أضواء
عبد العزيز العلياطلع الكثير منا على مانشرته معظم الصحف السعودية في نهاية الأسبوع الماضي عن الجريمة البشعة والنكراء التي وقعت جنوب الرياض وذلك عندما قام أحد الأزواج المجرمين بعد إرجاع زوجته من المدرسة التي تعمل فيها كمعلمة بصدمها بسيارة (لاندكروزر) ثم قام بسحلها في شارع رئيسي وقام بعد ذلك بدهسها عدة مرات ليحول جسدها إلى أشلاء مترامية من هنا ومن هناك ثم لاذ بالفرار من موقع جريمته وقد تم إيقافه بعد ذلك من الجهات الأمنية وتحويله لهيئة التحقيق والادعاء . جريمة تتضمن جميع أنواع وأصناف البشاعة والإجرام والحقارة والشر والتحلل من أدني المعاني الإنسانية , إن هذه الجريمة هي من أعظم صور العنف الذي تتعرض له الكثير من النساء في مجتمعنا من قبل أزواجهن والذي قد يصل في يوم ما لمثل هذه البشاعة !!إن المرأة لدينا تعاني الكثير والكثير من صور العنف الجسدي والمعنوي ولقد بدأت وسائل الإعلام لدينا بنشر مثل تلك الحوادث ونشر احصاءات عن تزايدها عاما تلو عام ولقد صرح مصدر امني في جريدة الحياة 2/6/2008” بأن حوادث العنف تجاه المرأة في تزايد وأنها باتت ظاهرة حية” وهذا التصريح الأمني الذي يعتبر العنف أصبح لدينا ظاهرة له مدلولات خطيرة جدا تستحق التأمل والتدقيق, ولعلي أشير هنا لبعض تلك الحوادث لمن قد يظن أننا نبالغ في تشخيص وتوصيف واقعنا وهذه الحوادث إنما تشكل عينة بسيطة من حوادث العنف والتي تم نشرها عبر وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة ومن ذلك :مانشرته وكالة (رويترز) مؤخرا عن قصة عزة والتي كانت تعيش الوانا من التعذيب الجسدي من قبل زوجها وعلى مدى 12 عاما والذي كان يضربها بقضبان معدنية ويقيدها لمنعها من الخروج من المنزل ويسكب الماء المغلي عليها وقد قامت بمراجعة الشرطة أربع مرات وفي كل مرة ترجع إلى البيت بعد أن يوقع زوجها تعهدا بعدم التعرض لها وبعد مسلسل دام من التعذيب والعنف لم تجد حيلة سوى بالهروب عبر نافذة دورة المياة لتتعرض بسبب ذلك لكسر في الحوض وهي تعيش الآن في احد دور الإيواء في جدة بعد أن حصلت على طلاقها .ونشرت صحيفة عكاظ عن إقدام مواطن على قتل زوجته وذلك بتسديد طعنات على الوجه والرأس والرقبة بآلة حادة .ونشرت صحيفة الرياض عدد (12977) أن السيدة م .أ. جرى خلافا بينها وبين زوجها بعد اشهر من زواجها فما كان منه إلا أن ضربها حتى تسبب لها بنزيف وقد كانت حاملا في الشهر الثاني مما أدى لسقوط جنينها .ونشرت صحيفة شمس في رمضان الماضي عن قيام أحد الأزواج ولأسباب تافهة بسكب صحن الشوربة الحارة على وجه زوجته والتلفظ عليها بأبشع الألفاظ أمام أبنائها وقام بعد ذلك وبكل إجرام بإدخال إصبعه في عينها اليسرى ليقتلع ويتلف الشبكية والقرنية والغشاء المحيط كما قرر الأطباء ذلك وليخرج من البيت ويتركها وهي في تلك الحالة المأساوية ليقوم احد الأطفال بالاتصال على بيت جده الذي حضروا لنقلها إلى المستشفى وبعد ذلك كله يطلب أهل الزوج وبكل بجاحة وصفاقة الصلح بينهم في الوقت الذي أصرت الزوجة على عدم التنازل عن حقها .ونشرت صحيفة الوطن أن أحد المواطنين كان يقوم بتعذيب زوجته مرارا من خلال حلق شعر رأسها وإصابتها بالعديد من الضربات والكدمات في مناطق مختلفة من جسدها أدت بعد ذلك إلى وفاتها وهي أم لسبعة أبناء .ونشرت صحيفة اليوم في العدد (11281) في تحقيق عن تعرض أم يزيد لضرب مبرح بالشارع وذلك من قبل زوجها والذي يشغل منصبا رفيعا بأحد القطاعات الحكومية حيث أدى سوء تفاهم بينهما إلى ضربها وإسقاطها خارج السيارة أمام مرأى من الناس مما أدى لإصابتها بكدمات شديدة وبجروح خطرة ,وبينت أنها تعاني على مدى 11 عاما صنوفا من الإهانات منه وذلك بركلها برجليه وضرب رأسها والبصق على وجهخا في كل مشادة بينهما .وأشارت أخرى إلى أن زوجها يهوى العنف في كل شؤون حياتها وليس لها أحد ينقذها من ظلمه وفي مرة من المرات مرض ابنها فأخذت سيارة أجرة لتذهب به للمستشفى فما كان من جزاء لها إلا الضرب والإهانة أمام الجيران .ونشرت الشرق الأوسط عدد (10181) معاناة مضاوي وقصة هروبها من جحيم التعذيب والعنف من قبل زوجها وأخوها والتي اضطرت بسبب ذلك إلى الهروب من الرياض إلى جدة لتلتحق بدار الإيواء هناك وسط ظروف في غاية الصعوبة تصل إلى التهديد بالقتل و ظنا منها أنها ستكون في مأمن دائم في الدار وماهي إلا ثلاثة اشهر وقد اتصلت الدار بشقيقها ليتم تسليمها إليه وهو مايعني نهاية حتمية لحياتها والذي يرى أنه أصبح من اللازم التخلص منها .واليوم وأنا اكتب مقالتي اقرأ خبر مفاده تلقي شرطة بريدة بلاغا من امرأة تستنجد فيه لتخليصها من ضرب زوجها لها أمام أطفالها لتلجأ لإحدى غرف المنزل وتغلق على نفسها وأولادها وسط تهديدات زوجها بكسر الباب وفور وصول الجهات الأمنية لاذ الزوج بالفرار وتم تحويل الزوجة للمستشفى لمعالجتها من الكدمات والجروح .هذه الحوادث والقصص المؤلمة والمحزنة لواقع عدد كبير من النساء لدينا تثبتها الأرقام والإحصائيات والتي لم تعد سرا يجب إخفاؤه . فقد نشرت صحيفة اليوم دراسة أجريت على عدد من المتزوجات السعوديات خلصت إلى أن 85% منهن يتعرضن للضرب والعنف مقابل %15 ينعمن بحياة هادئة .وكشفت كذلك دراسة أجرتها الدكتورة أسماء الحسين نشرت في صحيفة الوطن أن 57% من النساء السعوديات العاملات يعانين من اكتئاب بسبب التوتر في حياتهن الزوجية وأن 34% من غير العاملات يعانين من ذلك .وفي ملتقى الحماية الأسرية الذي عقد في الرياض مارس 2006 أشارت الدكتورة نادية جان أستاذ علم النفس بكلية البنات كما في صحيفة الشرق الأوسط عدد(9960) عن غياب إحصائيات دقيقة لدينا عن قضايا العنف ولكنها أشارت لاستطلاع صحفي كشف مسؤولية الرجال عن 90 %من حوادث العنف الأسري وان 50% موجه منها ضد المرأة.وفي الملتقى ذاته أشارت الأميرة سارة بنت محمد بن سعود المديرة العامة لمكاتب الإشراف النسائي بوزارة الشؤون الاجتماعية “بان المكتب تلقى في اقل من عام 200 حالة عنف وإيذاء تمثل المتزوجات النسبة الكبرى منها “،إلى غير ذلك من إحصاءات البلاغات والحالات المنشورة عبر هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان .بعد سردي لتلك الحوادث والأرقام والتي يدل جميعها على تفاقم المشكلة وخطورة أبعادها الآن وعلى المدى البعيد أقول إن حديثي في هذا المقال ليس موجها للجهات التي أخذت على عاتقها معالجة قضية العنف الأسري وعن حجم المنجزات أو التقصير فمهما يكن فلا يشك احد بالدور المهم الذي يقومون به وقد تكلم وكتب غيري عن هذه المؤسسات والجمعيات وعن دورها وعن إيجابياتها أو عن مكمن القصور لديها , ولكن ما أنا بصدد الحديث عنه والذي أعتبره مهم جدا والذي ينبأ عن كثير من الحقائق وهو موقف المنتمين للتيار الديني سواء الرسمي أو غيره وأعني بذلك موقف العلماء والقضاة والدعاة ورجال الحسبة من أهم قضية تواجه المرأة السعودية في هذا الوقت وهو العنف الأسري خصوصا من قبل الأزواج .لقد حرصت على أن أقوم بقراءة ودراسة للبيانات التي أصدرها مجموعة من العلماء والدعاة المنتمين للتيارات الحركية كالصحوة وغير ذلك خلال الخمس سنوات الماضية وما هي القضايا التي كانوا يدندنون بالحديث عنها وماذا قدموا من اجل سلامة وطمأنينة المرأة.لقد صدرت ثلاثة بيانات مهمة تعنى من قبلهم في قضية المرأة وفق رؤيتهم ومنظورهم أهمها وأكثرها توسعا وتشعبا والذي أشبه ما يكون قد رغب واضعوه له بجعله دستور لقضية المرأة لدينا وهو ما أسموه بوثيقة حقوق المرأة المسلمة وواجباتها والذي وقع عليه مايزيد على 200 عالم وداعية والذي صدر بعد يوم واحد من إعلان البيان الختامي للملتقى الثالث للحوار الوطني السعودي عام 2004 والذي أكد على ضرورة منح المرأة “كافة حقوقها التي كفلها لها الدين الحنيف، وعلى الدعوة للفصل بين ما هو من الأعراف والعادات وما هو من الأحكام الشرعية”، كما دعا إلى “احترام مبدأ أهلية المرأة وقدرتها على المشاركة الفاعلة” في المجتمع. وقد جاء في صدر البيان “ فقد أعدت هذه الوثيقة بياناً للموقف الشرعي تجاه قضية من قضايا العصر، ألا وهي قضية المرأة وحقوقها في المجتمع المسلم لاسيما في زمن هذه الجولة التغريبية المعاصرة، ونصحاً للأمة من أن تفتن في دينها، وبياناً لرحمة الله بالناس أجمعين، حيث شرع لهم هذه الشريعة الكاملة الصالحة لكل زمان ومكان. “وعند دراسة تلك الوثيقة الطويلة في صفحاتها وما تضمنته من مطالبات وتوصيات في نهايتها والتي كانت على مستوى الدولة والمجتمع والمرأة نرى أن مطالباتهم تلخصت في :التحذير من التحلل من شرع الله ,المطالبة بحفظ الأخلاق والعفة وذلك بمنع الاختلاط,ومطالبة ولاة الأمر بالأخذ على أيدي السفهاء من الكتاب والعاملين في التعليم والثقافة من انتهاك الحقوق الشرعية للمرأة ,مطالبة العلماء بالقيام بدورهم والاحتساب تجاه مايخل بالقيم الاجتماعية في المجتمع وأنه يجب على المرأة أن تلتزم بالشرع وأهمها الالتزام بالحجاب الشرعي وان تتحمل المرأة دورها الاجتماعي الكامن في تربية أولادها وقرارها بالبيت .ولم يرد أي ذكر في مطالباتهم لا من قريب ولا من بعيد للتأكيد والتركيز على أهمية الأمان الأسري للمرأة وإيقاع العقوبات تجاه من يخل بتحقيق ذلك .وكذلك صدر بيان تحت مسمى حقوق المرأة ومنزلتها في الاسلام في عام 1427هـ وقع عليه أكثر من 50 عالما وداعية تضمن التأكيد على أفضلية جنس الرجل على المرأة وعلى أهمية الالتزام بالحجاب الشرعي ووجوب القرار بالبيت وأهمية التمييز بين النساء والرجال وذلك بمنع الاختلاط بكافة صوره والتحذير من التبرج والسفور .أما البيان الثالث فهو الخطاب الذي تقدمت به أكثر من 500 من النساء السعوديات إلى ولي العهد آنذاك خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في عام 1426هـوكان من المتوقع أن تكون من أهم مطالباتهن رفع الظلم عن بني جنسها من النساء المضطهدات من قبل كثير من الأزواج وأولياء الأمور والتعجيل بإصدار مجموعة من اللوائح والقوانين والعقوبات بحق المنتهكين لكرامة المرأة كائنا من كان , ولكن مطالباتهن كانت على النحو التالي :ضرورة الانطلاق في القرارات المتعلقة بالمرأة من منهج الإسلام , إيقاف القنوات الفضائية المفسدة لها , تمكين الكتاب العقلاء من الرد على دعاة التغريب, إيقاف الكتابات والبرامج التي تخالف المنهج الإسلامي في شؤون المرأة , إيقاف كافة الممارسات المحرمة في المجتمع , إعادة صياغة المناهج بما يتوافق مع طبيعة المرأة , أخيرا إنشاء مراكز تعنى بحماية المرآة ولعل القارئ لأول وهلة يظن أنها مطالبة بإنشاء مراكز ودور لحماية المرأة مما تواجهه من صنوف من العنف الأسري ولكنها كانت مطالبة بإنشاء مراكز تعنى بحماية المرأة من وسائل التغريب المعاصرة وأردفوا بها جملة على استحياء وهي رفع الجور عنها بواسطة القضاء النزيه!!هذه البيانات تضمنت أهم المطالبات والمنجزات للدعاة الصحويين على مستوى المرأة فمطالبهم كلها كانت تصب في الحظر والمنع والتجريم والتحريم ولم يفكروا ولو بشكل هامشي أن يشيروا إلى أهمية حماية المرآة من العنف الذي تواجهه صباحا ومساء والذي أصبح يهدد حياتها , ولكن يبدوا أن قيمة حياة المرأة كإنسان ليس ذو أهمية لديهم ولأنهم يدركون حقيقة أن ماتعانيه المرأة في مجتمعنا من ظلم وتعذيب وقهر هو من جراء تسلط الولي على جميع مايتعلق بها حتى بحياتها والذي لا يمكن لها أن تخرج من هيمنته لذلك يؤثرون الابتعاد عن إثارة أهم وأخطر قضية تواجه المرأة في مجتمعنا .أما العلماء والمفتين فهم مشغولون عن تلك القضايا المصيرية للمرأة بمناقشة المسائل الهامشية بحكم النمص والعباءة المخصرة والسفر من غير محرم والاختلاط والتشبه بالكفار وأخيرا لبس الشماغ النسائي!!أما قضاتنا الكرام فبنظرة لحكم قضائي صادر قبل عدة أيام من قاضي محكمة عنيزة والذي رفض فسخ عقد نكاح عمرها لم يتجاوز 8سنوات من رجل خمسيني ومثل هذا الحكم الصادر من هذا القاضي ومن هم على أمثاله يعطينا دلالة واضحة في كيفية تعاطي بعض القضاة مع القضايا التي تتعرض لها المرأة خصوصا مايتعلق بقضايا العنف والطلاق في المحاكم الشرعية !!وفوق ذلك كله يأتي رجل كالشيخ محمد النجيمي ليعلق على حادثة عنف نشرت في جريدة الحياة 2/6/2008 بقوله “ إن الإدانة تقع في المقام الأول على المرأة كونها أعطت الفرصة لرجل ظالم أن ينال منها وهي آثمة شرعا كونها آثرت العيش مع رجل منحرف طوال فترة من الزمن “ إن الشيخ يتكلم وكأن المرأة في مجتمعنا تستطيع أن تنال حقوقها بكل يسر وسهوله وأنها تستطيع الحصول على طلاقها من رجل ظالم لها في يوم وليلة , و لا ادري هل الشيخ يعيش معنا أم يعيش في مكان آخر !!انه وبسبب تلك البيانات والفتاوى والأحكام القضائية التي لا تبالي بمثل هذه القضية الخطرة فلقد طالبت وكما نشرت الشرق الأوسط عدد (9643) قرابة 2500 أكاديمية سعودية في ندوة العنف الأسري التي أقيمت في مركز بحوث الدراسات الجامعية للبنات بجامعة الملك سعود العلماء بإصدار العديد من الفتاوى حول تجريم وتحريم ممارسة العنف الأسري وطالبن القضاة بضرورة تشديد العقوبة في جرائم العنف الأسري والإسراع في إصدار الأحكام القضائية.فهل ياترى وبعد معرفتنا وإطلاعنا جميعا على تلك القصص المؤلمة والأرقام المخيفة سيتحرك الدعاة والعلماء والقضاة بالدور المناط عليهم في معالجة قضايا العنف الأسري ؟!إنني أشيد بمبادرة العديد ممن يهمهم وضع المرأة لدينا وتخليصها من الظلم الواقع عليها ومن ذلك الجهود الكبيرة التي تبذلها كل من سمو الأميرة صيتة بن عبالعزيز برئاستها لبرنامج الامان الأسري الوطني وسمو الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز كنائب للرئيس والدكتورة مها المنيف كمديرتنفيذي للبرنامج , وقبل عدة اشهر طالعتنا صحيفة الحياة 12/4/2008 بمطالبة الأميرة حصة بنت سلمان بن عبالعزيز بسن قانون لحماية ضحايا العنف الأسري ومعاقبة مرتكبيه والمطالبة بإنشاء لجنة عليا تهتم بشؤون ضحايا العنف الأسري وقالت إنها سترفع مذكرة بهذا الشأن إلى مجلس الوزراء في القريب العاجل وقد أتت هذه المطالبات بعد أن أطلقت الاميره حصة حملة للتوعية بمخاطر العنف تحت شعار “لنحميهم لانؤذيهم” إلى غير ذلك من الجهود والمبادرات فهل ياترى سنسمع من علمائنا ودعاتنا وقضاتنا عما قريب أي مبادرة لشجب العنف الأسري والمطالبة بوضع حد لتلك التجاوزات والمطالبة بإيقاع العقوبات المغلظة لمنتهكيها أم أنهم سيبقون صامتون تجاه مايجري حولهم ؟![c1]*عن/ موقع (العربية نت)[/c]