نماذج بشرية من القرآن الكريم
لقمان يضرب به المثل في شدة البنية، فيقال: اشد من لقمان العادي اي المنسوب الى عاد ، وقد اسبغ عليه الرواة صفات البطل الاسطوري سواء في قوة بدنه او حدة بصره او ضخامة رأسة وطول قامته اوفي كثرة اكله أما عمره فقد بلغ عند بعض الرواة نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة ونسبوا إليه بناء سد مارب فهو من عرب الجنوب ،ولعله أشهر حكيم من حكماء الامثال عرفه العرب قديماً ومن الامثال التي وردت على لسانه " اترك الشر كما يتركك". يقل أبو هلال العسكري: المثل للقمان بن عاد قاله لابنه ومن امثاله ايضاً : " ورب أخ لك لم تلده امك": وقوله : " آخر الدواء الكيَّ، وقوله : " المبيت على الطوى حتى تنال به كريم المأوى خير من ايتان مالاتهوى" وقوله : "كل مرئٍ في بيته امير" وقيل سأل لقمان العادي ربه ان يرزقه عمر ثلاثة انسر، وقيل سبعة فاجيب دعاؤه، وكان وقتئذ في مكة المكرمة مع وفد من قومة ليستقوا لقومهم في الارض الطاهرة فكان لقمان يأخذ فرخ النسر من وكره فلايزال عنده في مكان امينٍ بالجبل فيعيش الفرخ خمسمائة سنة او اقل او اكثر فاذا مات اخذ الفرخ الآخر مكانه حتى هلكت كلها وكان اخرها الفرخ " البدُ" وكان اطولها عمراً فضربت العرب به المثل: فقالوا : طال على لبد، وقالوا: اكثر من لُبد ، يقول النابغة متمثلاً بلبد:[c1]اضحت خلاءً وأضحى أهلها احتلموااضنى عليها الذي اضنى على لُبد .[/c]ومهما طال عمر الانسان ، فكل آت قريب والموت لامنجاه منه ولامهرب ومن تأملات الشاعر الاعشى في قصة لقمان العادي يقول:[c1]فمُعِّمر حتى خال أن نسورهخلود وهل تبقى النفوس على الدَّهر؟[/c]وجاءت اخبار لقمان في كتب الادب والامثال وعني به كثير من الباحثين قديماً وحديثاً ولكنهم لم يقدموا رأياً جازماً بشأن تلك الصورة الاسطورية للقمان الجاهلي.اما لقمان الحكيم الذي اشاد به القرآن واثنى عليه ربه لصلاحة وحكمته فغير لقمان العادي الجاهلي الذي كانت نشأته في جنوب الجزيرة ووعته ذاكرة وتاريخ الآداب العربية، ولقد اضطربت الاقوال في تحديد نسب لقمان الحكيم الذي حكى القرآن الكريم حكمته وأمثاله كما اختلفوا في تحديد موطنه والظاهر من اقوال الصحابة والتابعين كابن عباس وجابر بن عبدالله وسعيد بن المسيب ومجاهد وغيرهم انه كان من السودان وكان صاحب حرفة ومن ثم نسبته بعض الروايات الى الحبشة وبعضها الى النوبة ، ويقول ابن قتيبة: " ان لقمان الحكيم كان في زمن داود النبي عليه السلام، ولم يكن في قول اكثر الناس وفي رواية انه عاش الف سنة وادرك داود النبي عليه السلام واخذ منهه العلم وكان يفتي قبل مبعث داود فلما بُعث داود قطع الفتوى وترك ذلك لنبي الله وجاء عن ابن عباس : انه كان مملوكاً يرعى الغنم وقد رزقه الله العتق. فلقمان الحكيم نموذج بشري ارتقى في مدارج الكمال الانساني بجانبيه الروحي والمادي والعقلي والمعنوي وسلمت نفسه من الذنايا وعلا بفكره وهمته من محقرات الامور، ولقد كان لقمان الحكيم عبداً كثير التفكير حسن اليقين احب الله فاحبه ، فمن عليه بالحكمة ان تحرك تحرك بحكمة فهو عبد رباني يتحرى الصواب في منطقه والسدّاد في افعاله ويخضع جوارحه لأمر مولاه عز وجل وقد جمع بين العلم والعمل بين صحة العقيدة وصواب الفعل وصدق اللسان .ومما يؤثر من وصاياه الحكيم: إن كنت في الصلاة فاحفظ قلبك وإن كنت في الطعام فاحفظ حلقك وإن كنت في بيت الغير فاحفظ عينيك وان كنت بين الناس فاخفظ لسانك واذكر اثنين وانس اثنين ، اما اللذان تذكرهما: فالله والموت واللذان تنساهما: فاحسانك في حق الغير واساءة الغير في حقك.