منذ أن وعينا على أنفسنا ثم ما حولنا لم يأسرنا بلد في الشرق بحداثته ونضارته وصوره الجميلة التي انطبعت في المخيلة من كثرة التكرار، قدر لبنان الذي أطراه الجميع من شتى الملل والنحل، وكان ملاذاً لكل من ليس له وطن يحميه وأرض تؤويه.وكرت سجة الأيام وهوت جنة الأرض في الشرق إلى قاع التناحر والتقاتل، وأزيحت العقول المفكرة والحناجر الصداحة و"الثقافة" الهائلة وحل محلها أمراء الحرب وشيوخ الطوائف الذين أثبتوا أن التخلف ليس مظهراً ونظاماً مخلبطاً، وليس فقراً وبؤساً وأمية، لكنه إلى ذلك عقول صدئة تخفي تحت بريقها اللماع فكراً وممارسة واعتقاداً متخلفاً لا يلين أمام الكوارث والميزان غير السوي لانه يعيش بشروطها.لقد صور لبنان أحدهم بقوله: "أنه بلد حديث عندما تنظر إلى قشرته السطحية، ولكن لبنان أشبه بقبة مسجد محمد علي في القلعة، القبة مغطاة بقشرة فضية تخفي تحتها معماراً أقطاعياً قديماً وعندما تنظر إلى القشرة تشعر أنك في باريس ولكن عندما تقترب من تفاصيل السياسة اللبنانية تكتشف انك بين قبائل الصومال، وابعد ما تكون عن ديمقراطية الاليزية وهذا تخلف سياسي يتناقض مع مهارة اللبنانيين في التجارة والسفر اللذين برعوا فيهما لدرجة تجعل البعض في العالم الخارجي يظن ان الانتساب إلى لبنان انتساب إلى حرفة وليس انتساباً إلى جنسية بذاتها".اذا كان هذا لبنان جوهرة الشرق وشمعته التي طالما أضاءت طريق الهائمين عن ديارهم لان لهم فكراً معارضاً وطالما أوت الآلاف واحتضنتهم فكيف تكون الحال في البلدان التي تعيش على قارعة الزمن لا مكان حقيقي لها في الحراك السياسي والاقتصادي والثقافي الإقليمي والدولي؟ كيف يمكن التوفيق بين الانجازات العلمية والفكرية المختلفة التي تترى كل يوم في العالم مع تلك الأنظمة التي تسمرت عند تقاليد وعادات ثقيلة مكلفة اثقلت بالتالي كاهل المجتمع وجعلته يرزح تحت وطأة مصالح بدائية وغايات أبعد ما تكون عن مطالبه الحقيقية.؟هناك بلدان وعت إلى حد ما أزمتها وبدأت تنفض عن نفسها تراب التخلف وحاولت فتح كوة لملامسة ضوء المستقبل وبعضها تتحفز وتحس بمحاولتها أصدار صوت لتشعرك بانها حية ومستعدة للحراك وبعضها ـ وياللهول ـ مستسلمة "لقدر" غريب خلقته لحماية مصالح بعض الفئآت غير القادرة على الخروج من سرداب الغيبة السياسية والاقتصادية حتى يخيل لك أنها تعتاش من ذبابة النوم!!امارة مثل إمارة دبي طارت لتناطح في شتى انحاء المعمورة وتعمل في مجالات عملاقة كانت مقصورة على الشركات العملاقة العابرة للقارات انها "تقاتل" لإدارة موانئ عالمية في أمريكا وانجلترا، وتقوم بتحقيق تحالف صناعي جبار في مجال صناعة الطيران، وتؤسس لإقامة إمارة في غاية التطور التكنولوجي والعلمي ليس بحجمها الذي لا يتجاوز ثلاثمائة كم2 انما بعقلية حكامها العباقرة الذين أذهلوا العالم.وأنظر إلى بلد مثل العراق نخرته الصراعات والتكرار الممل للقسوة والاستبداد والتناحر الطائفي الغريب الذي أوصله إلى الحضيض في الوقت الذي حباه الله بكل الثروات وأكثرها قيمة مادية بلد يتقاسمه أبناؤه مثل قطع الشطرنج واللوحة بمجملها تحت اقدام المحتل الذي مازال مرحباً به من قبل أصحاب المصالح الضيقة الذين سلبوا إخوانهم حتى الهواء النقي.هذا الشرق غريب حتى تخلفه غريب ولن نحمل الخارج كل ما يحصل لنا فنحن الذين نهيئ كل العوامل التي تزيد من تنمية التخلف الذي نتجرعه في حين ينمي العالم مداركه وثرواته ومجتمعاته.
|
مقالات
قشرة التطور
أخبار متعلقة