ثروتنا المائية المهدورة
نعمان الحكيمتركزت حياة الناس دائماً وأبداً حول مصادر المياه، سواء كانت هذه المصادر آباراً أم أنهاراً أم عيوناً وغيولاً جارية .. أو بالقرب من تجمعات مياه الأمطار التي تشكل مصدراً للعيش كالسدود والحواجز الطبيعية منها أو الصناعية، وهو مصداق لقوله عز وجل : "وجعلنا من الماء كل شيء حي" صدق الله العظيم، لذلك تبدو الحياة برمتها مرهونة بالماء أياً كان مصدره منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها حتى يومنا هذا وإلى يوم الدين .. وهذا سر الحضارات المعروفة والضاربة في التاريخ، ومنها حضارة وادي النيل والرافدين وسد مأرب ونهر السند .. وهلم جراً.وللتفكير في المياه وأهميتها للإنسان لن نكون نحن في اليمن بعيدين عن هذه الأهمية ، فقد قامت حضارات سادت على المياه والزراعة، ومن ثم بادت عند انعدام هذا المصدر الهام، ويروي القرآن الكريم قصة السد وسيل العرم الذي جاء على كل شيء وتفرقت بعد ذلك الأقوام وتشتتوا في أصقاع الدنيا بحثاً عن المياه والحياة الحرة الكريمة ...إلخوبلمحة سريعة عن المياه في بلادنا منذ سد مأرب إلى بناء صهاريج عدن (الطويلة) بكريتر، يتجلى لنا أهمية سيادة الحياة والناس .. ويتجلى لنا أيضاً الفكر والعقل والفعل الإنساني الذي استطاع أن يصنع مآثر يعجز العلم اليوم عن فك طلاسمها، وكلها في سبيل حفظ المياه وحفظ الحياة .. وانظروا معنا الى ما تبقى من سد مأرب القديم (العظيم) من بنيان شامخ ومهول .. وقارنوا أيضاً ذلك ببنيان صهاريج الطويلة بعدن ومكانها وأهميتها رغم المشاق والصعاب في الهندسة والبناء ووصول تلك الكتل الصخرية الى تلك الأماكن الشاهقة الوعرة ولم يكن في ذلك الزمان لا آلات رافعة ولا آلات حفر أو تقطيع .. اللهم إلا عقول وقوى بشرية أكدت أن ذلك كله في سبيل المياه .. في سبيل الحياة وحفظ البقاء.إن تلك المآثر الخالدة لتعبر عن أهمية المياه وكذا حفظ المدن من الانجراف، وهو أيضاً - أي حفظ المدن من الفيضانات - يساوي أهمية وجود المياه للشرب والزراعة وأمور الحياة كلها .. أوليس ذلك كله قد أكد أن لا هوادة ولا صعوبة في أن نوجد المياه حتى لو شققنا الصخرة الصماء .. فإن الأمل في وجود مياه فيها للحياة، أمل كبير للبقاء؟!ثم إن العلم اليوم قد يكون في أزمنة لاحقة، وبما تنبأ به اليوم من أن تكون هناك حياة في المريخ بسبب اكتشاف أماكن خضراء أو على حد تعبير العلماء وأقمار الاستكشافات، أن هناك بحيرات وأنهاراً متجمدة لكنها قد يكون فيها حياة، وسبحان الله الذي ألهم الناس ليصلوا إلى اكتشاف المجهول وجعله من المعلوم .. إنه على ما يشاء قدير.ولأهمية المياه في بلادنا، خاصة المدن الحارة جداً تتزايد وتتعاظم مشكلة الجفاف وتتزايد متطلبات الحياة خاصة في المدن الناهضة عمرانياً وصناعياً مما يعني البحث من جديد عن هذا المصدر بعلم وعمل وجد وضمير حي، لن نقول يضاهي ما فعله الأجداد وخلدوا به أفعالهم العظيمة، بل نقول لكي نستخدم تكنولوجيا العلم والاختراعات المتاحة لنا في هذا الزمان .. زمن الألفية الثالثة، المذهلة، الخارقة في الحصول على مصدر جديد للمياه أو لننمي المصادر الطبيعية الموجودة بشكل علمي مدروس، أو حتى بالذهاب بعيداً لتحلية وتقطير مياه البحر... وهو أصعب الحلول.من هنا نراهن على أن الحياة سوف تكون في أسوأ أحوالها، لو ظللنا هكذا نركن إلى السيئين في حياتنا أن ينهضوا بأعباء الحياة خاصة في مجالات المياه.. فالدول الآن تعتبر المياه من الأمور السيادية الأكثر أهمية من الحدود.. والأكثر أهمية من الثروات المعدنية .. بل إن الدفاع عن المياه ومصادرها هو دفاع عن الدولة والناس والحياة ومن ثم البقاء.. فهل وعى أهلنا القائمون على مصادر المياه بمختلف اتجاهات عملها والتي تصب في منفعة واحدة .. هل وعى هؤلاء وهم يعدون المشاريع ويخططون للاستراتيجيات المستوردة اسماً ومعنى .. هل وعوا أن العودة الى آثار وتراث وحضارات الأجداد شيء مهم للحفاظ على ما تبقى لنا من حياة؟!إن أموراً كثيرة ينبغي أن تتوفر وأن تتجه إلى هذا المورد الهام، وأن تكرس الدولة سياجاً قانونياً لا يخترقه أي مخترق، وأن تضع عقوبات رادعة ضد كل من يحاول أو قد حاول تخريب هذه الثروة أو بعثرتها بدون أي مسوغ قانوني أو أخلاقي .. حتى لا نظل في هذا النحيب الذي لا يقدم إلا العويل والبكاء الطويل على ماض زاهر وحاضر عاثر .. نحن فيه أكبر المتسببين واللا مبالين بما حصل وما سيحصل.فهل يا ترى قد استطعنا تقديم شيء مفيد عن المياه وهي سر حياتنا وبقائنا؟ .. نأمل ذلك إن شاء الله تعالى.