محمد زكريالعلنا لا نبتعد إذا قلنا أن مسألة العثور على قبر النبي هود - عليه السلام - تعد مسألة تاريخية وعلمية غاية في الأهمية شغلت ومازالت تشغل بال الكثير من المؤرخين والأثريين اليمنيين وغير اليمنيين حتى يومنا هذا . والحقيقة لقد سمحت لي الظروف أن أقوم بزيارة ميدانية إلى منطقة الأحقاف في حضرموت من فترة ليست قصيرة حيث كنت مرافقا لبعثة مصرية مختصة في العمارة الإسلامية التابعة لجامعة الدول العربية . وفي منطقة الأحقاف شاهدت قبرا طويلا ضخم الهيئة والبنيان مستطيل مهيب الشكل . والحقيقة القصة التي أرويها شاهدت وقائعها ، ولمست أحداثها قصة خيوطها ليست من نسيج الخيال وكم من القصص الواقعية تكون أغرب من الخيال. [c1]في الأزمنة السحيقة [/c]والحقيقة أن المكان الذي قيل لنا أنه قبر النبي هود - عليه السلام - في منطقة الأحقاف مكان يشي بالغرابة أو مكان خارج الزمان . وأن الإنسان يشعر أنه يغوص في أعماق الأزمنة السحيقة الموغلة في القدم , وينفصل عن عالمه الذي يعيش ويحيا فيه وينجذب إلى عالم آخر مثير وغريب وإنّ لم يكن مخيفاً في نفس الوقت . فكل مكان من حولك يثير فيك الخوف ، فالريح لا تكاد يتوقف صفيرها القوي الذي يصم الآذان والأتربة الرملية تحجب الرؤية .. وكثبان رملية حمراء تطفو في كل مكان , والأعجب من ذلك أنه يترامى إلى مسامعك أصوات مختلطة مبهمة كأنها أصوات صخور ضخمة ترتطم بالأرض بقوة فتهتز الأرض من تحت أقدامك ، وتحدث دويا مفزعا. وبين الحين والأخرى يترامى إلى أذنيك صرخات استغاثة تأتي من مكان سحيق . [c1]خاوية على عروشها [/c]وبجانب قبر النبي هود تطفو عدد غير قليل من المنازل , ويتخيل المرء من أول وهلة أنها ممتلئة بسكانها . فواجهات البيوت تبرق وتلمع وأنها سليمة البنيان وكل شيء فيها يدل على أن الحياة تسري في كل مفصل من مفاصلها . ولكننا نفاجئ أن تلك البيوت خاوية على عروشها أي أنها فارغة من ساكنيها. وترى أبواب البيوت تتحرك يمنة ويسرة من جراء الريح الشديدة كأنها أوراق الشجر اليابسة في مهب الريح . وأتذكر في هذه اللحظة أن أحد المختصين في بعثة الآثار المصرية وهو من مدينة دسوق وهو من الذين يؤمنون إيماناً عميقاً بالشيخ الصوفي إبراهيم الدسوقي بمحافظة كفر الشيخ بمصر . و قال لي بما معناه : “ أنه يشعر برهبة المكان وخصوصا عندما شاهد بنفسه ومضات من نور خرجت من بعض ثنايا الحفرة الذي كان يقوم بفحص أحجارها والتي كانت بجانب القبر بهدف تحديد الفترة الزمنية التي تعود إليها “ . [c1]البعثة الأمريكية[/c]والحقيقة الذي جعلني استحضر تلك الزيارة إلى الأحقاف في حضرموت مع بعثة العمارة الإسلامية المصرية التابعة لجامعة الدول العربية هو أن إحدى المجلات الأمريكية العلمية المختصة بالآثار وخصوصا في الوطن العربي . قامت بنشر بحث علمي مفاده أنه عثر على قبر النبي هود في العقبة بالأردن والغريب في الأمر أن المجلة لم تحدد مدى العثور على القبر المزعوم هذا . فتقول المجلة : “ أثبتت بعثة الآثار الأمريكية التي مكثت فترة طويلة في عقبة الأردن العثور على قبر النبي هود وذلك من خلال الكتابات النبطية التي عثر عليها في خرائب معبد جبل (( آرم )) والذي يقع في بطن أحدى كهوف جبال العقبة . ويمضي البحث العلمي الأمريكي , فيقول : “ ولقد دلت الكتابات النبطية أن القبر القابع في أخدود كهف (( آرم )) مكتوب عليه هود . وإلى جانب الجبل عثر على آثار قديمة جاهلية”. [c1]تقرير يشوبه الغموض [/c]والحقيقة أن هذا التقرير الأمريكي العلمي المزعوم الذي يدعي العثور على قبر النبي هود يشوبه الكثير من الغموض والاضطراب العلمي , فهو يقول أن الكتابات النبطية دونت على هذا القبر في كهف الجبل باسم (( هود )) . ولم تذكر بالتحديد اسم النبي هود , وإنما اكتفت باسم (( هود )) فحسب . والشيء الآخر أن تقرير البعثة الأمريكية لم تحدد أو لم تذكر الحقبة الزمنية الذي يرجع إليه نوع الحجارة الذي بني منه القبر. ويلفت نظرنا أن تقرير الأثريين الأمريكيين يشير إلى أنهم وجدوا بجانب الكهف آثار قديمة جاهلية ولم يسعفنا بمعطيات واضحة تنير لنا طريق الفترة التاريخية لتلك الآثار الجاهلية التي وجدت بجانب الكهف هل تعود إلى حقبة النبي هود وكل ما ذكر في التقرير أنها (( قديمة وجاهلية )) وبعدها يصمت التقرير . وهذا دليل واضح وقاطع بأن تقرير البعثة الأمريكية للآثار يلفه الضبابية ويحتاج إلى دلائل وبراهين لتدعم ما جاء فيه . وكل الذي جاء فيه هو افتراضات ، والافتراضات في منج البحث التاريخي الأكاديمي غير مقبول ولا يعتمد عليه . [c1]أين دفن النبي هود ؟[/c]والسؤال المطروح هو أين مدفون النبي هود ؟ هل يوجد في عمان بالأردن كما ذكرت البعثة الأمريكية التي تحدثنا عنها قبل قليل . و الحقيقة أن المصادر التراثية القديمة ، والأخباريون - الذين يمزجون بين الحقيقة والخيال - ، والتفسيرات العديدة مثل تفسير ابن كثير أجمعت أن قبر النبي هود - عليه السلام - موقعه في منطقة الأحقاف وهي المنطقة الواقعة بين عُمان وحضرموت وعلى وجه التحديد “ الواقعة بالقرب من وادي برهوت على سفح الجبل في الشعب المعروف بشعب هود كما جاء في المراجع التاريخية علاوة على المصادر الشفوية. [c1]في شرق حضرموت [/c]ويرى المؤرخ صالح حامد إلى أن موقع قبر النبي هود واضحاً وماثلا للعيان لا يحتاج إلى الشك به بأنه في حضرموت ، فيقول : “ وعلى كل حال فلا يوجد قبر للنبي من الأنبياء غير نبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يبلغ في صحة تعيين ناحية قبره ، ما بلغ منه قبر النبي هود - عليه السلام - . ويضيف قائلا : “ فقد كاد أن يطبق المؤرخون على أنه بحضرموت . وفي القرآن الكريم ما يدل على ذلك . إذ قال تعالى (( واذكر أخا عاد إذ انذر قومه بالأحقاف )) “ . ويضيف قائلا : “ وموضع الأحقاف - لا خلاف فيه - شرقي حضرموت .وقد كان وادي حضرموت قديما وحديثا يسمى بوادي الأحقاف . وقد كان معروفا في مهد الجاهلية وما قبله ، ثم في العهود الإسلامية ، ومازال معروفا يزار إلى اليوم “ . وفي موضع آخر، يقول صالح الحامد : “ وقد روي عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه كان بحضرموت على الكثيب الأحمر . وفي التيجان للابن هشام أنّ هوداُ قُبض ودفن في الأحقاف “ . وهنا يجب أنّ نفرق بين ما يقال عن قبر النبي هود وبين ما يقال مكان دفنه . فإنه من المرجح أنّ يبنى قبراً للنبي هود ، ويقال عليه أن النبي هود مدفوناُ فيه . ولكن الحقيقة التي نبحث عنها وهي أين دفن النبي هود هل دفن في الأحقاف ؟ . والأحقاف كما أشرنا إليها في السابق بأنها المنطقة الواقعة بين عُمان وحضرموت . وتلك العبارة غير دقيقة لا تحدد بصورة مفصلة ودقيقة عن الموقع الذي دفن فيه النبي هود - عليه السلام - . ولقد أشرنا في السابق ، أنّ البعثة الأمريكية زعمت أنّ النبي هود دفن في المناطق القريبة من عمان في الأردن .[c1]ما اسم الأحقاف القديم ؟ [/c]ويروي كتاب (( الفرج بعد الشدة في انساب فروع كندة )) أن اسم الموضع الذي قبر فيه ( أي دفن ) هود اسمه (( الهيسو )) . ويبد أن هذا الاسم كان قديما يطلق على الأحقاف ولقد ذكرنا أنّ الأحقاف تقع بين عُمان وحضرموت وبتعبير أدق تدخل في حدود حضرموت الشرقية . وذلك التعريف كما أشرنا سابقاً غير دقيق .[c1]ما معنى الأحقاف ؟[/c]ويشرح القاضي العلامة محمد بن أحمد الحجري معنى كلمة الأحقاف ، فيقول : “ نقلا عن بامخرمة المتوفى سنة ( 947 هـ / 1540م ) : “ وهي الرمال واحدها حقف - أن الأحقاف تعني باللغة العربية كثبان رملية - “ ويضيف قائلا : “ واختلفوا في أي موضع هي على أقوال أصحها الشحر باليمن على ساحل بحر الهند ومسكن قوم عاد المذكورة في قوله تعالى : “ وأذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف “ . وقال سعيد بن المسيب : “ كانت منازلهم باليمن ومهرة , وكانوا جبابرة . و قد حظوا بالطول والقوة ، فكان الرجل يأتي بالصخرة فيحملها على الحي فيهلكهم , وقصتهم مشهورة في التفاسير “ . ونستدل من ذلك أن النبي هود دفن في الشحر وليس في الأحقاف على قول كثير من المؤرخين القدامى المحدثين . [c1]ذو القرنين في حضرموت[/c]ولقد ذكر الأخباريون أن ذا القرنين زار قبر النبي هود بحضرموت , و زاره - أيضا - النبي سليمان بن داؤود. ويضيف بعض ( الأخباريون ) أنّ “ النبي سليمان نزل الأحقاف ، ودخل إلى قبر هود - عليه السلام - ثم انصرف “. كل تلك الروايات الشفهية التي ذكرها الاخباريون بصرف النظر عن حقيقتها أو عدم صدقها فهي تعطينا معطيات جلية بأن النبي هود مدفوناُ في منطقة الأحقاف المعروفة بالكثبان الرملية العالية - كما أسلفنا - . ولكن رواياتهم التي روها عن أين المكان الذي دفن فيه لا نستطيع أنّ ننفيها أو نأخذها كما هي بسبب عدم وجود البراهين والدلائل التي في الإمكان أن تقودنا وتصل بنا إلى أقرب نقطة من الحقيقة التاريخية وبذلك يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود .[c1]من أول من سكن الأحقاف ؟[/c]ويرى أحد الباحثين المحدثين أن أول قبيلة سكنت بلاد الأحقاف هي قبيلة حضرموت وتنتسب إلى حضرموت بن قحطان بن الهميسع بن الذبيح إسماعيل . ولكن هل يقصد الباحث أن قبيلة حضرموت سكنت منطقة الأحقاف قبل قوم عاد ؟ أم يقصد أن قبيلة حضرموت هي قبيلة عاد ؟ . وفي واقع الأمر ، أن الباحث أكتفى فقط بذكر اسم قبيلة حضرموت بأنها كانت أول قبيلة تسكن الأحقاف - كما قلنا سابقا - ومن المحتمل أنّ تكون قبيلة حضرموت هي قوم عاد . وفي هذا السياق ، يقول المؤرخ سعيد باوزير أن المؤرخين حتى هذه اللحظة لا يعلمون علم اليقين من أول من سكن الأحقاف وأنّ هناك تضارب وتباين في الآراء والأقوال حول تلك المسألة , فالبعض يرى أن قبيلة عاد هي أقدم الأقوام التي سكنت الأحقاف , والبعض الأخر يقول أن قبيلة حضرموت وبطونها وأفخاذها , وفروعها هي أقدم من سكنها من القبائل وفي هذا الصدد ، يقول المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف : “ من قبائل اليمن القديمة - يقصد حضرموت - ولا يزال فروعها موجودة بحضرموت ومنهم الحموم ، وثعين وأفخاذهما العديد “ . ومرة أخرى يطل علينا السؤال وهو هل قبيلة عاد وحضرموت قبيلة واحدة ؟ . أو القبيلتين تختلفان ؟ . [c1]في الشحر[/c]ويروي سعيد عوض باوزير أنّ النبي هوداً ومن آمن معه بعد أن حل غضب الله على القوم الكافرين من خلال الريح العاتية في الأحقاف . رحلوا من القرية الظالمة أهلها إلى الشحر , وهناك قبضت روحه ودفن النبي هود , ولكن لم يعلم علم اليقين أين دفن في الشحر. فهو بذلك ينفي أن القبر الذي يقع في شرق وادي حضرموت بالقرب من وادي برهوت و ليس قبر هود . ولكنه لم يسعفنا بمعلومات عن ذلك القبر الضخم الراقد في الأحقاف لمن صاحبه ؟ إذا لم يكن قبر النبي هود ، فإذن قبر من ؟ . وفي واقع الأمر ، أن بعض المعاجم عرفت موقع الأحقاف بأنه بين اليمن وعُمان إلى حضرموت والشحر - كما أسلفنا - . وهذا التعريف يعطينا معلومات واضحة أن الشحر المطلة على البحر العربي يقع ضمن الأحقاف . وقال الأصمعي في تحديد موقع الشحر أنها بين عدن وحضرموت . [c1]بعد العاصفة[/c]ويفهم من كلام سعيد باوزير أنّ النبي هود بعد الكارثة التي حلت بقوم عاد الكافرين في منطقة الأحقاف رحل هو أتباعه إلى الشحر - . وعندما قبضت روحه ، دفن في الشحر - كما قلنا سابقاً - . ولكن القرائن والدلائل لا تمدنا بمعطيات واضحة على وجه التحديد أين دفن النبي هود في الشحر ؟ - على حد قول مؤرخنا سعيد باوزير - . ولكن الشيء الذي أجمعت عليه المراجع التاريخية و المصادر الشفهية تؤكد أنّ النبي هود مدفونا في حضرموت بصورة عامة . وفي هذا الصدد ، يقول القاضي محمد الحجري : “ وحضرموت ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر وحولها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف وبها قبر هود عليه السلام وبقربها بئر برهوت” .[c1]رواية موضوعة[/c]والحقيقة أن الرواية الشفهية التي تزعم بأن النبي هوداً وأتباعه المؤمنين رحلوا من الأحقاف إلى مكة المكرمة للاستسقاء بعد أو قع الجدب والقحط اللذين أصابا الأحقاف من جراء الريح العاتية التي قلعت البشر ، والحجر ، والشجر ليس لها أساس من الصحة وهي رواية موضوعة بسبب أن مكة المكرمة لم تبنا إلا في عهد النبي إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - كما جاء في تفسير ابن الكثير المتوفى ( 774هـ / 1373م ) . ويضيف ابن الكثير معلومة أخرى عن قوم عاد بأنهم أول الأمم على وجه الأرض الذين عبدوا الأصنام بعد طوفان نوح . و نسلهم يعود إلى النبي نوح - عليه السلام - . [c1]من بنى قبر النبي هود ؟ [/c]والسؤال المطروح وهو من أول من بني قبر النبي هود - عليه السلام - في شرق وادي حضرموت بالقرب من وادي برهوت الذي يطفو على وجه الأرض بطوله الفارع ، وهيئته الضخمة الشكل , وصورته االمهيبة . أجابت بعض المصادر التراثية الحضرمية أن الذي قام بإعادة بنائه هو الشيخ الفقيه حكم بن عبد الله المتوفى ( 878 هـ / 1473م ) أي أكثر من خمسمائة سنة . وتستوقفنا عبارة (( أنّ الذي قام بإعادة بنائه هو الشيخ الفقيه حكم بن عبد الله )) وهذا دليل بأن القبر كان مبنياُ قبل أنّ يعيد بنائه الشيخ الفقيه من خمسمائة عام , ولكن المصادر المكتوبة أو المصادر الشفهية لا تمدنا بمعلومات عن أول من بنا القبر وفضلاً عن ذلك أنّ المصادر التراثية لا ترسم صورة واضحة عن شكل القبر الأول الأصلي الذي كان عليه في السابق أي قبل ذلك البناء من قبل . وهل كان القبر عبارة عن لحد . والحقيقة لقد امتدت إليه يد الترميم والصيانة وإعادة البناء بصورة شبه دائمة. فقد ذكرت بعض المراجع التاريخية الحضرمية أنّ علماء وفقهاء مشهورين في حضرموت أمثال السيد الشريف أبو بكر بن محمد بلفقيه ، وعلوي بن عبد الله الكاف كانا لهما اليد الطولى في ترميم وصيانة قبر النبي هود وغيرهما كثير من علماء حضرموت . ويبدو أن علماء حضرموت وخصوصا شيوخ الصوفية في حضرموت الذين رأوا أن اعتقاد الناس بوجود قبر النبي هود في الأحقاف سيجعل المنطقة تتسم بالأهمية الروحية وستكون لها حظوة عند الكثير من مناطق اليمن وخصوصا في كل مكان من مناطق حضرموت وبسبب ذلك اهتموا بصيانة وترميم القبر والعمل على اقامة الاحتفالات الدينية بجانبه والتي تعرف بـ (( الزيارة )) والتي تقام في ليلة النصف من شعبان من كل عام هجري .[c1]القبر والتفسير الشعبي[/c]والحقيقة أن بعثة العمارة الإسلامية المصرية التابعة لجامعة الدول العربية والتي زارت قبر النبي أو الذي قيل أنه قبر النبي هود في شرق الأحقاف بحضرموت بالقرب من وادي برهوت . خرجت بنتائج قيمة وهي أن الموروث الشعبي والمتمثل بالحكايات الشعبية أسهمت بدورا كبيرا في التأكيد بأن ذلك القبر هو للنبي هود وذلك من خلال الروايات الشفهية التي تناقلتها الأجيال من جيل إلى جيل وكان كل جيل يضيف أو ينقص حسب رؤيته لأحداث الحكاية . ونستدل من ذلك أن المصادر الشفهية أسهمت بدور كبير في ترسيخ وتثبيت أنّ النبي هود مدفوناً في حضرموت في أذهان الناس سواء في الأحقاف أو في الشحر . [c1]الموروث الشعبي[/c]وينفي سعيد عوض باوزير بأن قبر النبي هود مدفونا في شرق وادي حضرموت وذلك حسب قول الإخباريين . وبأنه يجب ألا نعتمد على معلوماتهم فهي مغلوطة وليس لها أساس من الصحة . وفي الحقيقة أن قوله ذلك يجانب الصواب . فإن من روايات الإخباريين الكثير منها ما تحمل في طياتها الحقيقة أو قل إن شئت أنها تحمل جزء من الحقيقة التاريخية . فاعتمادنا على المصادر التقليدية في كتابة التاريخ كالوثائق المكتوبة يعد قاصرا إذا لم نقرأ الأساطير التي تروي عن مسألة ( ما ) لكون الأسطورة أو الأساطير تكون بمثابة النواة الأولى أو الخيط الأول الذي يقودنا إلى الحقيقة التاريخية والذي نحن بصدد الحديث عنها , أو بعبارة أخرى أن الأسطورة تفوح منها رائح الحقيقة التاريخية . ولسنا نبالغ إذا قلنا أن التاريخ هو الابن الشرعي للأسطورة . وبالأحرى أن اعتمادنا على الوثائق والسجلات المكتوبة في دراسة وقائع التاريخ واستخراج الحقيقة منها أو محاولة الوصول إلى اقرب نقطة من الحقيقة التاريخية يكون مبتورا وناقصا إذا لم نطلع على الموروث الشعبي لكشف بعض المسائل التي تغطيها سحب كثيفة من الغموض بسبب أنها موغلة في القدم أو بمعنى آخر أن التاريخ لم يولد بعد حتى يسجلها في سجلاته - ولا يفهم من هذا أن الموروث الشعبي أو الأسطورة تحمل في ثناياها الحقيقة الكاملة - كما سبق وأنّ أشرنا - ولكنها تحمل بصيصا من الحقيقة. [c1]رؤية الشعوب لتاريخها[/c]وهذا مما جعل الدكتور قاسم عبده قاسم يؤكد أنّ الموروث الشعبي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ الاجتماعي فهو يعد مرآة صادقة تعكس مشاعر الناس على تباين حظوظهم الثقافية ، واختلاف مشاربهم الاجتماعية ، وتنوع أعمارهم .والحقيقة الذي يهمنا في هذا الصدد هو أن الموروث الشعبي الحضرمي لعب دورا هاما وبالغا في تشكيل عقول ونفوس الناس وخاصة العامة منهم بأن صاحب القبر الموجود في وادي برهوت في شرق الأحقاف بحضرموت مدفون فيه النبي هود - كما أشرنا في السابق - والأحرى أن نقول أن الموروث الشعبي الحضرمي رسم على مسرح أحداث شرق الأحقاف بحضرموت في وادي برهوت روايات مثيرا للغاية بأن جعل منطقته تصبغ بالون الروحي وتتلفع برداء القداسة عندما أكد بوجود قبر النبي هود في منطقته . وكأن الموروث الشعبي يرد على المؤرخين المتغطرسين الذين لا يرون سوى أعمال الملوك , والقياصرة ، والحكام ولا يلتفتون إلى العامة من الناس . فكانت الحكايات الشعبية والتي هي جزء من نسيج الموروث الشعبي ونبض قلب العامة من الناس - كما أسلفنا - ومع مرور الوقت صار الموروث الشعبي من المصادر الهامة الذي اتكأ عليه المؤرخين والباحثين في دراسة التاريخ الاجتماعي وفي هذا يقول الدكتور قاسم عبده : “ ... لم تعد الحوليات والمدونات التاريخية والوثائق والآثار هي المصادر (( المحترمة )) الوحيدة في عيون المؤرخين ، وإنما صارت (( القراءة الشعبية للتاريخ )) . أي رؤية الشعوب لتاريخها وتفسيرها له - من أهم مصادر المؤرخين المشتغلين في مجال دراسات التاريخ الاجتماعي “ . ويضيف قائلا : “ وصار (( الموروث الشعبي )) بكافة أجناسه القولية والشكلية ، مادة ذات وزن كبير يقيم عليها دارسو التاريخ الاجتماعي دراساتهم “ . ويضيف قائلا : “ وكان هذا التطور قائما على فكرة منطقية مؤداها أنه ليس من المعقول ، أو المقبول ، أن ندعي أننا نفهم مجتمعا ما دون أن نعرف كيف يرى أبناء هذا المجتمع أنفسهم في مرآة الزمان ، وما تفسيرهم لأحداث تاريخهم “ . [c1]المصادر الشفوية [/c]قبل أن نحمل عصا الترحال ( البعثة المصرية للعمارة الإسلامية وأنا ) من تريم إلى قبر النبي هود في الأحقاف بأيام قليلة . تحدث إلينا بعض الناس المطلعين على الأحداث التي وقعت في المكان الذي يوجد فيه القبر . واستندت أقوالهم على الروايات والشفوية التي تناقلها الناس من جيل إلى جيل آخر . فتقول بعض الروايات انه كل مئة عام يحدث في مكان القبر شيء عجيب وهو أنه يخترق السحب الكثيفة عمود نور ضخم متجه صوب القبر . وأنه يخرج من جوانب القبر المختلفة ومضات نور قوية تكاد تخطف الأبصار . وهذا يحدث - كما تروي الروايات الشفهية - كل مائة عام - كما قلنا سابقا - . وعندما تحدثنا مع أحد الطاعنين في السن في تلك المسألة أكد لنا ذلك الخبر , وكأنها من الأمور الحقيقية والواقعية التي لا تقبل الشك . والحقيقة أن ما يعتقده الناس في حضرموت اعتقادا جازما أن قبر النبي هود يرقد في شرق الأحقاف سبب ذلك يعود إلى إضفاء نوعا من القداسة والأهمية التاريخية على منطقتهم - كما ذكرنا سابقا - . [c1]مدفونا في حضرموت[/c]وفي الحقيقة أن ما عرضناه من آراء ، وأفكار ، وأقوال حول مكان قبر النبي هود الغاية منه هو الوصول إلى أقرب نقطة من قلب الحقيقة التاريخية . ولقد عرضنا في السابق الآراء والأفكار وهي الأشمل الأغلب التي ترى أن القبر موضعه في شرق الأحقاف في وادي حضرموت . وهناك رأي آخر عرضناه وهو أنه يرى أن قبر النبي هود في الشحر - كما جاء في تفسير أبن كثير - . وعلى الرغم من تباين الآراء والأقوال حول مكان القبر سواء في شرق الأحقاف أو في الشحر . فإن المؤرخين المحدثين والباحثين الحاليين يجمعون أن قبر النبي هود مدفونا في حضرموت وأنه لم يخرج عن تلك المنطقة . وحتى تلك اللحظة مازال النقاش والجدل حاد بين الأنصار المؤيدين بأن القبر الماثل للعيان والذي يطفو على وجه منطقة الأحقاف مدفون فيه النبي هود - عليه السلام - والبعض الآخر يشكك بأن ذلك القبر ليس في داخله جثمان النبي هود , وإنما تم بناء القبر في عصر متأخر ليكسب المكان القداسة الدينية . ولكن يؤكدوا أن النبي هود مدفوناً في مكان ما من حضرموت .[c1]شعب نبي الله هود [/c]وقلنا سابقا أن أهل حضرموت ومن بينهم كبار العلماء أمثال العلامة عبد الرحمن السقاف متشبثون بأن النبي هود مدفونا في شرق الأحقاف وأن في تلك المنطقة الذي فيه قبره ينبعث منها روح وريحان ، والضياء والنور يملئان كل مكان . وفي هذا يصف المكان الذي فيه القبر، فيقول : “ هو شعب متقد بالنور ، فياض بالسرور ، شبيه بمنى من حيث الاجتماع ، والبهجة والدور ، فلا بدع أن يجيء فيه موضع قول الشريف الرضي : “ فوا لهفي كم لي على الخيف شهقة تذوب عليها قطعة من فؤاديا “ .ويعقب العلامة عبد الرحمن السقاف على ذلك البيت من الشعر ، فيقول : “ وكيف لا يكون كذلك ، وهو مهبط وحي ، ومعقل نبوه ، ومختلف ملائكة ، ومتنزل سكينه . وقد دللت بالأصل على وجود نبي الله هود في حضرموت بالدلائل المجلوه ... “ . ولقد أكد عبد الرحمن السقاف أن قبر النبي هود من المحتمل أن يكون في الشحر , فهو ينقل عن الهمداني ، بقوله : “ أن قبر هود - عليه السلام - بالأحقاف بموضع يقال له الحفيف في الكثيب الأحمر “ . ويضيف قائلا : “ أن ( شعب هود ) داخل في مسمى الشحر “ . كل تلك الروايات الذي رواها علماء حضرموت تدخل ضمن الموروث الشعبي الحضرمي الموغل في القدم [c1]وادي برهوت والحكايات الشعبية [/c]وادي برهوت الواقع في شرق الأحقاف بحضرموت والذي يقع بالقرب منه قبر النبي هود نسجت حوله الكثير من الحكايات الشعبية الشفهية التي تناقلها الأجيال من جيل إلى جيل . فالحكاية أو الحكايات الشعبية تروي عنه أنه مكانا غريبا ومن يقترب منه يختفي في الحال . ويصفه العلامة عبد الرحمن السقاف في كتابه (( إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت )) ، فيقول “ وحدثني من سار إلى بيره المشهورة , وقال إنها عبارة عن غار يضيق تارة ويتسع أخرى ، وهو مظلم وفيه روائح منكرة , ولما انتهينا إلى حيث انطفأت السرج لم نجسر على التقدم ....”. أما أبن كثير فقال عن وادي برهوت أن الأخباريون يقولون عنه أنه مكانا لا يستطيع بشر الاقتراب منه ومن يحاول التقدم نحوه تتخطفه الجان فيهوى في مكان سحيق من قاع البئر ، فيختفي عن الأبصار. [c1]في منتصف شعبان[/c]وفي النصف من شعبان من كل عام تقام الاحتفالات بجانب قبر النبي هود وذلك بعد أن يفرغ الناس من جني ثمرات التمر من أشجار النخيل , وتعبئته . وفيها تقام مسابقة الهجن (( الجمال )) . وتقام أيضا الكثير من الأعراس بتلك المناسبة . وتموج الحركة والنشاط والحيوية بجانب القبر لمدة أيام يصير الليل إلى نهار مشرق ومضيء .[c1]المراجع : [/c]القاضي محمد بن أحمد الحجري ؛ مجموع بلدان اليمن وقبائلها : تحقيق وتصحيح ومراجعة القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ، المجلد الثاني - الطبعة الأولى 1404هـ / 1984م . منشورات وزارة الإعلام والثقافة - صنعاء - . صالح الحامد ؛ تاريخ حضرموت ، الجزء الأول ، الطبعة الثانية 1423هـ / 2003م م . مكتبة الإرشاد - صنعاء - الجمهورية اليمنية ، توزيع مكتبة تريم الحديثة - تريم - حضرموت - .سعيد عوض باوزير ؛ صفحات من التاريخ الحضرمي ، مكتبة الثقافة - عدن - . سالم علي عبد الله الجرو ؛ بلاد الأحقاف رموز وكنوز ، الطبعة الأولى 1421هـ / 2001م ، مكتبة التراث الإسلامي - الرياض - المملكة العربية السعودية - . ابن كثير ؛ قصص الأنبياء ، تحقيق : أبو عبد الله سيد توفيق ، الطبعة الأولى 1418هـ / 1997 م ، دار العلوم العربية - القاهرة - مصر العربية . الدكتور قاسم عبده قاسم ؛ بين التاريخ والفولكلور ؛ الطبعة الثانية 2001 م ، الناشر : عين للدراسات والبحوث الإنسانية و الاجتماعية - مصر العربية - .العلامة المؤرخ عبد الرحمن حسن السقاف ؛ معجم بلدان حضرموت (( المسمى إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت )) ، تحقيق : إبراهيم أحمد المقحفي ، الطبعة الأولى 1423هـ / 2002 م ، مكتبة الإرشاد ، صنعاء - الجمهورية اليمنية - .محمد عبد القادر بامطرف ؛ الجامع ، الطبعة الأولى 1424 هـ / 2003 م ،الناشر : الهيئة العامة للكتاب - صنعاء - الجمهورية اليمنية - .
|
تاريخ
قبر النبي هود بين التاريخ والفلكلور
أخبار متعلقة