فيما البنك الدولي قدر المبالغ المطلوبة بـ (14) مليار دولار
بغداد / 14 أكتوبر / رويترز:يتعلق طفل صغير بذراع طلمبة مياه بأحد أحياء بغداد الفقيرة لضخ المياه من الأرض الجافة.. وتثمر جهوده سيلاً ضعيفاً يكفي أسرته وأسر الأطفال المنتظرين بجانبه لملء آنية طهي حتى اليوم التالي. إنه روتين يومي لملايين من العراقيين لا تصلهم كميات كافية من الماء النظيف وليس لديهم صرف صحي مناسب بعد خمسة أعوام من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بالرئيس صدام حسين. والمياه والصرف الصحي تحديان مستمران في هذا البلد الذي عرقلت سنوات الحرب والإهمال إصلاح مرافقه العامة المتهالكة. ويصرف نحو مليار لتر من مياه الصرف في قنوات مائية في بغداد كل يوم. وتقدر الأمم المتحدة إن مياه الشرب تضخ لمنازل ما يقل عن نصف عدد العراقيين من سكان المناطق الريفية. وفي العاصمة يضبط السكان الساعات لتوقظهم في منتصف الليل لملء الخزانات حين يقل الضغط على المياه. وبدأت الاستثمارات في المياه والصرف الصحي تؤتي ثمارها ببطء فيما يسعى العراق لاستغلال انخفاض حاد في أعمال العنف في العام المنصرم. ويعمل مسؤولون عراقيون وأمريكيون على إصلاح محطات المياه وشبكات توزيعها ومحطات الصرف القائمة ولكنهم يقولون إن تحسين البنية التحتية بشكل كبير سيستغرق أعواماً. ومنذ عام 2003 أنفقت الولايات المتحدة حوالي 2.4 مليار دولار على قطاع المياه والصرف الصحي. والآن تتولى الحكومة العراقية تمويل مشروعات البناء الرئيسية غير أن البنك الدولي قدر المبالغ المطلوبة بحوالي 14 مليار دولار على الأقل. وفي المبنى الذي تقيم فيه سهاد محمد بشرق بغداد لا يصل الماء للأدوار العليا. وفي كل صباح يساعدها زوجها وابنها في ملء أباريق من البلاستيك من صنبور عمومي في الأسفل ويصعدون بها الدرج عدة ادوار. وتقول “يزداد الامر تعقيدا في الصيف.” كما أن نقص المياه يسبب مشاكل صحية.
وتقول الأمم المتحدة إن حالات الإسهال الحاد تشيع في شرق بغداد حيث مشكلة المياه أكثر تعقيداً وإنها تزيد في هذه المنطقة ثلاث مرات عنها في بقية المدينة. كما شهد هذا الجانب من المدينة عدداً أكبر من حالات الإصابة بالكوليرا. وذكر مسؤولون أن شبكة المياه ظلت مهملة لعقود في ظل حكم صدام وأنها غير مجهزة لملاحقة النمو السريع للسكان في العاصمة. كما أن الكهرباء التي لا تأتي إلا لبضع ساعات في بغداد كل يوم مشكلة رئيسية أخرى. ولم تصمم أنظمة الدعم بمحطات المياه للعمل بالوتيرة التي يجري تشغيلها بها. وقال صادق الشمري مدير عام مرفق المياه في بغداد “كل انقطاع للكهرباء حتى ولو لبضع دقائق يؤخر إنتاج المياه لثلاث ساعات.” وقال إن إنتاج المياه يصل لحوالي 2.8 مليون متر مكعب في بغداد وهو ما يقل كثيرا عن الطلب اليومي البالغ أربعة ملايين متر مكعب. كما أن حالة الصرف الصحي في محافظة بغداد أكثر قتامة. وذكر مسؤول في السفارة الأمريكية طلب عدم نشر اسمه “لم يكن هناك تركيز كبير من النظام (السابق) على الآثار بعيدة المدى للصرف على ضفاف الأنهار.” وتقول الأمم المتحدة إن مياه الصرف التي تتسرب لمصادر المياه والتي تلقى فيها لها “آثار خطيرة” على صحة العراقيين وعلى البيئة. وثمة إهدار واستخدام غير قانوني لإمدادات المياه ـ كما هو الحال ـ في توزيع الكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى. وشكا مسؤول في بغداد “هناك أفراد يسرقون المياه من الأنابيب ويستخدمون مياه الشرب لري حدائقهم وملء بحيرات الأسماك. “بل وتستخدم المياه في غسيل السيارات. المياه المهدرة يمكن استخدامها في المناطق التي تعاني من النقص بالفعل.” وعند الحافة الشمالية لمدينة الصدر وهو حي فقير أغلبية سكانه من الشيعة يشير رجل يدعى علي عبر فناء تغطيه الأتربة والمخلفات إلى قناة غير نظيفة يستحم فيها هو وأبناؤه. ويضحك بمرارة قائلا “الماء قذر. ولكن ماذا بوسعنا أن نفعل. ليس لدينا بديل آخر.” ويضيف “نحن وأمثالنا الذين يكسبون ثلاثة أو أربعة دولارات يوميا ننفق كل المال على المولدات” في إشارة لشبكة مولدات غير رسمية في الحي تمده بالكهرباء حين ينقطع التيار. ولا تزال محطة معالجة المياه في مدينة الصدر التي افتتحت مؤخرا في المرحلة التجريبية ويتوقع أن ترفع إمدادات المياه للحي كثيرا حين تعمل بالكامل. ويجري تنفيذ مشروعات بناء وتجديد حكومية أخرى ويقول مسؤولون بالحي إن كمية المياه الذي تنقلها الشبكة ارتفع كثيرا بالفعل. وقال مسؤول أمريكي آخر “حالما نبني محطات جديدة ونمد شبكات جديدة سيسعنا خدمة عدد أكبر من الناس. الأمر بسيط ولكنه يستغرق وقتاً.” ويقول فينود الكاري وهو خبير في المياه والصرف الصحي بصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إن الحكومة والأمم المتحدة وبعض وكالات الإغاثة توزع المياه من عربات صهريج في أكثر مناطق بغداد احتياجاً. وانتقد الحكومة العراقية لتباطؤ ها في إنفاق الأموال المخصصة في الميزانية لمشروعات إعادة البناء الحيوية. وقال “لديهم الموارد الآن على ما يبدو ولكن يتحركون ببطء تجاه استغلال هذه الموارد.” وتابع “ولكن المهمة ضخمة. حتى مع توافر كل المال اللازم فإنها تستغرق وقتاً.”