لسنا نبالغ إذا قلنا أنّ تاريخ ثغر عدن يزخر بالكثير من الصفحات التاريخية الاجتماعية التي لم يكشف عنها النقاب بعد ومنها تاريخ سوق الوراقين في عدن والذي يعد من أشهر الأسواق في البلدان العربية والإسلامية في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي ، وسبب شهرته تعود إلى أنه كان مليئا ً بكنوز المؤلفات النادرة والنفيسة ، وكان الحكام والأمراء والسلاطين يرسلون رسلهم إلى عدن لاقتناء روائع المخطوطات . [c1]الدولة الرسولية[/c] وبلغ سوق الوراقين في عدن أوج ازدهاره في عصر الدول اليمنية المركزية التي تعاقبت على حكم اليمن على سبيل المثال الدولة الصليحية ( 436 ـــ 532 هـ / 1057 ـــ 1138م ) ، الدولة الأيوبية الوافدة ( 569 ـــ 626 هـ / 1174 ـــ 1229م ) على اليمن ، والدولة الرسولية ( 626 ـــ 858 هـ / 1326 ـــ 1454م ) والتي كانت امتدادًا للأيوبيين في اليمن ، وفي عصرها نهضت الحياة الثقافية والعلمية بصورة كبيرة نظرًا أنّ سلاطينها ، وملوكها ، وأمرائها كانوا مولعين بالعلوم والمعرفة ، فقد كانت الدولة الرسولية الغرة الشادخة في جبين اليمن . ولقد وصف أحد المؤرخين القدامى بأنّ الدولة الرسولية كانت شبيهة بالخلافة العباسية ببغداد في ميدان الثقافة والعلوم . وهذا ما دفع مؤرخنا الكبير الراحل القاضي إسماعيل بن علي الأكوع بأنّ يشيد بسلاطين وملوك , وأمراء بني رسول الذين حكموا اليمن 237 عامًا والذين اهتموا اهتمامًا بالغا ً بالحياة الثقافية ، فكانوا يسارعون أو قل يتنافسون في بناء المدارس الإسلامية التي ضمت في جناحيها العلوم والمعرفة ، وكان من البديهي أنّ تحتوي تلك المدارس الدينية أو الإسلامية المكتبات التي احتوت رفوفها على كنوز من مختلف العلوم الإنسانية من ناحية وكان ملوكها وسلاطينها يشجعون العلماء النوابغ في مختلف الفنون بالبقاء في بلادهم ، وكان يمنحونهم الأموال الوفيرة ، ويقدمون لهم كافة سبل حياة الترف والنعيم من ناحية أخرى . وفي هذا الصدد ، يقول مؤرخنا الكبير القاضي إسماعيل الأكوع : “ . . . كانت اليمن في ذلك العصر مهوى أفئدة كثير من العلماء الذين كانوا يفدون إليها من شتى ديار الإسلام لما عرفوه من كرم ملوك بني رسول الذي سارت بذكرهم الركبان ، وحبهم لنشر العلم وتعظيمهم للعلماء ورفع مكانتهم وإغداق أجزل العطايا وأسنى الصلات عليهم “ . ونستخلص من ذلك أنّ النهضة العلمية التي شهدتها اليمن عكست على نشاط الحركة في سوق الوراقين وبصفة خاصة ثغر عدن التي كانت همزة وصل بين الشرق ( الهند ) والغرب ( مصر ) .[c1]الدولة الطاهرية[/c]وتذكر الروايات التاريخية أنّ الدولة الطاهرية ( 858 ـــ 923 هـ / 1446 ـــ 1517م ) ،شهدت عدن في عصرها ازدهارا ًواسعًا في شتى نواحِ الحياة ومنها الحياة الثقافية ، ويذكر معاصريها حينذاك ، أنّ السلطان عامر بن عبد الوهاب المقتول سنة ( 1517م) والذي يعد أعظم سلاطين الدولة الطاهرية ، كان مغرمًا بالثقافة ، وكان يرسل الرسل لجلب المخطوطات النادرة والنفيسة في مختلف الفنون الإنسانية إلى المشرق ، والمغرب ، وكانت لديه مكتبة عريضة تحتوي على الكثير والكثير جدًا من المؤلفات القيمة . وقد أسس في جامع الأشاعر بزبيد مكتبة مدها بكثير من كنوز العلوم والمعرفة . [c1]الدولة القاسمية[/c]وفي تاريخ اليمن الحديث ، كانت الدولة القاسمية وخصوصًا في عهد إسماعيل بن القاسم الذي لقب بالمتوكل ( 1645 ـــ 1678م) والذي يعد أعظم حكام الدولة القاسمية حيث شهدت اليمن في عهده نهضة فكرية وعلمية كبيرة “ على غرار الدولة الرسولية والدولة الطاهرية ــــ كما قلنا سابقا ًــــ . . . وفي عهده كثرت الخيرات وانتشر العلم وزاد عدد العلماء “ . ولقد بسط الإمام المتوكل إسماعيل نفوذ دولته على عدن وجراء ذلك ، شهد سوق الوراقين رواجًا واسعًا فيها ، فجلبت المؤلفات الرائعة ، ودونت المخطوطات النادرة ، وتفنن المختصين في تجليد المخطوطات التي زينت الكثير منها بماء الذهب .[c1]عدن وفن التجليد[/c]وهذا إنّ دل على شيء فإنه يدل على أنّ عدن ثغر اليمن ، كان لها تاريخ مديد ، وعميق في فن تجليد الكتب ولما لا ، فقد ، كانت مدينة عدن ومينائها المشهور همزة وصل بين الشرق ( الهند ، وبلاد الشرق الأقصى من ناحية والغرب ( مصر) ـــ كما ذكرنا سابقا ً ـــ ، فاكتسبت الكثير والكثير جدًا من التيارات الثقافية والفنية من البلدان الأخرى من ناحية والحرف الخاصة في فن تجليد الكتب من ناحية أخرى . وتذكر الروايات التاريخية أنّ سوق الوراقين ، كان مليئًا بمختلف الجنسيات الذين تفنوا بتجليد المؤلفات والمخطوطات ، فاكتسب أهل البلاد خبرتهم ، فأبدعوا في تلك الحرفة أيما إبداع ، فبزوا أقرانهم في تلك الحرفة أو المهنة الرائعة الذي يتحلى أصحابها إلى الدقة والرقة والصبر في تزيين أغلفة المخطوطات ، وأيضا ً نسخها ، ويذكر أحد الرحالة المسلمين القدامى الذي زار عدن في عصر الدولة الصليحية ، أنه شاهد بأم عينيه روعة وجمال فن تجليد المخطوطات في سوق الوراقين بالمدينة ، وأنها ، كانت تنافس في رونقها وراؤها ، وتألقها تجليد المخطوطات في بغداد ، وبلاد الأندلس ، وأصفهان ببلاد فارس.
|
تاريخ
عدن وسوق الوراقين
أخبار متعلقة