دمشق / متابعات :تتسابق الفضائيات العربية هذه الأيام في تقديم الانتاج الدرامي في شهر رمضان المبارك. ويتميز الموسم الحالي بتراجع حدة التنافس بين الدراما المصرية والسورية، بعد أن تعرضت هذه الأخيرة لعدة أزمات، جعلت القائمين عليها يعيدون حساباتهم خوفا على مستقبل هذه الصناعة التي تشكل دخلا قوميا جيدا بالنسبة لسوريا. ويشهد العام الحالي تراجعا كبيرا في الإنتاج الدرامي السوري، حيث لم يتجاوز عدد المسلسلات المنتجة لهذا العام أكثر من 25 عملا، في حين كان عدد الأعمال المنتجة في العام الماضي حوالي 50. ولعل لقاء الرئيس السوري بشار الاسد بالفنانين السوريين من مخرجين ومنتجين كان تعبيرا واضحا عن اعتزاز بالدراما وقلق عليها في آن. ويرد البعض تراجع الإنتاج الدرامي إلى عدة أسباب يأتي في مقدمتها عدم وجود آلية مشتركة بين شركات الإنتاج الدرامي السوري لترويج وتسويق أعمالها، حيث تعمد بعض الشركات الكبيرة إلى تسويق أعمالها في عدد من الفضائيات حتى قبل بدء إنتاجها، معتمدة على علاقاتها الواسعة في هذا المجال، في حين تتعرض الشركات الوليدة لأزمات متعددة تتعلق بمستقبل نتاجها الدرامي، والذي غالبا لا يجد طريقه إلى التسويق، ما يوقع الشركة المنتجة في أزمة قد تؤدي إلى توقفها عن الإنتاج. وفي حين يلجأ قطاع الانتاج المصري المدعوم من الحكومة الى تسويق الاعمال والترويج لها بشكل فعال، تبدو ادارات الاعلام السورية عاجزة عن تقديم أي دعم للدراما السورية وهو ما دعا الرئيس الاسد الى التدخل شخصيا والايعاز للتلفزيون السوري بشراء المسلسلات السورية وعرضها. وإذا كان بعض المخرجين السوريين قد حصل في الماضي على دعم غير مسبوق من شركات إنتاج أو فضائيات عربية معروفة، فإن أغلب الفضائيات العربية امتنعت في العام الحالي عن شراء الأعمال السورية، إما بسبب الظروف السياسية الراهنة أو بسبب ضعف مستوى بعض الأعمال المنتجة، إضافة إلى انتعاش سوق الدراما الخليجية التي بدأت تفصح عن نفسها لتنافس سابقتيها، الدراما المصرية والسورية، دون أن ننسى حالة النزوح الكبير الذي تعاني منه الدراما السورية في هذا الأيام، حيث هاجر أغلب النجوم السوريين إلى مصر مدفوعين بالإغراءات المادية والشهرة، الأمر الذي جعل البعض يصف الدراما السورية بأنها أصبحت بلا نجوم.
الدراما السورية
[c1]بانوراما رمضانية حافلة رغم قلة الإنتاج [/c]غير أن بعض المتفائلين بمستقبل الدراما السورية، يجد في هذه الأزمة الحالية فرصة جيدة للقائمين على الدراما السورية لمراجعة أوراقهم بشكل أفضل، والبحث عن كيفية الخروج من هذه الأزمة، من خلال الاعتماد على التمويل الذاتي وضرورة دعم الحكومة السورية لصناعة الدراما، عن طريق حمايتها في الخارج وإنشاء فضائيات سورية خاصة لتستوعب الإنتاج المحلي، إضافة إلى إعادة النظر في دخل الفنان السوري ليتساوى على الأقل مع دخله في بقية الدول العربية بهدف الحد من حالة النزوح الحالية. وإذا نظرنا بعين المتفائل إلى مستقبل الدراما السورية، فإن الموسم الحالي يشهد تنوعا كبيرا في الأعمال الدرامية، رغم قلتها قياسا بالسنوات السابقة، حيث تحتل الأعمال التراثية جانبا لا بأس به من الخارطة الرمضانية لهذا العام، وتطالعنا بمسلسلات عن البيئتين الشامية والحلبية بعاداتهما وتقاليدهما القديمة والراسخة. ويشكل مسلسل "باب الحارة" للمخرج بسام الملا خير مثال على ذلك، حيث تدور أحداثه في عشرينات القرن الماضي، ويسلط الضوء على نضال المجاهدين ضد الاستعمار الفرنسي ويؤرخ في سياقه العام لمرحلة جديدة من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدمشقية في ذلك الوقت. وفي ذات السياق يقدم المخرج سيف الدين سبيعي عملا جديدا بعنوان "الحصرم الشامي"، غير أنه يختلف عن سابقه في كونه "يجسد الصورة الحقيقية لدمشق في القرن الثامن عشر بعيدا عن الفلكلور والصورة الجميلة التي قدمتها بعض المسلسلات عن تلك الفترة"، كما يؤكد المخرج، مشيرا إلى أن العمل يسلط الضوء على الواقع الاجتماعي السيء الذي كان يعاني منه أهل دمشق في ظل الصراع القائم بين قطاّع الطرق والحكام في ذلك الزمن. وإذا بقينا في إطار الدراما الشعبية أو التراثية فإننا سنشهد عملا آخر لا يقل أهمية عن العملين السابقين، غير أنه يختلف عنها في تناوله للبيئة الحلبية وتقاليدها الموغلة في القدم، هذا العمل الذي يتصدى لإخراجه رضوان شاهين ويعنونه بـ "كوم الحجر" يتيح للمشاهد التعرف على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي لمدينة حلب بين عامي 1932 و1936 وهي الفترة التي عانى فيها الشعب السوري الكثير من الظلم والاستبداد إبان الانتداب الفرنسي، وشهدت تلك الفترة سيطرة كاملة لطبقة الإقطاع التي مارست الاستبداد على الطبقة الفقيرة وأرهقتها بالمزيد من الضرائب. [c1]رمضان بلا كوميديا سوريا [/c]يتميز الموسم الحالي بقلة الأعمال الكوميدية في الدراما السورية، بعد أن فرضت نفسها لعدة سنوات على المشهد الدرامي العربي، حيث يشهد هذا العام غيابا كليا للفنان ياسر العظمة وسلسلته الكوميدية "مرايا" التي حاول استبدالها بنموذج كوميدي آخر من خلال مسلسل "رجل الأحلام" الذي تعثر بسبب تعرض العظمة لعارض صحي، إضافة إلى انشغال مخرجة العمل رشا شربتجي بأعمال أخرى، كما أن سلسلة "بقعة ضوء" التي حققت نجاحا كبيرا من خلال انتقادها لظواهر اجتماعية بروح ساخرة، ستغيب عن خارطة الدراما السورية لهذا الموسم لأسباب تبدو مجهولة حتى الآن. لكن الأعمال الكوميدية السورية التي ألفها المشاهد العربي لسنوات عدة، عادت لتحفظ ماء وجهها، وإن بقدر أقل، بثلاثة أعمال هي: "رجل الانقلابات" و"كثير من الحب كثير من العنف" و"حارة ع الهوا". ويتحدث العمل الأول، الذي يخرجه سامي جنادي ويؤدي دور البطولة فيه الفنان أيمن زيدان، عن الفترة الزمنية التي عاشتها سوريا في خمسينيات القرن الماضي والمعروفة بـ "فترة الانقلابات" وذلك ضمن إطار الكوميديا السوداء، حيث تقود الظروف رجلا مجهولا يدعى "أبو حسنا" ليصبح من أشهر الشخصيات السياسية، بسبب الإشاعات التي تثار حول مشاركته بالانقلابات، رغم عدم معرفته بالسياسة. فيما يتحدث العمل الثاني، الذي كتبه محمد أوسو ويخرجه فهد ميري، عن المفارقات التي تحدث في الحياة اليومية، حيث يبذل بعض الأشخاص جهودا كبيرا للحصول على أشياء صغيرة، في حين ينالها الآخرون دون أي جهد يحكي، ويتحدث العمل بمجمله عن الواقع الحياتي للطبقة الفقيرة وهمومها، فالشاب "هارون" الذي يضطر للعمل في السرقة، يعاني من نبذ المجتمع له، إضافة إلى حياته الأسرية الممزقة وما تحويه من أعباء، يحاول التخلص منها بزواجه من قريبته "سونيا"، ليخلصها من الفضيحة التي لحقت بها بعد حملها من الزبال. ولا يختلف العمل الثالث عن سابقه من كونه يطرح قضايا اجتماعية ملحة في إطار كوميدي، ويؤكد كاتب العمل ومخرجه "زاهي وهبي" أنه "عمل اجتماعي ذو طبيعة كوميدية يتحدث عن حارة شعبية تحوي عددا من المشاكل العامة التي نلاحظها في جميع الأحياء الأخرى، وخاصة تلك التي تتعلق بالتسلط الاجتماعي وتدخل الناس بحياة بعضهم البعض، حيث نلاحظ أن بطل العمل "أبو وديع"، الذي يؤدي دوره الفنان بسام كوسا، يتدخل في حياة أهل الحارة، وهو صراع بين رجل محافظ يريد أن تبقى الحارة محتفظة بتقاليدها القديمة، وجيل جديد يعشق التغيير." [c1]انتعاش الدراما الاجتماعية والبوليسية [/c]أهم ما يميز الموسم الدرامي السوري هو احتواؤه على عدد كبير من الأعمال الاجتماعية الناقدة وذات الطابع البوليسي، والتي شهدت تراجعا ملحوظا في السنوات السابقة لصالح الأعمال الكوميديا والتاريخية، غير أنها عادت استعادت مجدها الغابر بعد تراجع هذين الأخيرين، وربما يعود السبب للنجاح الذي أصابته أعمال اجتماعية تحتوي على جرعة كبيرة من النقد مثل "أسياد المال" للمخرجة يوسف رزق و "غزلان في غابة الذئاب" للمخرجة رشا شربتجي، الذين حققا حضورا لافتا على أغلب الشاشات العربية، حيث أثار هذا الأخير جدلا واسعا في المجتمع السوري بعد تناوله لقضايا اجتماعية حساسة لم يعتد الجمهور العربي عامة والسوري بشكل خاص على مشاهدتها في الدراما. ويعد مسلسل "ممرات ضيقة" للمخرج محمد شيخ نجيب من أهم الأعمال الاجتماعية السورية الحالية وأكثرها جرأة، حيث يتجول المخرج بكاميرته في عدد من سجون النساء في سوريا ليروي لنا قصصا في غاية الأهمية تتعلق بالجانب الإنساني لبعض السجينات والظروف التي قادتهن إلى هذا المصير البائس. ويتميز العمل الذي كتبه فؤاد حميرة ويشارك فيه نخبة من نجوم الدراما السورية منهم منى واصف وعباس النوري وجهاد سعاد وكاريس بشار، بمناقشته لفكرة الممرات الضيقة التي تدفع المرأة للقيام بسلوك معين نتيجة ضغط من الرجل سواء أكان أبا أو زوجا أو أخا، من خلال عرضه لمجموعة من القصص المتشابكة لنساء دخلن عالم الجريمة والرذيلة نتيجة الظروف القاهرة التي فرضها المجتمع عليهن. في المقابل يتابع المشاهدون مصير النجم بسام كوسا في الجزء الثاني من مسلسل "عصر الجنون" للمخرج مروان بركات حيث ينتهي به المطاف أخيرا إلى السجن ويتابع المخرج تعريته للمجتمع السوري من خلال تسليط الضوء على المشكلات الأخلاقية والآفات التي تنتشر بين مختلف طبقات المجتمع في ظل غياب الوعي والرادع الأخلاقي. من جانبه يقدم المخرج نبيل شمس قراءة مبسطة لأسباب نشوء الجريمة في مسلسل "جريمة بلا نهاية"، من خلال بحثه في الظروف التي تقود الشباب نحو عالم الجريمة، بسبب الضغوط التي تمارس عليهم من قبل المجتمع. وتبدأ أحداث العمل عندما يقرر "ليث" و"رشا" الزواج، وعلى أثر ذلك يستدين "ليث" من عائلة مبلغ 150 ألف ليرة لتغطية تكاليف الزفاف، لكن سكان المنزل يستيقظون في اليوم الثاني ليجدوا "ليث" مقتولا، ويتم اتهام خطيبته "رشا" بقتله بعد أن يجد رجال الأمن المبلغ في غرفتها، لكن الضابط المكلف بالتحقيق يكتشف أخيرا الحقيقة بعد أن يتهم جميع سكان المنزل بالجريمة، لأن لكل منه مبرراته العاطفية والنفسية للقيام بها. في ذات السياق تدور أحداث مسلسل "الهاربة"، الذي أخرجه زهيرة قنوع وهو باكورة أعمال شركة سنا التي أسستها مؤخرا الفنانة سوزان نجم الدين، حول مصاعب الحياة اليومية التي تدفع أحد الأشخاص للقيام بجريمة قتل، تستدعي محاولة اكتشاف الجريمة في إطار بوليسي معاصر لا يخلو من الإثارة والتشويق. [c1]بين التاريخ والفانتازيا [/c]رغم قلة الأعمال الدرامية السورية في هذا الموسم، إلا أن بعض المخرجين السوريين حاولوا المزج بين الواقع والخيال أو بين التاريخ والفانتازيا ليخرج للنور عمل جديد يحمل روح التاريخ بقالب معاصر لا يخلو من مفارقات كوميدية تنشأ من صعوبة المزاوجة بين المفهومين، في حين لجأ آخرون إلى استحضار التاريخ ليحسم قضايا أثارت جدلا كبيرا في العصر الحالي، وهذا ما فعله نجدت أنزور في عمله الجديد "سقف العالم". ويروي العمل الذي كتبه حسن م. يوسف مغامرة مليئة بالأخطار والمفاجآت لكاتب عربي شاب من بغداد (أحمد بن فضلان)، يوفده الخليفة المقتدر بالله ضمن سفارة إلى بلاد الصقالبة البلغار التي تقع على شاطئ نهر الفولغا، وفي طريقه تمر قافلته بمستعمرة لرجال الشمال الذين يرغمونه على مرافقتهم إلى بلاد الدانز (الدنمارك) ليخوض معهم معركة ضد الفاندلز (أكلة لحوم البشر). ويؤكد أنزور أن عمله هذا يشكل ردا حضاريا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول التي نشرتها بعض الصحف الأوروبية، مشيرا إلى أنه يريد إجراء مقاربة موثّقة من قبل شاهد عيان لمجتمعين قبل ألف عام، مجتمع الشماليين (الدنماركيين) الوثنيين البدائيين ومجتمع العرب المسلمين الذين نشروا الثقافة والتسامح في العالم. في مستوى آخر يحاول المخرج عامر فهد في عمله الجديد "الليلة الثانية بعد الألف" الاستعانة بالتراث الحكائي لألف ليلة وليلة، لطرح مشكلات العصر الحالي بقالب كوميدي ساخر، حيث يستيقظ شهريار وشهرزاد في الليلة الثانية بعد الألف ليجدا نفسيهما في القرن الواحد والعشرين بما يحويه من مشاهد قتل ودمار ، فيقرر شهريار أن يحول قصره إلى مدينة فاضلة مليئة بالحب والجمال والأمان والسلام، غير أن محاولته تبوء بالفشل لتبقى مدينه مجرد حلم في الذاكرة. ويؤكد فهد أن عمله يقدم رؤيا نقدية للعصر الذي نعيش فيه، ويركز على بعض الأحداث المؤثرة فيه عبر حلقاته المستقلة كل منها بموضوع ذات مذاق خاص ورؤية مشوقة تهم كل من سمع ألف ليلة وليلة، فبالنهاية كل امرأة هي شهرزاد وكل رجل هو شهريار حتى وإن اختلفت الظروف. في المقابل يحاول المخرج غسان عبد الله تسليط الضوء على سيرة الصحابي الجليل خالد بن الوليد منذ بداية الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس وانتهاء بفتح القدس وتسليم المفاتيح إلى الخليفة عمر بن الخطاب (ر)، ويركز العمل على الجوانب الإنسانية عند الصحابة، والإبداع العسكري عند القائد خالد بن الوليد، إضافة إلى الأخلاق والقيم الإسلامية النبيلة. فيما يقدم المخرج رامي حنا في عمله الجديد "عنترة بن شداد" قراءة تاريخية جديدة لسيرة هذا الشاعر العربي الكبير، من خلال الدمج بين السيرة الشعبية والمراجع التاريخية، بهدف إيجاد حلول منطقية لشخصية عنترة الذي تصوره الحكاية الشعبية بأنه بطل أسطوري لا يمكن هزيمته. ويحاول العمل، الذي حظي بمشاركة عربية واسعة، تقديم رؤية مختلفة لشخصية عنترة، تتلخص بأن البطل (عنترة) حين يستعيد حريته يعجز عن تحقيق مشروعه الذي يهدف إلى تحرير جميع العبيد والمستضعفين في الأرض، ليتحول بالمقابل إلى شخص عادي يسعى نحو أمجاد شخصية.