ستيفاني دوريك :يدعي حوالي 70 بالمائة من الأستراليين أن لديهم نوعا من الانتماء الديني. وفي الواقع، لا يزال الدين يمثل قوة عالمية واضحة. فالدين يشكل هوية شخصية وجمعية، وبشكل خاص أكثر، يحدد كيف ننظر إلى “الآخر” وكيف نتعامل معه.الأديان العالمية، الرئيسة والثانوية، كانت ممثلة جيدا في ملتقى أديان العالم، الذي أختتم فعالياته الأسبوع الماضي بمدينة ملبورن - أستراليا، رغم أن المشاركين ربما لا يمثلون كل شعوب العالم. كان المنظمون، الذين مقرهم في شيكاجو ويعقدون مثل هذه المهرجانات الدينية الدولية الطموحة كل خمس سنوات، يأملون في حضور (10 آلاف شخص) فخلال أسبوع مزدحم بالفعاليات، حضر حوالي ستة آلاف شخص، لكن المتحدثين أو المشاركين من أفريقيا، وآسيا وحتى أوروبا، كانوا قليلين بشكل لافت.مجموعة أخرى، أو جماعات أكبر، كان غيابها واضحا. إنهم المتعصبون، أو المتطرفون دينيا. فقد وقف عدد أقل من الأشخاص في الخارج، يحملون (يافطات) تؤكد للمشاركين أن (عيسى) هو السبيل الوحيد، لكن معظمهم لم يقتربوا من مكان الملتقى. هناك تاريخ شاق وطويل لغياب هذه الجماعات المتكرر عن مثل هذه الفعاليات. وفي الواقع في كل الأديان، وأحيانـا بين الطوائف ضمن دين واحد، يسود اعتقاد مفاده أن ثقافات الإيمان الأخرى لا يمكن أن تسمى “دينية” أو “أديانا” لأنها خاطئة كليا. وفي ضوء هذه الرؤية، ليس واردا أن يكون هناك حوار أو تفاهم لا ينبثق عن حوار أو عبادة مشتركة، وليس سرا أن طاقة الإنسان لتزكية ذاته تبلغ ذروتها حول الدين.ذاك هو الجانب المعتم من العاطفة والتوسع والطموح، الذي يمكن أن يقدمه الاعتقاد الديني بمختلف أنواعه. لكن الدين لا يتعلق بالاعتقاد فقط، فالاعتقاد والطبيعة الخاصة لتلك الاعتقادات تشكل هوية. والهوية، بدورها تحدد كيف يتصرف الناس، وكيف سيبررون تصرفاتهم. إنها تلك القوة الكامنة، وغالبا المزيج الواعي جزئيا فقط، الذي يجعل أي صراع سياسي مبتلى بتعصب ديني، خطيرا بشكل كبير جدا. كما يجعل الناس العقلانيين أيضا غير منطقيين بشكل ملحوظ عندما يشعرون بأن معتقداتهم مهددة.يظل الدين، بالنسبة لكثير من الناس، مسألة خاصة. لكن تبعاته الاجتماعية ليست كذلك. السؤال المخفي في كل الجلسات، كان : كيف يمكن أن يغير الناس المتدينون رؤيتهم إلى نظرة لا تتبنى اختلافـا بل تسمو فوقه، وليس من أجل “الآخر” فقط، بل أيضا من أجل سلامة الذات والمحافظة عليها؟ وهذا لا يعني إزالة الاختلاف. بل زوال خوفنا منه، إنه يعني التفكير بشكل مختلف حول الاختلاف نفسه.هناك، في هذا المجال، تاريخ طويل، كل دين من أديان العالم يدعو إلى الرحمة غير المشروطة والتعجيل بإقامة السلام. سوامي فيفيكانادا صعق الحشد المسيحي الكبير في بداية هذه الملتقيات، عام 1893م، عندما دعا إلى (قبول عالمي لكل الأديان) كهدف روحي، مصرحا بجرأة أن الطائفية والتعصب قد “ملآ الأرض بالعنف، وضرجاها مرارا وتكرارا بالدم البشري”. الرحمة غير المشروطة تبقى التحدي الحاسم في القرن الـ 21 الديني والحياة الدينية؛ لأن في السلام، وغالبا في ظل تبريرات لاهوتية مسهبة، فإن مفاهيم “الجار” و”الآخر” لا تزال محدودة بشكل صارم جدا.عالم اللاهوت السويسري، هانس كونج، أنفرد بالقول: “لن يكون هناك سلام في العالم حتى يكون هناك سلام بين الأديان”. وكان المتحدثون المسلمون واليهود بليغين بشكل استثنائي بالقول إن السلام والتعاون المشترك يجب أن يقوم على أساس التجارب المباشرة، بما في ذلك الترحيب الكريم، ليس بالناس فقط، بل أيضا بالأفكار، التي ربما تبدو غريبة في البداية. ومثل كثير من المتحدثين، كان كونج في هذا الملتقى يحلل مشكلة اجتماعية عالمية من منظور أخلاقي ديني. وقدم من جانبه، مفهوم أخلاق اقتصادية عالمية، كان قد قدم بداية في الأمم المتحدة منذ شهرين فقط. نظرية كونج اللاهوتية مسيحية، ورأيه ليبرالي يؤمن بضرورة استيعاب الجميع. وفي هذا الملتقى الديني لم يكن الوحيد الذي تبنى هذا الموقف.الحاخام مايكل ليرنر، محرر مجلة “تيكون”، الذي يصف نفسه بأنه متدين تقدمي، تحدث بإسهاب عن الحاجة لرؤى جديدة من شأنها أن تشكل أفعالا جديدة. من ضمن ما قال : “لن اقبل في حياتي، بعد الآن، رؤية مشكوكا فيها لما يمكن أن تكون عليه الحياة”. سوامي أجنيفيش، رئيس حركة إصلاح هندوسية وناشط في مجال استعباد الأطفال، تساءل عن تدين كثير من المتدينين: “هل يعبدون الإله، أم يسعون في سبيل التحول الروحي، أم أن أيديولوجيتهم الدينية، هي التي تجعلهم في العبودية؟.طرح أجنيفيش السؤال الذي يصنف هذا كتحد روحي : “إلى أي مدى تساعدني معتقداتي على الارتقاء ذاتيا، وأن أرتبط بالآخرين كجزء مني؟”. لفت المشاركون الانتباه مرارا إلى الحاجة للتعاون الديني بين الأمم ذات الأديان المختلفة وبين الشعوب ذات الدين الواحد، بشكل قوي، كما هو الحال في أي عمل معاصر حول تغير المناخ، وبالقدر المطلوب تماما.هذه تغيرات سوف تتوقف على التواضع، بقدر ما هي رؤية: الاعتراف بتكاليف الصراعات الدينية، مواجهة التحيزات التي تهمش النساء والسكان الأصليين في الممارسة الدينية التقليدية، إقرار قضايا مشتركة، والعيش وفق نظم أخلاقية مشتركة. إضافة إلى هذه التغيرات ودعمها، ستكون هناك إيماءات وخبرات متزايدة، ليس حول نظرية دينية مشتركة، بل احترام ضروري لتطلعات روحية عميقة ومشتركة.[c1]*(صحيفة “ناشيونال تايمز” الأسترالية . ترجمة : عبدالسلام القراري - سبأ)[/c][c1]* ولدت في نيوزيلاند، وعاشت في بريطانيا، وتقيم في أستراليا منذ 1983م.[/c]
|
فكر
الصراع السياسي المبتلى بتعصب ديني يمكن أن يكون محرقا
أخبار متعلقة