باتت ظاهرة التجنيس موضة في الساحات الرياضة في الآونة الأخيرة بعدما أصبحت عاملا أساسيا في تحقيق التقدم والتفوق الرياضي .. وقد بدأت هذه الظاهرة تتوحش هذه الأيام لتشمل معظم الألعاب، في مختلف الدول الغنية، التي تستقطب طاقات بلدان العالم النامي لتتاجر في مواهبها ومؤهلاتها، وتحصد لفرقها إنجازات تضخم رصيدها الدولي .وساعدت تكنولوجيا المعلومات وأحدث أساليب التطور في انتشار هذه الظاهرة بطريقة سريعة وغير تقليدية ، كما أعطت بعض قوانين الجنسية الحق للعديد من الأشخاص في الحصول علي أكثر من جنسية في وقت واحد بالإضافة إلي الاحتفاظ بجنسية بلاده " الجنسية المزدوجة " . وعانت الأوساط الرياضية من أضرار هذه الظاهرة بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة ، بعد اتجاه معظم اللاعبين الأكفاء في الدول ذات المستويات الأقل ماديا إلي الهجرة إلي الدول المتقدمة بحافز الاغراءات المالية ومن ثم الحصول علي الجنسية ، والانضمام إلي صفوف منتخباتها سعيا إلي الحصول علي البطولات الكبرى والميداليات العالمية .. والأمثلة علي ذلك كثيرة في جميع الألعاب الرياضية ومن أشهرها اللاعب الجزائري الأصل الفرنسي الجنسية زين الدين زيدان ، والملاكم اليمني الأصل البريطاني الجنسية نسيم حميد ، واللاعب المغربي عبداللطيف بنعزي كابتن المنتخب الفرنسي للرجبي ، والجزائري المهدي باعلا نجم منتخب فرنسا لألعاب القوي ، ومؤخرا ستيفن تشيرونو أو سيف سعيد شاهين الكيني الاصل والقطري الجنسية .. وتعد ظاهرة تجنيس الرياضيين من اخطر الظواهر التي تمر بها ساحات الرياضة في الآونة الأخيرة حيث أنها لو استمرت في مدارها الطبيعي سوف يأتي اليوم الذي تنحصر فيه المنافسات الرياضية بين براثن قوانين المادة .. وبعيدا عن المادة نجد ان ظاهرة التجنيس انتشرت في الفترة الأخيرة بسبب غياب الولاء وانعدام الوطنية وفقدان الإيمان بالذات وتحقيق العزة والكرامة .. ولو رجعنا إلي الأزمنة الماضية نجد ان فكرة اقدام الرياضيين أو ارغامهم حتى على الدفاع عن راية غير رايتهم الوطنية الاصلية لم يكن في وقت من الاوقات قابلا للتصور .. فذاك نوع من الخيانة العظمى . لكن الدول العظمى، التي تصنع التاريخ والنجوم والاعلام ومعظم مواد الاستهلاك، هي نفسها التي تصنع القوانين الدولية، رياضية وغير رياضية، لذلك بادرت القوى الاستعمارية، منذ عشرينات القرن العشرين، بتجنيس أكبر المهارات التي اكتشفتها في البلدان الخاضعة لسلطتها . ونجد أن معظم المجنسين في مختلف الألعاب يعدون الدعامة الأساسية لدولهم الجديدة ، فزيدان قائد دفة المنتخب الفرنسي والذي بغيره يتعرض الفريق للطوفان مثلما حدث في مونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002 حيث أثرت الإصابة علي اللاعب ولم يشارك في الافتتاح التي خسرته فرنسا أمام المنتخب الافريقي السنغال ، كما أثرت الإصابة علي زيدان في باقي مباريات الدور الأول حيث لعب وهو مصاب وخرجت فرنسا حاملة اللقب من الدور .. وكان لزيدان الفضل الاول والأخيرة في حصول فرنسا علي كأس العالم للمرة الأولي في تاريخها عام 1998 بعدما احرز هدفي التقدم علي البرازيلي في المباراة النهائية قبل ان يعزز بوتي الفوز بثالث في نهاية المباراة ، وبطولة أوروبا عام 2000 والمركز الثاني فى مونديال 2006 في ألمانيا .ويعتبر اللاعب المغربي عبداللطيف بنعزي كابتن المنتخب الفرنسي للرجبي احد أبرز اللاعبين الفرنسيين في تاريخ اللعبة حاليا ، كما انه يعد المحرك الاساسي للفريق . والعداء الجزائري المهدي باعلا اصبح حاليا نجم منتخب فرنسا لألعاب القوي وأمل فرنسا في بطولات العالم والدورات الأولمبية لحصد العديد من الميداليات الذهبية .كما يعد اندرسون لويس دي سوزا الملقب بـ«ديكو» البرازيلي الاصل البرتغالي الجنسية احد اهم واشهر لاعبي كرة القدم في الملاعب البرتغالية حاليا ، خصوصا بعدما قاد فريق بورتو لإحراز بطولتي الدوري والكأس ومسابقة كأس الاتحاد الأوروبي .. ونظرا لمهارته العالية قام المدير الفني للمنتخب البرتغالي بضمه إلي صفوف المنتخب استعدادا لبطولة اوروبا التي تستضيفها البلاد العام المقبل .ونسيم حميد اليمني الاصل البريطاني الجنسية الملاكم الأسطورة حامل لقب المنظمة العالمية للملاكمة في وزن الريشة والذي اعتزل مؤخرا ، يعد هو الاخر احد علامات رياضة الملاكمة في العالم بعدما حصد العديد من البطولات العالمية تحت راية الإنجليز وبذلك فان ظاهرة تجنيس العدائين المغاربيين التي ظهرت علي الساحة في الآونة الأخيرة ، ليست وليدة اليوم .. ففي خزانة الالقاب الدولية لدى فرنسا هناك ذهبية الجزائري الوافي بوغرا في أولمبياد أمستردام 1928، وهناك ذهبية وثلاث فضيات أولمبية فاز بها الجزائري علي ميمون عكاشة، الذي جنسه المستعمرون ومسحوه وسموه آلان ميمون . بل ان المنتخب الفرنسي للعدو اريفي (اختراق الضاحية)، من 1923وحتى منتصف الخمسينات، كان مشكلا بالكامل من جزائريين ومغاربة. غير ان عملية التجنيس، التي توقفت بشكلها الاجباري عقب استقلال دول المغرب العربي، لم تفتأ ان ظهرت بشكلها الاختياري الذي استغل معه عديد من العدائين فرصة وجودهم في بلاد غربية للمشاركة في تظاهرة دولية، فاختفوا عن الانظار الى حين مغادرة الوفود الرسمية لبلدانهم، ليصبحوا في وضعية غير قانونية، سرعان ما تتم قوننتها بفضل التجنيس. بل وهناك عداؤون لم ينعموا بفرصة موافقة منتخب وطني او مدرسي او جامعي، فتسللوا من منفذ الهجرة السرية على متن «قوارب الموت» عبر مضيق جبل طارق، في رحلة محفوفة بالمخاطر.فعدد العدائين المغاربة المجنسين، تقدره احدى الصحف المغربية بأكثر من 120 عداء وعداءة في 15 دولة، من بينها اسرائيل. من الولايات المتحدة الأمريكية الى استراليا وعبر معظم بلدان أوروبا الغربية، وبعض دول الخليج العربي، يوجد اليوم عداؤون من المغرب والجزائر بصفة خاصة، يحملون جنسيات بلدان المهجر الرياضي .ويشار هنا الى ان الكروج نفسه، كان في يوم من الايام على وشك حمل الجنسية الأمريكية . ويتذكر انه فاتح والدته في الامر فقالت له «اذا كنت تقصد أمريكا للدراسة فلا بأس، واذا كنت تسعى لحمل جنسية اخرى غير جنسيتك الاصلية، فعليك ان تبحث لك عن أم اخرى». فكان هذا الحوار البسيط كافيا لابن الثامنة عشرة آنذاك ان يعدل عن فكرة التجنيس .والخلاصة، بالنسبة للمسؤولين المغاربة، ان العداء الذي لا يجد له موقعا في المنتخب المغربي او الجزائري، يلجأ الى المنتخب الفرنسي، الذي يعتبر اليوم مزيجا من المغاربة والجزائريين والسنغاليين والسيراليونيين وغيرهم... ـيعتبر العداء خالد الخنوشي من أبرز المتجنسين المغاربة. لم يسمع به الرأي العام الرياضي في بلاده إلى بوصفه " العداء الأمريكي الذي حطم الرقم القياسي العالمي للماراثون ، كان ذلك في شيكاغو عام 1999. ساعتان وخمس دقائق و42 ثانية، كانت كافية لتعزيز "أمركة" هذا الشاب المغربي. اما المهتمون من أسرة العاب القوى المغربية فكانوا يعرفون الخنوشي عداء متوسطا. شارك مرة ضمن المنتخب الجامعي المغربي في بطولة جرت في أمريكا، فتعمد التخلف عن الوفد، كما فعل كثيرون غيره، ولم يعد حتى اصبح أمريكيا من حملة الارقام القياسية العالمية .ـ العداء محمد مغيب، بطل العالم في العدو الريفي وصاحب عدة ارقام قياسية أوروبية، بدأ مسيرته في مدينة خريبكة المعدنية (شرق الدار البيضاء). وخلال مجموعة من المشاركات مع المنتخب المغربي الأول لم يحقق شيئا يذكر، حتى ان وفرة العدائين المنافسين لم تترك له مكانا في المنتخب المغربي. وجاءته فرصة للتجنيس فأصبح بطل بلجيكا وأوروبا في المسافات الطويلة، وان بأرقام لا تصل الى مستوى العدائين المغاربة.وفي الملتقيات الدولية ظل يكتفي بربح السباقات التي لا يشارك فيها نخبة المغاربة والكينيين، لكن محمد مغيث فاجأهم جميعا وانتزع الميدالية الذهبية في بطولة العالم للعدو الريفي في مراكش، ليصدح النشيد الوطني البلجيكي، في سباق حل فيه أول المغاربة في المركز السادس.ـ رقية مراوي، بعد مشاركات متوسطة في المنتخب المغربي، توصلت بعروض اغرتها بالتجنيس حيث تألقت فرنسيا، وان لم تحقق انجازا دوليا يذكر.ـ اديس المعزوزي واسماعيل الصغير، هاجرا صغيرين الى فرنسا مع أسرتيهما. وجيء بهما الى المنتخب المغربي، حيث كانت لكل منهما مشاركات طيبة، لكن الاغراءات الفرنسية جذبتهما للجنسية الفرنسية حيث تتوفر لهما فرص اكثر لتسيد الساحة الأوروبية، المعروفة بتواضع مستواها في المسافات المتوسطة والطويلة. بين الرفض والقبول لا يستسيغ الرأي العام الرياضي، في بلدان المنطقة، ان يقوم مغاربي بحمل راية اجنبية في المحافل الدولية، ولا يرفع راية بلده الاصلي، حيث نشأ وتلقى تكوينه الرياضي. لكن خبراء العاب القوى المغربية يرون الامر عاديا ، عداء يحقق توقيت «المينيما» لكنه يحتل المركز السابع على المستوى الوطني، وليس له حظ في المشاركة الدولية مع منتخب بلاده، بينما الفرص سانحة امامه للاختيار بين ان يصبح بجرة قلم، فرنسيا او اسبانيا او انجليزيا او أميركيا او استراليا او.. ما يشاء من البلدان التي تدفع اكثر.ولا يخفي هؤلاء ان منطلق الواقع يخالف منطق الاخلاق، لكنهم يؤكدون ان اهون انواع التجنيس، التي يمكن ان يتعرض لها بلد من البلدان النامية، هو هجرة الرياضيين ، ويعللون قولهم أن الدول لا تصرف في تكوين عداء دولي مقدار واحد من ألف مما تصرفه على اعداد طبيب أو مهندس أو... وفيما تخلف هجرة الأدمغة فراغا مهولا في بلدانها الاصلية، فان كل ما يفعله العداء المتجنس هو افساح المجال لسواه.ففي بطولة العالم لألعاب القوى لا يسمح للبلد الواحد بأكثر من ثلاثة مشاركين في التخصص الواحد، ومن السهولة بمكان ان يتوفر البلد على اكثر من عشرة عدائين مؤهلين، كما حصل للمغرب خلال المواسم الماضية، وكما حصل لكينيا منذ عقدين. فالدانماركي الأسود، ويلسون كيبكتر، لم يحمل جنسية هذا البلد الاسكندنافي لزرق عيون أهله، وانما لأن المنتخب الكيني كان يعج بالنجوم الذين يتنافسون في تصفيات محلية للحصول على موقع قدم في منتخب بلدهم. وعندما فقد كيبكيتر الامل في دخول المنتخب الكيني، استجاب لاغراء دانماركي يؤهله ليكون نجم بلده الجديد .وأعلن المدرب المغربي عبد القادر قادة أن اعداد المغاربة الذين يهاجرون الى كندا، وصل إلي معدل لا يقل عن عشرين ألفاً، معظمهم من الأطر (الكوادر)،وخصوصاً منهم الأطباء والمهندسون الذين تصرف عليهم اضعاف ما تصرفه على العدائين. على نفس الوتر يؤكد عزيز داودا، المدير الفني المغربي، مسجلا ان 900 ألف شخص يغادرون العالم العربي كل عام، بينهم دكاترة وعلماء وأطباء ومهندسون في مختلف التخصصات. وتعد دولة قطر احد أبرز الدول العربية التي تستقطب النجوم الرياضيين في الفترة الأخيرة خصوصا بعدما أصبح منتخبها للأثقال والقوي يعج بأكثر من لاعب اجنبي مجنس سواء من الدول الأوروبية او من القارة الافريقية السمراء وكان الكيني السابق ستيفن تشيرونو أو القطري الحالي سيف سعيد شاهين هو اخر المجنسين المصريون .. بين إغراء المال والانتماء للوطن وعلي الصعيد العربي ، فقد أثرت هذه الظاهرة بالسلب على بعض اللاعبين العرب خصوصا المصريين فنجد حارس مرمى فريق ارسنال الإنجليزي رامي شعبان المولود في السويد من أب مصري وأم فنلندية والذي لعب حارسا للمرة الأولي عندما بلغ الخامسة عشرة في صفوف نادي اتحاد عثمان المصري ثم درس التجارة في جامعة القاهرة ثم انتقل من السويد إلي مصر قبل ست سنوات وانضم إلي نادي الزمالك وتدرب مع الفريق الأول لكنه كان احتياطيا ونظرا لكثافة الحراس ترك النادي ولحق بنادي مزارع دينا ، ثم قرر العودة إلي السويد واثبت نفسه فلعب مع فريق ناكا في الدرجة الثانية وأمضي معه موسمين وفي مطلع الموسم الماضي كان ارسنال يبحث عن حارس بعد تخليه عن ريتشارد رايت ثم وقع مع رامي شعبان عقدا ينتهي في يونيو عام 2004، وبعدها لمع اسمه واصبح مطلوب في المنتخبين السويدي والمصري . وكان محمد اليماني نجم منتخب الشباب السابق ولاعب فريق الاتحاد السكندري حاليا قد دخل من قبل تحت ضغوط ناديه البلجيكي الذي احترف فيه مبكرا وقد مارس النادي ضغوطاً كبيرة على اللاعب من اجل حصوله على الجنسية البلجيكية والانضمام للمنتخب البلجيكي لكن اللاعب رفض هذه الخدعة ، ولم يسلم احمد صلاح حسني أيضا من هذه المحاولات وغيرهم من اللاعبين المصريين حيث عرض على المخضرم هاني رمزي فى عصره الذهبي قبل الاعتزال أن يحصل على الجنسية الألمانية عندما كان يلعب لفريق فيردر بريمن لتمثيل المنتخب الألماني لكن اللاعب رفض الفكرة ، في حين رفض عبد الستار صبري خلال فترة احترافه فى البرتغال محاولات بعض المسئولين عن الكرة البرتغالية في الحصول على الجنسية بعد التألق غير العادي مع فريقه السابق بنفيكا . يذكر أن قوانين الاتحاد الدولي للعبة تتيح لأي لاعب حاصل على جنسية جديدة للعب مع منتخب هذه الجنسية بعد عام من عدم اللعب للجنسية الأصلية ، وكان قد تردد في مصر نغمة تطالب بمنح لاعب الإسماعيلي السابق "جون أوتاكا" والنيجيري الأصل الجنسية المصرية واللعب لمنتخب مصر ، وذلك لمنتخب بلاده إلا أن الصحافة المصرية رفضت ذلك . وفي مطلع العام الجديد ظهر لاعب مصري جديد بالصدفة اسمه مراد حكمت سالار في الملاعب التركية فهو من أب تركي وأم مصرية ، وقد أكد انه لعب من قبل لمنتخبي تركيا تحت 17و18 سنة ولكنه لم يلعب للمنتخب الأول وهو يمكنه اللعب في صفوف المنتخب المصري إذا تم استدعاؤه وهو يعتبر ذلك حلم حياته .