به ليرميها في إحدى دار العجزة لتبقى هناك منفية محتقرة من أقرب الناس لها دون زيارتها ومراعاتها أو حتى السؤال عنها..صدقوني فأنا لم أكتب هذا من وحي الخيال فأنا أعلم بأنني صغيرة في العمر وبأني مازالت صحفية مبتدئة وفي مقتبل الطريق العملي ولكن لا العمر ولا العمل هما من يقررا ماذا أكتب أو ماذا سأكتب عن هؤلاء الذين أعتبرهم من ضحايا هذا الزمن الضائع.إن الجريمة الكبرى هي أن نرميهم في دار المسنين دون مراعاتهم أو زيارتهم وكأننا تخلصنا من حمل ثقيل كاد أن يحطم ظهورنا.أغمضوا أعينكم لتروا معي ما رأيته أنا فذلك الشاب الذي قام بسب وشتم وضرب أمه فلم يكتفي بهذا الكم الهائل من الشتائم بل قام بتحطيم أسنانها الأمامية وماذا فعلت هي أكتفت بقول الله يسامحك فهذا المشهد لم يغب عن بالي ولو للحظة واحدة فبذل من إكرامها قام بأذلالها والإساءة إليها..وتلك الأم التي تصحو مع صياح الديك ليأخذها أبنها من يدها ليجلسها على إحدى الطرق الرئيسة لتتسول من بزوغ الشمس حتى غروبها ليأتي هو بعد ذلك بكل برودة دم لا أعرف من أين جاء بها ليأخذ ما حصلت عليه من مال لينفقه هو على نفسه بشراء التمبل والسجارة والقات ليتكرر هذا المشهد المأساوي كل يوم.وأكثر الأمور الذي أثرت بي هي حينما كنت في زيارة لقبر أخي الكبير رحمه الله الذي أعتدت زيارته بشكل دائم في كل جمعة مع والدي إذا بأذني يشدها حديث رجلين من العاملين في المقابر بأن هناك رجلاً قد مات اليوم ويجب عليهم التأهب بدفنه فسأل أحدهم لماذا لم يأت أحد من أهل هذا الرجل لإشعارهم فرد الآخر : بأن هذا الرجل ليس لديه أهل فهو كان من ضمن الذين كانوا منفيين في دار العجزة حينها تملكني شعور بالحزن والأسى على حال ذلك المسكين الذي كان يشعر بالوحدة والحرمان وها هو الآن يذهب دون رجوع ليرتاح من بعده كل من قالوا عنه بأنه كان يقف عائقاً في حياته إذا كان العقلاء هكذا إذاً ماذا نقول عمن فقدوا عقولهم ولكنهم لازالوا يتمتعون بشيء من إنسانيتهم.فذلك الشاب الذي كان الكثير من الناس يقولون عنه بأنه مجنون وبأنه ولد هكذا فاقد لعقله ولكنه لم يفقد إنسانيته فهذا الشاب كان مطيعاً لأمه طاعة عمياء فهي الوحيدة الذي كانت تعامله معاملة مساوية لمعاملتها لباقي أولادها فقد كانت له الصدر الحنون والقلب الكبير الذي كلما أحتاج إليه يجده وعندما ماتت أمه لن تصدقوا ماذا حدث لذلك الشاب لم يصب بالجنون فهو مثلما قلنا ولد مجنوناً فقد مات بعدها هو الآخر.حباً في الله ليخبرني أحدكم ما الفرق بين العاقل والمجنون. فالعاقل عاق لحقوق والديه، في حين المجنون مطيعاً ومحسن لوالديه.ألست على حق، على كل حال هذه الرحلة لم تنته بعد فهناك رحلة قد أخذكم فيها معي قريباً فأنتظروني..
ضحايا الزمن الضائع
أخبار متعلقة