باتت ظاهرة انتشار السلع المقلدة والمغشوشة تهدد صحة وأمن وسلامة المجتمع والاقتصاد الوطني وكل شيء في الحياة ,ومن المعلوم أن ظاهرة الغش التجاري كانت أحد إفرازات نظام الاقتصاد الحر والأسواق المفتوحة التي أتاحت تنافساً حاداً من الشركات ,في حين شهدت آليات ومستويات الرقابة الرسمية تراجعاً كبيراً بل غياباً تاماً لا يقل عن غياب الوازع الأخلاقي وموت الضمائر لدى البعض من التجار الذين لا يتوانون عن قتل الأطفال والكبار دون أي رادع أو وازع ديني وأخلاقي مقابل الحصول على حفنة من الأموال التي يكسبونها لقاء الغش في بعض السلع من تجديد لتاريخ المادة الغذائية (إنتاج وانتهاء) وربما يكون قد تحول ما بداخلها إلى سموم لا تقل فتكاً بالإنسان عن السموم المتعارف عليها , فيما آخرون من ضعفاء النفوس لا تمنعهم القيم وقبل ذلك الوازع الديني من الارتهان الدنيء للكسب الحرام من خلال الاتجار بالأدوية المهربة والمزورة وغير المطابقة للمعايير القياسية والجودة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي لتتحول إلى داء قاتل بدلاً من دواء يشفي الإنسان.ولم يقف مرض غياب الضمير “السرطاني“ عند هذا الحد ,بل ذهب البعض من المتفانين والمهووسين بالممارسات التجارية المريبة والحقيرة إلى إلحاق الأضرار البليغة بالإنسان وممتلكاته ,فمن المعلوم أن عدد ضحايا الحوادث المرورية في بلادنا فاق ضحايا الحروب المسلحة في المنطقة،وأن ما خلفته تلك الحروب قد لا يقل ضراوة عما خلفته الحوادث من وفيات وإصابات مختلفة ونساء أرامل وأطفال يتامى. حيث أوضحت تقارير رسمية أن الحوادث المرورية في اليمن أودت بحياة 24.972 شخصاً من مختلف الفئات العمرية منذ مطلع العام 2000م وحتى شهر أبريل من العام الجاري 2010م،منها ما يزيد على النصف عائدة إلى تدني جودة قطع غيار السيارات المستخدمة والمغشوشة خاصة تلك المتعلقة «بالفرامل» و «الإطارات» فكثير ممن التقينا بهم من السائقين الذين نجوا من الموت كانت إجاباتهم تلتقي عند الانقلاب المفاجئ لمركباتهم ( عطل المكابح - انفجار الإطارات ).هكذا يقتلون أبناءنا وإخواننا وأمهاتنا, وبهكذا ممارسات غير أخلاقية يُيٌتمون آلاف الأطفال والأسر ولا من حسيب أو رقيب؟!آباء وأمهات ينتظرون شفاء أبنائهم من أمراض لا تقل غرابتها عن السلع والمنتجات التي أوصلها لهم ضعفاء النفوس من التجار الباحثين عن الكسب السريع وإن كلف ذلك قتل المستهلك وتيتيم أسرته وتشريدها .. آلاف الشباب في مقتبل العمر عاجزين عن الحركة أو يفتقدون لبعض من أجزائهم الجسدية نتيجة لانفجار إطار السيارة «المقلد» التي كانوا يستقلونها أو فقد السائق لفعالية الفرامل «المغشوشة» ليذهب الجميع من على السيارة ضحايا تجار فاقدي الضمير والإحساس والمسؤولية. هذه الممارسات لا تقل كارثيةً عن من يتاجر بزيوت السيارات المغشوشة بعد إعادة تعبئتها في علب فارغة يتم استيرادها من الخارج ويتم تعبئتها بالزيوت الحارقة على أنها علامة تجارية مشهورة حيث يفقد الكثير مركباتهم بعد أن تطالها الأعطال أو تسكت أنفاسها «عطب في المكينة» هذا إلى جانب تأثيره السلبي والخطير والمدمر على الإنسان والبيئة.نعود ونقول :إن بروز مثل هذه الظواهر الغريبة على قيمنا الدينية والأخلاقية لها أثار سلبية عديدة تتعدى إقتصادات الدول والإساءة إلى سمعة المنتج لتصل إلى المستهلك من حيث زيادة البطالة نتيجة خسائر الشركات التي تتعرض منتجاتها للغش والتقاليد.الغريب في الأمر أن السوق اليمني حقق مستويات رهيبة في انتشار ظاهرة الغش والتقليد ,وباتت سمة مميزة حتى أنها وصلت إلى حد الثقافة اليومية ليس فقط على مستوى السلع والمنتجات بل تجاوزتها إلى العلاقات بين أفراد المجتمع الذي نهل من ثقافة السوق الحر كل ما هو سلبي ومغاير لأخلاقياتنا وقيمنا وأعرافنا.في حقيقة الأمر نجد هنا صراحة عبارة «يا فصيح لمن تصيح» هي الأنسب في مثل هذه القضية التي ازدهرت آثارها السلبية على كل مكونات الحياة ولم تحرك وزارة الصناعة والتجارة كجهة مسئولة ساكناً وكأن الأمر لا يعنيها وإن ضبطت « لا سمح الله» أحد ضعفاء النفوس من هؤلاء التجار تنتهي القضية بدفع مبلغ « غرامة » لا يمثل 2 % من الأرباح التي يحققها من السلعة المغشوشة ومن ثم تعود حليمة لعادتها القديمة ويالها من عادة ذات عواقب وخيمة على المستهلك والوطن بكامله.ونؤكد هنا بأن الشريعة الإسلامية وباتفاق دور الإفتاء في الدول الإسلامية قد حرمت الاتجار بالسلع المقلدة والمغشوشة وبأنه لا يجوز بيع السلع المقلدة على أنها أصلية ولا يجوز الاتجار بها ولا توزيعها على المحلات التجارية لما فيه من الغش والكذب والاحتيال وقد حرم رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم الغش بقوله: من غشنا فليس منا»وعلى هذا المنطلق لابد من تفعيل دور وزارة الصناعة والتجارة ومكاتبها في عموم المحافظات ,ونأمل منها أن لا تضع على أذنيها الطين والعجين .. لأن المشكلة أخطر مما نتوقع جميعاً.لقطةالتحقيق الصحفي المتميز الذي نشرته صحيفة «26 سبتمبر »وأعده المحرر عارف المقطري عن الغش في زيوت السيارات كان متوقعاً أن يأتي بشيء من التفاعل الرسمي من قبل وزارة الصناعة والتجارة لملامسته لواقع ظاهرة الغش,ولكن الطين والعجين حال دون وصول القضية وآثارها السلبية الى مسامع الجهات المسئولة,فإلى متى نصرخ .. ولكننا لم ولن يأس وسنتابع ,حتى ينال المجرمون عقابهم.
إنهم مجرمون .. فمن يحاكمهم؟!
أخبار متعلقة