عندما أتابع بعض المشايخ والدعاة والوعاظ الذي يظهرون في القنوات الفضائية المنتشرة في سماء عالمنا العربي وهم يتحدثون عن الإرهاب والإرهابيين والتفجيريين فإني أجد أن لغتهم أقل حدّة مما يجب أن تكون عليه، بل إنها تصل إلى حد الميوعة في بعض الأحيان. وهناك من وصل به الأمر في مخاطبته للإرهابيين بقوله “يا إخوتنا نحن نشكر لكم غيرتكم الدينية لكنكم مخطئون»!هذه إشكالية كبيرة سبق لكثير من الكتاب أن تحدثوا عنها بشكل جيد،لكني رأيت إعادة فتح ملفها لأن الإشكالية ما زالت قائمة وما زلنا ننتظر أن يتم إيجاد حل جذري لها مرة واحدة وللأبد.لا بد من أن تسمى الأشياء بمسمياتها الحقيقية، حقيقتها اللغوية والشرعية والقانونية فعندما يقوم شخص بممارسة القتل والتفجير وترويع الآمنين فهذا اسمه (مجرم) وليس شاباً متحمساً نشكر له غيرته الدينية! كان هناك تعاطف خطير في بعض الأوساط المتدينة يظهر في بعض عبارات وأحاديث من يفترض أن يقوم بواجب توضيح خطر هؤلاء الناس على المجتمع ويحذر من هذا الشر المتربص بنا. صحيح أن هذا التعاطف خف كثيراً في الفترة الأخيرة وبعد أن زادت رقعة الوعي في وسط الشارع السعودي وترسخ لدى المواطن الإدراك العميق أن هؤلاء المجرمين لا يحق لهم الاختفاء وراء الدين أكثر مما اختفوا وما عادت حيلهم ولا شعاراتهم تنطلي على أحد يحب وطنه وأهله وأطفاله.لكن دعونا نرجع إلى عبارات التعاطف التي تخرج على الألسنة بين الفينة والأخرى، بل وصل الأمر في الآونة الأخيرة بعد عفو الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله عن فتاة القطيف إلى ظهور أصوات تطالب بالعفو عن الإرهابيين المدانين وإطلاق سراحهم. هناك إشكالية عميقة متجذرة في النفوس لا بد من تحليلها تحليلاً دقيقاً ومن ثم علاجها. المتعاطف مع الإرهابي سبب تعاطفه هو شعوره بنوع من القرب الخادع في بعض الأحيان وأن المرجعية الشرعية واحدة، ويبدو أن بعضهم، حقاً لا يرى فرقاً سوى أن هؤلاء اجتهدوا فأخطأوا.اللجوء للتبريرات المتلمسة في أعماق الشريعة مثل الاعتذار بأن المجتهد المصيب له أجران والمجتهد المخطئ له أجر واحد لا تنفع ولا تبرر هنا، لأن هذا بين الإنسان وربه والله وحده هو الذي يعفو أو لا يعفو في يوم الحساب، أما فيما يتعلق بعلاقة الإنسان بمجتمعه فالأمر يختلف كثيراً فعندما يقع من الفرد خطأ كبير ينعكس على كل المجتمع ويلحق الضرر بأطراف أخرى، في قضية الإرهاب فالأطراف التي لحقها الضرر هي المجتمع كله، في مثل هذه الحالة ولكي نخرج من هذه الإشكالية فنحن بحاجة لترسيخ فلسفة القانون والعدالة في أوساطنا الثقافية والأوساط الدينية بشكل مكثف. من ارتكب جريمة القتل هو مجرم يجب أن يعاقب ومن سجن لارتكابه جريمة الإرهاب فيجب أن يبقى هناك حتى يثبت بالدليل القاطع أنه قد تم استصلاحه وتمت معرفته بجرمه وقبح الجريمة وضررها على المجتمع. ردع الجريمة ومنع انتشارها لا يكون بالتعاطف مع مرتكبها وإحسان الظن به ومحاولة تبرير تصرفاته، الردع الذي يمنع انتشار الفكر المتطرف والتأكد أنه لا أحد سيسلك هذا الطريق مرة أخرى لا يكون بهذه الطريقة فشعور المجتمع بالأمن هو مطلب في غاية الأهمية تسقط دونه أية اعتبارات أخرى كالعاطفة الساذجة، والوطن ما زال في معركة مع الإرهاب الذي يهدده في كل لحظة، إذن هي مسألة بقاء أو فناء، حياة أو موت، وهنا لا يحق لأحد أن يكون له موقف سوى الوقوف مع الوطن وبقائه وإلا فهو خائن له، لا مكان هنا لأنصاف المواقف ولا أنصاف الحلول ولا خيار ولا انتماء إلا للوطن وعندما نتحدث عن الوطن فالمقصود هو المملكة العربية السعودية وليس العالم الإسلامي فبرغم انتمائنا للعالمين العربي والإسلامي إلا أن مفهوم الكيان السياسي تغير عما كان في تاريخ الإسلام الأول وما يوجد في كتب الفقه التراثية في تعريف مفهوم الدولة والأمة. هذا ما يجب أن يعيه شبابنا فلا يغتروا بالدعاوى العريضة التي يطلقها منظرو (القاعدة) الذين يهمهم إدخال روح التفكك والتشرذم بيننا وهذا ما يجب أن نقف جميعاً للتأكيد على عدم وقوعه ورد كيد الكائد في نحره.[c1]* عن / جريدة “الوطن” السعودية[/c]
قل هذا مجرم
أخبار متعلقة