أقواس
شاءت لي الأقدار أن أعيش في موسكو ما يقارب تسع سنوات قضيتها في البحث العلمي والدراسة لنيل شهادة الدكتوراه ، لقد كانت هذه الفرصة التي منحتها لي الدولة اليمنية ، من اجل التعرف على ثقافة هذا الشعب المغرم بالقراءة لدرجة أنني كلما سرت خطوة أجد الصغار والكبار يقرؤون في الحدائق وفي الباصات في المترو وفي المكتبات في كل مكان ، لم أر في حياتي شعباً يعشق القراءة ، رغم زيارتي لعدد من الدول العربية والاوروبية ما اثر في نفسيتي ، ووجدت أن الطبيعة الروسية زرعت الجمال والتذوق الجمالي للقراءة عند الشعب الروسي ، وأجمل ما شدني للطبيعة الروسية هي أشجار الكرز التي توحي للعديد من الشعراء الروس بأجمل القصائد الرومانسية ، فأشجار الكرز منتشرة في معظم المناطق الروسية حيث تفتح الازهار وتنضج الثمار في فترة ما بين شهر مارس وشهر أغسطس وتتساقط ثمارها على الأرض ، اذا لم تجد من يقطفها ويتذوق حلاوة طعمها ، ولازهار شجرة الكرز قصة معي ، حيث كنت ذات يوم اسير في حديقة بقرب الساحة الحمراء ، فوجدت امرأة يتجاوز عمرها السبعين عاماً ، رأيتها تقرأ ديوانا للشاعر الياباني المعروف بعشقه لشجرة الكرز وله قصيدته المشهورة (الهيكو) ربما لاتسعفني الذاكرة باسم هذا الشاعر الياباني ، ولكن المرأة العجوز ، تعجبت في حين اخبرتها بأن الشعب الروسي هو أكثر الشعوب شغفاً بالقراءة فأكدت لي أنني مخطئة في تقديري ، ففي اليابان أكثر من خمسة ملايين شاعر ، ورغم عشق اليابانيين للتكنولوجيا والالكترونيات إلا أن الشعب الياباني أكثر تذوقاً للشعر والفنون والموسيقى والآداب ، واليابان وحدها تنتج أضخم الافلام السينمائية .فعلاً وجدت ان هذه الدول المتقدمة مثل اليابان وروسيا اكثر الشعوب حرصاً على تذوق القراءة والشعر والفنون ، شكرت المرأة العجوز الروسية على المعلومة القيمة التي زودتني بها ، واخذت اعانق أزهار الكرز في الحديقة وعدت إلى منزلي ومازالت صورة المرأة العجوز وهي تقرأ الشعر الياباني تحت ظل شجرة الكرز محفورة في ذاكرتي رغم السنين الطويلة على سفري ، هذه الذكريات تؤلمني كثيراً كلما مررت على مكتبة يمنية لاشتري كتاباً ، فاذا بالاسعار نار ، لاتتناسب اطلاقاً مع مرتبات ذوي الدخل المحدود والأهم من ذلك أن كتب الشعر والدراسات قليلة في معظم المكتبات الوطنية ، فمعظم الكتب المسيطرة على رفوف المكتبات هي الكتب التجارية ، ربما يكون هذا السبب الرئيسي في عزوف الشعب اليمني عن القراءة ، وربما تقصير الاعلام في الترويج ومن خلال دراستي المستمرة لوضعية دائرة الكتاب اليمني أوكد ان السبب الاخير هو الصحيح ففي اليمن العديد من الكتاب والشعراء لا تهتم اجهزة الاعلام لتعرف القارىء عن مؤلفات هؤلاء الكتاب والادباء !!د . زينب حزام