عمالة الأطفال.. أحلام خائفة وطفولة مؤجلة
الحديدة / أمل حسن غنيمة:مع شروق الشمس يغادر “حسان” ذو الأعوام التسعة منزله صوب ميناء الاصطياد بمدينة الحديدة، مثقلاً بأحلام صغيرة وقوالب الثلج الكبيرة، يجلس على رصيف الميناء تارة وتارة أخرى يتنقل من مكان إلى آخر ليبيع ثلجه للصيادين.وفاة والده، وغرق اثنين من إخوته في رحلة صيد قبل عامين ، والظروف المعيشية الصعبة لأسرة مكونة من خمسة أفراد هو عائلها الآن ؛ عوامل اضطرته لترك مقاعد الدراسة وتناسى لحظات متعته باللعب مع أقرانه و”شقاوة” الطفولة ليتوجه إلى ميناء الاصطياد لتأمين ما يسد به رمق من يعيلهم.يحصل حسان على مبلغ يتراوح بين 300 ـ 400 ريال يومياً كدخل من بيع الثلج على الرغم من الجهد الذي يبذله في حمل القوالب الثلجية الثقيلة وتكسيرها ، تراه يلهث من شدة الحرارة والحِمْل الثقيل وهو يتنقل مسرعاً من مكان إلى آخر خوفاً من ذوبان الثلج وتبخر حلمه بمضاعفة ربحه والعودة بما يكفي لتوفير وجبة الغداء . حلم العودة إلى الدراسة يراود حسان بين الفينة و الأخرى لكن الخوف يؤجله.حسان، ونائف، وإبراهيم وغيرهم العشرات من الأطفال تكتظ بهم ساحة الحراج ورصيف الميناء سعياً وراء أحلام لا تتجاوز عمرهم القصيرة في توفير لقمة العيش ومساعدة أسرهم على تحسين دخلها منهم من يبيع الثلج، ومنهم من ينقل الأسماك من القوارب إلى الميناء، وآخرون يعملون في تقشير الأسماك وتنظيفها، وبعضهم ممن استطاع هزيمة خوفه يخوض عباب البحر في رحلات صيد محفوفة بالمخاطر قد لا يعود منها. أطفال لا يعرفون عن اتفاقيات حقوق الطفل ومنظمة العمل الدولية ولائحة الأعمال المحظورة على الأطفال التي وافقت عليها اليمن التي تكفل لهم الحماية والرعاية وتوجب على الدولة تهيئة بيئة صحية لتنشئتهم تنشئة سليمة تحترم الحرية والكرامة الإنسانية والقيم الإسلامية والاجتماعية.كما لا يعرفون أن قانون العمل اليمني لا يسمح للأطفال بالعمل إلا في حدود مهن محددة وفي أعمار معينة حددها بـ 18 عاما للأعمال الخطرة و13 عاما للأعمال الخفيفة بشرط ألا تشغلهم عن الدراسة.. ولا يعرفون حق المراقبة الدائمة (التفتيش) لصاحب العمل من قبل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل للتأكد من التزامه بتشغيل الأطفال وفقا لساعات العمل المحددة بالقانون وحسن معاملته لهم وعدم إيذائهم بدنيا ونفسيا.مديرة وحدة مكافحة عمل الأطفال بوزارة الشئون الاجتماعية قالت إن الوزارة تستعد لإجراء مسح شامل للأطفال العاملين من عمر 5 ـ 18 عاماً في عموم محافظات الجمهورية خلال شهر نوفمبر القادم.وعن نسبة التنفيذ في الخطة الوطنية لمكافحة عمالة الأطفال للفترة من 2008 - 2012م أوضحت أنه بدأ هذا العام تنفيذ جزء من الخطة بسبب تعثر التمويل.وأشارت إلى أن الخطة تتضمن ثلاثة مكونات رئيسية يركز أولها على البناء المؤسسي لتعزيز وظائف إدارة مكافحة عمالة الأطفال من خلال عقد دورات تدريبية تستهدف الجهات ذات العلاقة من الوزارة ومنظمات المجتمع المدني, إلى جانب إجراء الدراسات والمسوحات والبحوث والتركيز على البنية التحتية المركزية والإقليمية.ويهتم المكون الثاني من الخطة بعملية الترويج والتوعية من خلال تكثيف التغطية الإعلامية لبرامج وأنشطة ومشاريع مكافحة عمالة الأطفال والتثقيف والتوعية بالمخاطر الناجمة عن عمالة الأطفال.فيما يركز المكون الثالث على دعم وتعزيز التنمية المجتمعية من خلال توفير قروض ميسرة لأسر الأطفال العاملين وتحسين البيئة المدرسية والمنشآت المدرسية في المناطق التي ترتفع فيها نسبة عمالة الأطفال.آخر الإحصائيات تعود إلى نتائج مسح القوى العاملة الذي أجري عام 1999م واستهدف الأطفال في الفئة العمرية من 10 ـ 13 عاماً بينت أن العاملين من الأطفال في محافظة الحديدة بلغ 20 ألف طفل يعمل معظمهم في صيد وبيع الأسماك من إجمالي 423 ألف طفل على مستوى الجمهورية. وأوضحت نتائج المسح أن الزيادة في عدد الأطفال العاملين تبلغ 3 % سنويا بحسب الوضع الاقتصادي للبلد، فيما يؤكد المراقبون أن هذه النسبة قد ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية للأسر اليمنية وارتفاع معدلات الفقر.جملة أسباب يحددها المراقبون أدت إلى خروج الأطفال إلى سوق العمل منها تدني مستوى الوعي، ومشاكل تعليمية كالتسرب من المدارس والرسوب وعدم فهم المناهج، والعنف المدرسي، وأخرى اجتماعية : كثرة الإنجاب، وتعدد الزوجات، الطلاق، العنف الأسري.. بالإضافة إلى أسباب أخرى يرى المراقبون أنها ساعدت في انتشار عمالة الأطفال مثل الرغبة في الاستقلال المادي لكثير من الأطفال، وانتشار محلات الألعاب الالكترونية، وقلة أو غياب المتنزهات المجانية والحفاظ على الموروث الثقافي لبعض الحرف والمهارات اليدوية. ويترتب على عمالة الأطفال في سن مبكرة مشاكل وآثار صحية واجتماعية ونفسية تدمر مستقبله خاصة في غياب وسائل الحماية في أماكن العمل كإصابات وأمراض مهنية وتسمم حاد وتأثر نمو الطفل البدني والعقلي إضافة إلى السلوكيات التي يكتسبها الطفل العامل نتيجة اختلاطه بفئات وشرائح مختلفة. ويعتبر المراقبون أن التوعية بخطورة عمل الأطفال، وحل مشاكل التعليم والترغيب فيه ،وتكثيف الأنشطة اللاصفية ودعم الأسر الفقيرة بالقروض الصغيرة المدرة للدخل، وتطبيق قوانين حماية الأطفال في سوق العمل، وسد منافذ الهجرة الداخلية ، جميعها إجراءات كفيلة بالحد من تفاقم هذه المشكلة.