اضواء
هالة الدوسريعندما يتحدث أحد البسطاء عن قلة وعي، فيقول إن المرأة تملك قدرات محدودة للتعلم، وأن مكانها هو منزلها لتربية الأولاد، فمن الممكن أن تجد له العذر لمحدودية معرفته بقدرات النساء.ولأن النساء في حياته لا تتاح لهن في العادة فرص لممارسة أي تعليم أو عمل قد يستدعي قضاءها وقتاً بعيداً عن أسرتها، أو يتطلب التزام أحد الرجال من أسرتها بتوصيلها والقيام على شؤونها، وذلك على رغم تزايد عدد العائلات البسيطة التي تدعم فتياتها للتعلم بل وحتى للعمل، وفي أحيان كثيرة بعيداً عن الأسرة للعديد من الأسباب، أهمها بالطبع الأمن المادي الذي تحققه الابنة في الغالب للأسرة بينما يفشل في تحقيقه الابن.ولكن أن يأتيك شخص حاصل على أفضل الدرجات العلمية وأعلاها وأن تنشر مقالاته وآراؤه - من باب الإعجاب والقبول - في المنتديات الطلابية، وأن يفتي بناء على دراسة من جامعة هارفارد، بأن النساء أقل قدرة على تعلم العلوم والرياضيات من الرجال، وأن قدرات المرأة المحدودة لا تؤهلها لممارسة التعلم أو العمل، فتلك - حقيقة - مصيبة عظمى، ليس فقط لأننا نوافق الغرب عندما يوافق هوانا، ونعاديه عندما يخالفنا مهما كان غير منطقي، بل لأنني كامرأة في مجتمع قام بداية بتسخير كل أفراده لرعاية الرجل، أولاً اعتقدت دوماً أن العدالة تجاه النساء ستبدأ حتماً بإنشاء أجيال متعلمة من الرجال، تعطي المرأة حقوقها التي تجعل منها كائناً كريماً واعياً مشاركاً ومستقلاً في مجتمعه بحسب قدرتها وإسهامها، لا أن تحرم حقاً مقابل واجب!فهناك دوما الربط في الأذهان بين عمل المرأة أيا كانت طبيعته وبين فساد الأبناء وإهمالهم، والحقيقة أن عمل المرأة في ازدياد، على رغم اعتراضات كثير منالرجال لدينا، فليس عمل المرأة من باب الترف - حقيقة - وإن كان يحقق كأي عمل كريم نمط حياة أفضل للمرأة وأسرتها، والوصاية التي يمارسها الرجال لدينا على النساء تثير علامات التعجب، وكأن حياة النساء وحقوقهن وواجباتهن لا يملك حق البت فيها سوى الرجال!أود أن أوضح أن اختيارات النساء لدينا للبحث عن العمل أصبحت ضرورة، فحاجات النساء لذمة مالية منفصلة عن الولي، الذي قد يكون غائباً أو مقصراً أو- ببساطة - عاجزاً ليست رفاهية، وإنما حق وتتويج لمجهودها في العمل، وسد لحاجة ما في بلادها سيشغلها بالضرورة شخص ما... فلِم لا تعمل هي فيها؟.وأتساءل: إذا كان حق التكسب الكريم مقصوراً على الرجل لدينا، فهل يضمن الرجل نظاماً اجتماعياً ميسراً يتم فيه تكريم المرأة مادياً، وسد حاجاتها في حال تقصير الولي؟... إذا كان مثل ذلك النظام موجوداً فسيجد كثير من النساء يتنازلن بكل طواعية عن وظائفهن... وقد يخطئ من يضع السبب في انحراف الأبناء على عمل المرأة، وأتساءل أيضاً: إن كانت هناك دراسة ما عن أوضاع أمهات الشبان والفتيات نزيلات دور الرعاية والسجون - لمن لا يعلم الخلفية الاجتماعية الشائعة بين النزلاء - هل سنجدهن من الأمهات المتعلمات والعاملات، أم الأمهات البسيطات والجاهلات؟نحن الآن في عصر مختلف أصبح فيه تعليم البنات واقعاً لحمايتهن أولاً، وعملهن ضرورة لمواجهة متطلبات الحياة، والدعوات لحماية الأسر ينبغي أن تتوجه نحو تحسين بيئة عمل المرأة ودعمها لتتماشى مع متطلباتها الأسرية، بدعوة المؤسسات التي تقوم بتشغيل النساء لمنحهن ساعات عمل أقل وتوفير حضانات في أماكن العمل لرعاية أطفالهن، وغير ذلك مما يدعم حق المرأة في العمل والكسب ويعينها على رعاية أطفالها، على الجميع أن يدرك أن المرأة إلى جانب كونها أماً فهي أيضاً إنسانة عليها واجب تجاه نفسها أولاً، وأن المرأة القادرة على العناية بنفسها أفضل من المرأة الضعيفة المتكلة على شخص ما لحمايتها، في الوقت الذي تستطيع فيه الاعتماد على نفسها، وأن الجمع بين واجباتها تجاه نفسها وتجاه أسرتها ليس أمراً مستحيلاً إذا ما تعاون معها الزوج والمجتمع.الكتّاب لدينا كثيراً ما يلجأون إلى التنظير والابتعاد عن الواقع في شؤون المرأة، وحقيقة أعذرهم نظراً لابتعادهم عن عالم النساء، وأدعوهم - وبالأخص حملة الشهادات العلمية - إلى توخي الدقة وتبني المنهج العلمي الذي تدربوا على الأخذ به في بحث أوضاع النساء، واقتراح الحلول الأنسب للمجتمع، فلا يناسبنا أبداً في هذا العصر، وفي مقابل كل خطوة بسيطة لتقدم النساء أن نعود عشراً إلى الوراء، بأن نمنع النساء في بلادنا من التعلم، أو نسِخر كل إمكانات النساء وإعدادهن للزواج كهدف وحيد، على رغم أهميته، إلا أنه جانب واحد من جوانب الحياة، وقد لا يتحقق لسبب أو لآخر في حياة العديد منهن، أو قد يصبح عائقاً لهن.وكل ما نريده نحن النساء أن يضع الرجال حاجاتنا كنساء محط اعتبارهم، كما يضعون دائماً في اعتبارهم حاجات الأسرة والرجل، وأن يعملوا للارتقاء بمجتمعاتهم بعد أن نالوا من العلم الكثير، وألا تصبح الصورة عن المرأة العاملة هي صورة المرأة الغربية التي كافحت عقوداً لتنال حقوقها، ولا تزال تكافح... بينما نستطيع هنا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فنحقق المعادلة التي تضمن للنساء الأمن الشخصي والمادي والأسري من دون أن نضطر لخوض الحروب النسائية في الغرب نفسها![c1]* عن صحيفة / «الحياة» اللندنية .[/c]نقلاً عن / «عكاض» السعودية