قراءة في كتاب
[c1]* السلطان صرح بأنه يرغب في أن تخطو لحج نحو نظام ديمقراطي[/c]عرض / نجمي عبدالمجيدصدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1952م عن دار فتاة الجزيرة في عدن، وهذه الطبعة الثانية في مجلد يضم الأعمال المختارة لمؤلفات الأستاذ والرائد محمد علي لقمان التي اشرف عليها جمعاً وإعداداً ودراسة الدكتور احمد علي الهمداني، صادر عام 2005م.وبالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على صدور هذا الكتاب، فهو يظل من المراجع التي تقدم لنا المعلومة والقراءة لمرحلة زمنية من تاريخ لحج مازالت مسألة الكتابة تعد من الإدراكات الفكرية لتحديد هوية زمن الأحداث ونتائجها في هذه المنطقة من جزيرة العرب.ونحن هنا نقف أمام بعض مما جاء في الكتاب، والرؤية التي انطلق من خلالها الكاتب في الكتابة عن الدستور اللحجي، وهذا الجانب من فكر محمد علي لقمان هو الامتداد الموضوعي الذي سار عليه هذا الرائد في كل أعماله الصحفية والسياسية والاجتماعية ومؤلفاته، وهو بكل هذا كان يهدف إلى جعل بلاده دولة عصرية من أوليات دعائمها المعرفة في الاتجاه نحو الهدف الصحيح.[c1]مهاد تاريخي[/c]عن قصة الدستور اللحجي يقول الأستاذ محمد علي لقمان: (هذه قصة الدستوراللحجي).والقصة تتناول فترة قلقة في حياة شعب، ففي خمس سنوات، هي عهد سلطنة فضل عبدالكريم في لحج جرت حوادث كان فيها الشعب طرفاً، وكان اشتراك الشعب أول حادث من نوعه في تاريخ شعوب جنوب الجزيرة.ولا نشك أبداً في أن فضل عبدالكريم أول سلطان في جنوب الجزيرة، قبل منح الشعب دستوراً يسير على ضوئه، وبقبوله هذا الأمر سجل فضل عبدالكريم لنفسه اسماً خالداً في جنوب الجزيرة، حيث ألف الشعب المكدود وأحداً له السيطرة والجاده، ومن أملاكه الشخصية نبات الأرض وحيوانها والساعون عليها.وقد جرت أحداث قيمة بالتسجيل لأهمية لحج في هذا الدور من حياتها.. وكانت صحيفة فتاة الجزيرة على صلة وثيقة بأوثق مصادر الأخبار، والرأي العام في جنوب الجزيرة في حاجة إلى الخبر الصادق الصحيح والرأي العادل الحصيف، فإن هذه البلاد تريد التوجه إلى الخير لتساهم في إنشاء عالم من الخير والجمال.)كانت وفاة السلطان عبدالكريم فضل يوم الاربعاء بتاريخ 18 يونيو 1947م بعد أن قضى 32 عاماً سلطاناً على لحج وكان خلال حكمه أهم سلاطين المحميات، ولحج في ذلك الوقت تعد دولة لها استقلالها ولا رابط بينها وبين الحكومة البريطانية في عدن غير معاهدة ولاء وصداقة، وكانت الحكومة البريطانية قد منحته لقب سر من درجة فارس مرتين.وقد عرف السلطان الراحل عبدالكريم فضل بانه شديد الحزم، قوي في إدارة شؤون البلاد بنفسه، ومن أعماله المسجد الجامع في لحج والذي صرف عليه مالاً كثيراً ومسجد الدولة في الحوطة وعمر الدار الحجر والروضة، كذلك بنى قصر الشكر في عدن وكان ذلك من عام 1918م حتى عام 1924م، وفي هذه الفترة حكمت عدن من قبل المقيم السياسي البريطاني ميجر جنرال جاي. ام ستيوارت من عام 1916م حتى عام 1920م ومن بعده المقيم السياسي البريطاني ميجر جنرال تي.أي. سكوت من عام 1920م حتى عام 1925م، كما اشترى العديد من المنازل في القطيع وعمارة أمام قصر الشكر والمدرسة المحسنية من مال أوقفه عليها أخوه الأمير محسن فضل قبل وفاته.[c1]حياة فضل عبدالكريم[/c]وحول هذا الموضوع جاء في الكتاب: (كان السلطان عبدالكريم قبل وفاته قد أخذ البيعة بولاية العهد لولده فضل، وقد ولد فضل عبدالكريم عام 1901م، ونشأ مدللاً، وكان والده يحبه، وكان عمه احمد فضل أبن علي يعطيه كل ما يريد، وقد حدث مرة في بستان آل الجفري انني كنت مع جماعة من أبناء الأمراء عام 1914م وكنت اصوب بندقية إلى طير على شجرة نارجيل وكان فضل عبدالكريم أمامي، فجاء المرحوم احمد مهدي وخطف البندقية من يدي، وانطلقت الرصاصة وسلم منها الأمير فضل عبدالكريم فأصابت بقرة ذهب صاحبها يطالب بثمنها عند السلطان علي بن احمد بن علي سلطان لحج آنذاك .. وناداني السلطان فقلت له كيف حدث الأمر. وكان طيب القلب فدفع الثمن وصرف الراعي.وضحك فضل عبدالكريم كيف افتدته البقرة، وقد كان قليل الاختلاط بأبناء عمه، وكان يشعر بمستقبله في الإمارة فيتمرد مراراً على أبيه الذي طالما حاول إصلاح عناده حتى لقد سجنه في القصر، ولما شب عن الطوق انصرف إلى القات والشراب، وكان يقضي أكثر أيامه بعيداً عن مجالس أبيه الذي اكتفى بقرب ولده علي وأحال إليه أكثر أمور الدولة، وانتقل فضل إلى قصره في العرائس.وفضل عبدالكريم ذكي وله إلمام بالموسيقى وله بها ولع، وقد ورث تركة عمه احمد فضل ومخلفات أمه ونصف ما خلف والده من أطيان وبيوت، أما النقد ويقدر بأربعة ملايين ربية فلم يأخذ منها شيئاً وتركها لأخيه علي.[c1]انتخاب فضل عبدالكريم سلطاناً[/c]بعد وفاة السلطان عبدالكريم اجتمع الأمراء ورؤساء العشائر والعقال والسادة في الحوطة بعد اختلاف وافتراق، واجمعوا على سلطنة فضل عبدالكريم بشروط ستة رددتها الصحف كثيراً، أهمها أن يكون للحج مجلس تشريعي وآخر تنفيذي، وأن يحكم السلطان، ولكن ليس له أن يتصرف في مرافق البلاد وأهلها وليس له أن يختار ولي عهده، وقد صرف فضل عبدالكريم مبالغ طائلة لإرضاء كثير من الأمراء ورؤساء القبائل لينتخبوه سلطاناً.. وكانت هذه أول مرة يقبل السلطان أن يحكم ولا يتصرف، فقد كان النظام الإقطاعي في لحج سائداً كما كان، وكما لا يزال في جنوب الجزيرة أو في أكثر أجزائها، وبعد شهر من سلطنة فضل عبدالكريم كتب إليه أعضاء نادي الشعب اللحجي يحتجون على عدم استشارة الناس في أمر اختيار ممثليهم في المجلس الاستشاري في الحوطة وطلبوا تعيين الأمير علي نائباً.)[c1]السلطان والدستور[/c]في ذلك الزمان كان السلطان في لحج هو مصدر كل السلطات ويحكم بشروط لا ينازعه عليها أحد.وعندما أعطى السلطان فضل عبدالكريم للحج دستوراً قدر الناس هذا العمل الذي وجدوا فيه المنقد والخاص، وكانت خطوة إلغاء الضمانات على بعض السلع مثل السمك والزيت والتبغ، وهي ما كان يعمل بها في عهدأبيه وأجداده، وقد أخذ الناس في المطالبة بما يخص شؤونهم الوطنية، وقد تكاثر أعضاء نادي الشعب اللحجي حتى بلغ عدد من فيه 500 عضو، والكل يتحدث عن الدستور الذي كان حرية القول والفكر والتمثيل السياسي في المجالس وكانوا يريدون كلمة السلطان: "تنازلت عن الحكم المفرد لمصلحة البلاد ومصلحتكم."وقد استمر نادي الشعب اللحجي بمطالبه بالدستور، أما السلطان فضل عبدالكريم فقد عين لجنة زراعية عملها الإشراف على قضايا الزراعة والري في لحج، كما اقترح أن يمنع اعبار زائدة من سقي الغربة وحصرها في اعبار الواديين الصغير والكبير توفيراً للماء.كذلك تكلم حول رغبته بان تخطو لحج نحو نظام ديمقراطي، وان يكون للحج دستور عادل يجعل الشعب يطالب برفع عدد ممثليه في المجالس ليجاري تقدم الزمن ويسير في قافلة الحضارة، وسافر بعدها إلى أوروبا السلطان فضل عبدالكريم، وعاد بتاريخ 18/2/1948 م.[c1]اثر الحركة الدستورية في المحميات[/c]وعن هذا التدرج في الوعي السياسي والاجتماعي يقول الكاتب: (انتشر الوعي في المحميات بين أفراد من أبنائها الأذكياء فاخذوا يطلبون الإصلاح، ويطالبون بفتح المدارس وتحسين أحوال الرعية ورفع مستوى القرية، وفتحت مدارس في حضرموت، وبدأت إدارة المعارف في المكلا تهتم بالمدرسة الوسطى في غيل باوزير، واقام السلطان صالح بن حسين العوذلي مدرستين في بلاد العواذل عين لها مشرفاً السيد حسين الوزير الشاعر الثائر من احرار اليمن، إذ كان قد قدم من اليمن عدد من أبنائها الأحرار المشردين، فيهم الفقهاء والقضاة والأدباء والشعراء. واشتغلوا في يافع السفلى وبلاد الفضلي وانتفعت هذه البلاد بأدبهم.)[c1]عدن مبعث الحركة الفكرية[/c]في ذلك الحين كانت مصدر كل هذه الحركات السياسية والثقافية في المحميات واليمن وغيرها من البلدان المجاورة. أما الشباب العدني الوعي والمدرك لمثل هذه القضايا فقد كان يشعر بالحرمان من متطلبات الحياة وما هو ميسور للأمم الحرة والتي تتمتع باستقلالها في ظل الديمقراطية، وكان هذا الشباب يطالب بحقوقه المهضومة ويطالب كذلك بالحكم الذاتي بكل ما يملك من قوة.وكانت عدن في تلك السنوات قد أسس فيها المجلس التشريعي والذي كان تاريخ افتتاحه في 6 يناير عام 1947م وكذلك حق الانتخاب لممثليها في سلطة الضواحي وكان سكان عدن يطالبون بهذا الشكل الديمقراطي ولكن عندما نالوه كان ناقصاً وقاطعوه.[c1]إعلان الدستور في لحج[/c]يقول الأستاذ محمد علي لقمان عن هذا الجانب من الموضوع: (كانت فتاة الجزيرة الصحيفة الوحيدة في جنوب الجزيرة العربية، بل في البلاد العربية كلها التي قامت بالبحث عن مطالب أبناء الجنوب العربي، فبعثت مخبريها ومراسليها وسافر محرروها إلى أكثر أقسام اليمن والمحميتين الغربية والشرقية تستقصي رغبات أبناء هذه البلاد في حكم دستوري صالح ونادت بالدستور حلم الملايين، وقامت بحملات عنيفة في سبيل هذا الشعب المظلوم مهضوم الحقوق، فجعلت لليمن دستوراً خنق في مهده لأن شعب الجنوب لا يعرف كيف يحتفظ بحقه في الحياة الحرة، ولأن وسائل العيش الحر لاتزال مجهولة في البوادي حيث الأمية منتشرة والخرافات سائدة والعقيدة بحق الملوك الإلهي طاغية، ولكن الدستور والحياة النيابية آخذت في الاستتباب في بيحان وحضرموت، وقد أفلحت فتاة الجزيرة في جعل السلطان فضل عبدالكريم يشعر بوجوب منح دستور للبلاد العبدلية، وقد فرح الشعب اللحجي بإعلانه في الحوطة وكان ذلك في شهر مارس عام 1952م.استقبلت لحج الدستور بكل فرح وبكل اشتياق، لانها أدركت ان الدستور وحده هو صمام الأمان من كل هذه الدسائس والفتن.)[c1]نصوص الدستور[/c]يقع الدستور في 14 صفحة فولسكاب وقد كتب على غلافه: "في عهد مولانا عظمة السلطان فضل عبدالكريم" مؤرخ 1370هـ ـ 1951م ويشمل الدستور 95 مادة في خمسة أبواب وأربعة فصول.وللدستور مقدمة جاء فيها:"نحن فضل عبدالكريم سلطان لحج برعاية الله تعالى.بناء على وعدنا الأكيد لشعبنا العزيز بوضع نظام دستوري للبلاد نتمشى على مقتضاه، ولما كان وعدنا هذا مبنياً على إيماننا العميق بحقوق الشعب وضرورة مشاركته لنا في تحمل الأعباء وأحقيته في حكم نفسه بنفسه".[c1]الباب الأول[/c]السلطنة اللحجية ونظام الحكم فيها ويتألف من ثلاث مواد مهمة هي:1/ سلطنة لحج سلطنة عربية إسلامية ويطلق عليها (سلطنة لحج).2/ دين السلطنة الرسمي (الإسلام) وعلى هداه تسن القوانين.3/ اللغة العربية هي اللغة الرسمية للسلطنة.[c1]الباب الثاني[/c]الحقوق والواجبات ويـتألف من 11 مادة منها:4/ اللحجيون لدى الشريعة والقانون سواسية لا فرق بينهم في التمتع بكافة الحقوق وفيما عليهم من التكاليف.5/ الحرية الشخصية مكفولة ولكل إنسان أن يعبر عن فكره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك في حدود الشريعة والقانون.6/ الصحافة حرة في حدود القانون والرقابة على الصحف محظورة، وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها محظورة كذلك إلا إذا كان ذلك ضرورياً لوقاية النظام الإسلامي والاجتماعي.ثم تتناول بقية المواد حرية الإنسان من الحبس وحرمة المنازل وحرية الملكية وحرية التعليم وحرية تكوين الجمعيات والأندية مع منعها إذا أخلت بالأداب والأمن العام.[c1]الباب الثالث[/c]السلطات ويتألف من تسع مواد منها:15/ جميع السلطات مصدرها الشعب.16/ السلطة التشريعية يتولاها السلطان بالاشتراك مع المجلس التشريعي.17/ تصدر القوانين من المجلس بتصديق من السلطان.وتتناول بقية المواد قوانين عامة.22/ السلطة التنفيذية يتولاها السلطان.23/ السلطة القضائية تتولاها المحاكم.[c1]الفصل الثانيالفرع الأول: السلطان[/c]ويتألف من 14 مادة منها:24/ السلطان رئيس السلطنة وذاته مصونة لا تمس.27/ السلطان يضع اللوائح والقوانين.28/ للسلطان الحق في حل المجلس التشريعي مع بيان الأسباب بالتفصيل.30/ للسلطان الحق أن يصدر مراسيم تكون لها قوة القانون.31/ السلطان يرتب المصالح العامة ويولي ويعزل الموظفين على الوجه المبين في القوانين.35/ السلطان يعين المديرين ويقيلهم.37/ ليس للسلطان ولا لأحد من أولاد محسن فضل حق تعيين ولي عهد للسلطنة وانما ذلك من اختصاص المجلس التشريعي وحده الذي هو ممثل للشعب.38/ بين وفاة السلطان واختيار سلطان تكون السلطة في يد نائب السلطان أثناء مرضه.[c1]الفرع الثاني: مجلس المديرين[/c]وهو يتألف من 8 مواد منها:41/ أوامر السلطان شفهية أو كتابية لا تخلي المديرين من المسؤولية.[c1]الفصل الثالثالمجلس التشريعي[/c]وهو يتألف من 27 مادة:47/ السلطان يعين الأعضاء لمدة سنتين.48/ يتألف المجلس التشريعي من 21 عضواً وتتناول بقية المواد أن يكون الأعضاء من الأمراء والأعيان والقبائل وعامة الشعب وأن تكون مدته سنتين وأن يجتمع مرتين كل شهر وبعض القوانين العامة.[c1]الفصل الرابعالسلطة القضائية[/c]وتتألف من خمس مواد:[c1]الباب الرابع مالية الشعب[/c]وتتألف من 10 مواد تتعلق بالضرائب وما يخصها[c1]الباب الخامس أحكام عامة [/c]وللدستور هذا ملحق في ست صفحات فولسكاب ايضاً يتعلق بنظام المجلس التشريعي وبعض اصول الروتين الإداري.