أضواء
قليل من الناس هم من يملكون القدرة على التأثير في غيرهم أفراداً ومجتمعات، وما ذلك إلا لما حباهم الله من مؤهلات خاصة وقدرات فائقة لا يستطيعها غيرهم، وما الشخصيات الفذة التي غيرت وجه الحضارة والتاريخ الحديث إلا نماذج واضحة لهؤلاء المؤثرين فيمن حولهم. هذه الفئات الخاصة التي تستطيع تحريك وتوجيه تصرفات الآخرين، تعتمد على صفات عدة، لعل الكاتب الشهير ستيفن كوفي قد تناول بعضها في كتابه العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية الذي عده البعض من أفضل الكتب في هذا التخصص، منها الأخذ بروح المبادرة، وتحديد أهداف واضحة للعمل عليها منذ البداية، اختيار الأولويات وتقديم ما هو أهم على ما هو أقل أهمية، التفكير بطريقة الفوز وتحقيق الهدف بنبل وسمو خلق .وبالنظر إلى المجتمع السعودي ومحاولة معرفة الشخصيات المؤثرة في المجتمع السعودي نجدهم مجموعة قليلة جداً من حيث العدد، وبحسب الكثير من المختصين فإنهم لا يتجاوزون بضعة آلاف من بين أفراد المجتمع السعودي، يمثلون الساسة والمفكرين والقادة والعلماء والأدباء والفنانين والرياضيين والصحفيين وكتاب الرأي والناشطين في المجتمع المدني، وعلى هؤلاء المؤثرين في المجتمع واللاعبين الرئيسيين فيه - سواء أكانوا فقراء أم أغنياء فليس ذلك مهماً - يقع دور كبير في العمل على نشر الفضائل والقضاء على ما يجتاح المجتمع من أزمات أو مشكلات سلوكية، فيكون لهم إسهام في المجتمع، مستغلين في ذلك التفاف الناس حولهم وميل الناس إلى انتحال صفاتهم وأخلاقهم والإيمان بما يؤمنون به.إن المؤثرين يستطيعون إشعال شرارة التأثير الاجتماعي محلياً وعالمياً في بعض الأحيان، بدرجة تفوق ما يعتقده الكثيرون. وسعة دائرة التأثير تزداد اتساعاً سواء على الصعيد المحلي أو النطاق العالمي في ظل وجود ملايين الشخصيات سريعي التأثر وبهم ميل إلى الاقتداء بسلوك آخرين قد يشكلون نسبة ضئيلة تعداداً مقارنة بالمتأثرين بهم إلا أن تأثيرهم في هذه الجموع يكون عظيماً - تماماً كالعلاقة بين حريق الغابات الهائل وحجم الشرارة التي أشعلته - خصوصاً مع اطلاع هذه الفئة من الناس في أغلب الحالات على المعلومات بصورة جيدة، ولديها قدرات عالية على إقناع الآخرين، كما أن علاقات بعضها وثيقة بالجهات صاحبة القرار. علماً بوجود اعتقاد سائد بأن هناك مؤثرين غير مشهورين يقفون وراء إحداث تغيرات سلوكية هائلة في المتأثرين بهم من أصدقاء ومعارف أو في محيطهم وإن كان ضيقاً.لذا فالمطلوب مِن كل مَن هو ضمن دائرة المؤثرين أن يوظف ولو جزءاً بسيطاً من تأثيره للعمل في مجال الإصلاح العام وبدون اتباع الهوى، ويكون ذلك جزءاً أساسياً من برنامجه يجب أن نوظف مواهبنا من أجل أية قضية نراها مناسبة، تخدم الصالح العام وتنصر المستضعفين ضد المتكبرين مع التركيز على مصالح الأسر الفقيرة ضد الاحتكار والاستغلال وإبراز الإسلام المتسامح و الرأسمالية المعتدلة . كم أتمنى توظيف تأثيرنا لصالح التحالفات الاستثمارية العادلة ضد التحالفات الاستثمارية الظالمة، سواء عبر ما يسمى بالعولمة أو بمنظمة التجارة العالمية وتحت شعار حرية السوق وغيرها من الشعارات التي فضحتها الأزمة المالية. كم أتمنى أن نوظف طاقاتنا لفضح مثل هذه الأنظمة الفاشلة المستبدة والوقوف مع كل القضايا العادلة.على المؤثرين في المجتمع دور في قيادة هذا المجتمع من خلال استخدام لغة الحوار والتهدئة في حل كل الملفات، وأخذ ما يخدم الدولة والمجتمع منها، ويستفيد منها لدفع الضرر وإعادة أجواء الثقة.لنتخيل سوياً لو أن كل فرد ممن وهبوا الشهرة والانتشار وذيوع الصيت تبنى قضية واحدة ورصد لها جانباً من وقته وكان عزمه أكيداً في معالجتها، كم من القضايا سنستطيع القضاء عليها! ماذا لو تبنى لاعب مشهور مشكلة انتشار التدخين بين الشباب، وتبنى فنان قضية عزوف المجتمع عن القراءة والاطلاع، وسياسي يتبنى تعريف المجتمع بما له من حقوق وما عليه من واجبات، وتبنى طبيب مشهور ذائع الصيت في الجراحات مثلاً مواجهة الأخذ بالخرافات والدجل في علاج الأمراض وما يسببه ذلك من كوارث وغير ذلك كثير من القضايا التي تستحق المواجهة وتبني علاجها؟! لا شك في أننا بهذه الطريقة سنتجه إلى النهوض بمجتمعنا والرقي به بدلاً من القناعة بما عليه الحال والقول بأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان. [c1]أخيراً[/c]لست مقتصراً هنا على كبار المؤثرين في المجتمع من مشاهير تمتلئ وسائل الإعلام المرئية والمقروءة بأحاديث لهم ليل نهار، فهؤلاء مع تأثيرهم العظيم والممتد إلا أنني أضم إليهم كل من يستطيع التأثير في محيط ما ولو في أسرته وأقاربه أو داخل قريته.[c1]الخاتمة [/c]أرجو من كل قلبي من كل إنسان مؤثِّر أن يسخر جزءاً يسيراً من وقته لخدمة قضية من قضايا الشأن العام لخدمة مجتمعه وخدمة دينه، فالجميع مسؤول عن هذا الوطن، وهمُّ الوطن يجب أن يحتل الصدارة في ترتيب هموم كل منا إن أردنا لهذا الوطن النهوض والرفعة.[c1]*عن/ جريدة ( الوطن ) السعودية[/c]