قصة قصيرة :
عبد الجبار ثابت الشهابيأنفاسهما تكاد تختنق . . والطرق ثعابين ملتفة على أكتاف الجبل الممتد قبالة شاطئ البحر كأنها المتاهة . . ومع أنهما قد قطعا مسافة شاسعة جرياً على الأقدام ؛ إلا أنهما ما زالا يشعران بأن ثمة قوى جبارة تتابع خطواتهما . . تريد أن تبتلعهما . . تفتك بهما . . وحتى الآن يشعران أنهما لم يتوفقا إلى مكان يمكن أن يتواريا فيه لاسترداد الأنفاس ،وأكل الطعام والشراب ، ومضغ القات الذي كانا قد اشترياه قبل تنفيذ المهمة التي سعيا لتنفيذها خلال أيام ، ولم ينجحا فيها سوى ظهيرة هذا اليوم . ـ أيش الذي كلفنا نعمل هذه الجريمة ؟ ! قال صالح ،وأنفاسه تكاد تنقطع .ـ أيش نسيت أن الملعون ابن الملعون بسط على العبار حقنا ، وشل الشجري اللي عند الحمرة ؟ !قال مسعد ؛وقد جحظت عيناه ، وتطاير لعابه في الهواء مع أنفاسه المضطربة .ـ العبار أنت تعرف إنه حق جده ، والشجرة اللي تسميها شجرة هي مجرد مضاضة لا جاءت ولا راحت . . وتعرف إننا معتدين . . وعاد نحنا قتلناه !ـ من فين لأبوه حق ؟ ! باقيت حداد ببقشتين ! ! يستأهل الموت ! !ـ أنت شيطان مضل !ـ ومن ضربك على يدك يا أسد ؟ ! وبعدين ما تلاحظش إنك تتكلم مع أخوك اللي يحبك . . وإنني أدافع على حقي وحقك ؟ !ـ بس أنا خائف . . مع أنه ما فيش أحد شافنا . . أنا خائف !ـ حتى أنا خائف بس أيش نعمل ؟ـ طيب وليش نحنا خائفين ؟ـ تصدق لا أدري !ـ هيا اسرع !ـ ليش ؟ ـ شنختبي بهذا الحيد ـ أصلاً ما حد شافنا ! ولا أحد يشوفنا الآنـ إلا . . أشعر بأن أحداً قد شافنا . .ما أدري . . ما أقول لك إلا خيرـ هية . . نحنا الآن في الوسط . . اجلس خليك الخوف !جلسا برهة حتى هدأت أنفاسهما . . ثم فرشا الطعام . . عيونهما تتحرك في كل اتجاه . . جسداهما لم يكفا عن الحركات اللاإرادية . . ومع أنهما فيما يبدو في مأمن؛ إلا أنهما يشعران كأن شيئاً ما يمكن أن يهاجمهما فجأة . . كأن ضحيتهما قد عاد إلى الحياة مجدداً وحمل رشاشه ، وهو الآن يجري في إثرهما في الجبال . ـ ليش نحنا خائفين ؟ !قال صالح لمسعد الذي اكتفى بتقليب يده ، وهو يسمع سؤال أخيه المكرر الوجيه . . اتجها معاً إلى الطعام . . ثم بدأ الاثنان في مضغ القات . ـ خزن وخليها على الله !قال مسعد وهو يتلفت يمنة ويسرة. .ـ على الله . . على الله ! !وفجأة حملق مسعد في الأفق . . قفز من مكانه . . اتجه نحو بوابة الكهف . . عيناه كأنهما الجمر في موقده . .التقط سلاحه . . سدده إلى الأمام . ـ مالك يامسعد ! أعوذ بالله من الشيطان ! ! اجلس !ـ مااقدرش!ـ إيش في ؟ ! ـ لا أدري ! !ـ مليه اجلس ! !ـ لا أستطيع . . لا أستطيع !ـ طيب هية نخرج ! ـ لا . . لا !ازدادت حالة مسعد سوءاً . . حدق صالح في أخيه . . أمعن النظر . . ارتعدت فرائصه . . اقشعر جلده . . ما عادا قادرين على الخروج ، ولا البقاء في الكهف . . ومع أن نسمات المطر بدأت تهب من بعيد إلا أنهما كانا وهما قائمان على أطراف الأقدام يتفصدان عرقاً . . وفجأة ضرب انفجار مدوٍ القمة المجاورة . . الانفجار يلتف بلهبه على بوابة الكهف . .وبعدها سكن الصمت الزمان والمكان . . لم يبق في الكهف سوى أصداء استغاثات متناهية ، وروائح أجساد محترقة ، وأشلاء.. .