يبني حياة جديدة في شمال أفريقيا بعيدا عن الأنظار
[كشف تقرير لصحيفة «التايمز» اللندنية أن تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية الإرهابية التي تعرضت للهزيمة في العراق وأفغانستان، انتقلت بسرية إلى مناطق تمركز قوية جديدة، فقد عاد بعضهم إلى أوطانهم واستأنفوا حياتهم العادية حتى إشعار آخر. بينما بحث الآخرون عن أماكن جديدة يتابعون منها حربهم، وانتهوا إلى اليمن وأفغانستان وباكستان والهند وتايلاند، وعملوا على إعادة إشعال نار الجهاد. والحقيقة أن شمال أفريقيا قد اجتذب أكبر عدد من أولئك العائدين. ووفق ما يتردد في الأوساط الجهادية، والذي أكده المسؤولون والمحللون، فهناك شكل جديد من الإرهاب يظهر في ليبيا، وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا - تلك الدول التي تسمى دول المغرب العربي، ولكن الأمر أكثر خطورة في كل من الجزائر والمغرب.عودة شبح الارهاب إلى جزائر ضرب الإرهاب الجزائر منذ عام 1986. حيث تأججت نار العنف لمدة سبع سنوات بواسطة جبهة التحرير الإسلامية في عام 1992، ولكن بحلول عام 2000، استطاع الجيش وجماعات من المواطنين المسلحين القضاء على جبهة التحرير الإسلامية وأفرعها التي تتبنى العنف. وفي عام 2008 أعلن الجهاديون الجزائريون الاندماج مع تنظيم القاعدة من اجل خلق قاعدة في بلاد المغرب العربي. ومنذ ذلك الحين، تلقوا أموالا طائلة وكميات كبيرة من الأسلحة من المتعاطفين مع تنظيم القاعدة في دول الخليج، لمساعدتهم على العودة بشكل قوي وعنيف.ووفق كل الحسابات، ربما تواجه الجزائر حلقة جديدة من الحرب ضد الإرهاب في الوقت الذي تواجه فيه مشكلات متزايدة اقتصادية وسياسية. وفي المرحلة الأولى من الحرب، لم يستخدم الجهاديون الجزائريون تكتيكات التفجيرات الانتحارية. و لكن في الشهور الأخيرة، نفذوا على الأقل أربع عمليات من هذا النوع، مما يشير إلى أنهم قد اتجهوا إلى استخدام نفس أسلوب تنظيم القاعدة. كما أنهم حاولوا قتل الرئيس بوتفليقة في أربع مناسبات مختلفة. وقد تم كشفت المؤامرة الأخيرة قبل قيام الرئيس بزيارة إلى أحد الأقاليم المحلية بأربع وعشرين ساعة.ومنذ أسابيع، قام الرئيس بوتفليقة بزيارة أحمد أويحيى، مهندس انتصار الجزائر على الإرهابيين، من أجل دعوته إلى رئاسة الوزارة مرة أخرى. وتشير عودته إلى أن سياسة تدليل الإرهابيين، التي كان يتبعها رئيس الوزراء الأسبق، عبد العزيز بلخادم، قد فشلت. كان المغرب ومنذ زمن بعيد من أكثر من الدول العربية والإسلامية اعتدالا وأمنا، ولكنه أصبح أقل حصانة أمام موجة الإرهاب في الآونة الأخيرة. ومن يبتعد عن المغرب ثلاث أو أربع سنوات ثم يعود سوف يندهش من التغيرات التي حدثت في المجتمع المدني المغربي. حيث تزايدت أعداد اللحى، التي هي من سمات أتباع تنظيم القاعدة، مع زيادة عدد العمامات التي تعد رمزًا للجهاديين الجدد، كما أن النساء اللواتي يرتدين الجينز أو التنورات القصيرة قد اختفين من الأماكن العامة في المغرب، مع اختفاء الملابس الملونة التي كانت تميز نساء البربر. والآن يمكن للشخص أن يرى عدد لا يحصى من النساء في ملابسهن السوداء المميزة، وتباع تلك الملابس التي تعد أحد الرموز الجهادية في أكشاك في الشوارع قامت بإعدادها السلطات المحلية. كما قلت الأماكن التي تقدم المشروبات الكحولية، وأصبحت هناك أماكن من المدن الرئيسية لا يدخلها السياح الأجانب. وخلال العام الماضي، تم القبض على حوالي ألف شخص لهم علاقة بالإرهاب بعد الهجمات التي أودت بحياة 60 شخصا على الأقل.وقد جاء قليل من أولئك الجهاديين من الأحياء المزدحمة الفقيرة والأمية. ولكن غالبية أولئك الذين تم القبض عليهم قد جاءوا عادة من عائلات الطبقة الوسطى الجيدة. وما يزعج بشكل كبير هو أن أعدادا كبيرة من أولئك كانوا ضباطا في الجيش والشرطة والأمن. ووفق ما ذكره أحد المسؤولين الكبار، فقد استخدم الجهاديون الجيش للحصول على التدريب العسكري , وقد اضطرت الحكومة إلى إلغاء نظام الخدمة العسكرية الإلزامية التي تلزم كل الذكور المغاربة بالالتحاق بالجيش لمدة عامين. كما حظرت الحكومة أيضا على الأشخاص العسكريين حضور التجمعات في المساجد.ويستخدم الإسلاميون المغاربة استراتيجية أكثر تعقيدا من نظرائهم الجزائريين.فأثناء إعدادهم للقيام بعمل إرهابي مسلح ، يقومون بتقديم الكثير من الخدمات الخيرية التي تفشل الحكومة في تقديمها مثل القروض بدون فوائد، والرعاية الطبية والمنح الدراسية ، ومساندة المتزوجين حديثا ومساعدة من يريدون قضاء شعيرة الحج. وتقدم كل تلك الخدمات تحت مظلة مؤسسة العدل والأعمال الخيرية، وهي فرع قديم من حركة الإخوان المسلمين.وللحركة الإسلامية المغربية وجهها السياسي، فحزب العدالة والتنمية هو نسخة من نموذج الحزب الإسلامي التركي، حيث أن مئات العاملين في حزب العدالة والتنمية المغربي قد تدربوا في تركيا. وكما فعل الحزب التركي قام حزب العدالة والتنمية المغربي بالمشاركة في الانتخابات وقدم نفسه على أنه النسخة الإسلامية من الأحزاب الديمقراطية المسيحية الأوروبية. كما أنه عمل على طمأنة الولايات المتحدة. حيث أن قادته قد تمت دعوتهم إلى زيارة واشنطن. وفي العام الماضي، عندما أراد الملك محمد السادس حظر حزب التنمية والعدالة، تدخلت الولايات المتحدة لكي تثنيه عن عزمه. وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقها حزب العدالة والتنمية العام الماضي في الانتخابات، فلم يحصل إلا على 47 مقعدا فقط من أصل 325 مقعدا في البرلمان المغربي.وتعمل الحركة الإسلامية المغربية كما لو كانت دمى تحركها قوى خارجية . فأصغر الجماعات وأكثرها خطرا وسرية هي جماعة المقاتلين الإسلاميين المغاربة، وهي جماعة موالية لتنظيم القاعدة والتي خططت لهجوم مدريد الإرهابي الذي أودى بحياة 191 شخص. ولعبة أخرى هي شبكة البضائع المهربة التي تشتري معظم إنتاج المغرب من الحشيش وتهربه إلى أوروبا. وتستخدم عوائد تلك العمليات في تمويل الجهاد.ووفق ما ذكره مسؤولون مغاربة، فإن هناك عدد غير معروف من الجهاديين من دول الخليج قد استقروا في مملكة المغرب خلال العقد الأخير من الزمن مكونين خلايا سرية. وقال بأنهم يعلمون بتواجدهم وقد تزوجوا من مغربيات وأصبح لهم ذرية. وبفضل ثرواتهم، استطاعوا تأمين شهرة لهم في المجتمعات التي استقروا فيها. ولكنهم يكونون جيشا خطرا على المغرب وأوروبا عبر البحر المتوسط. وعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة قد تم سحقه في العراق والسعودية وأفغانستان، فإنه يبني حياة جديدة في شمال أفريقيا بعيدا عن أنظار القوى التي يعتبرها أشد أعدائه.*[c1]موقع (إيلاف) الاليكترون[/c]