من أين ابدأ وماذا أقول؟؟ لست أدري!! لذلك لا ضير من الاعتراف انني مهما قلت فيه من ثناء واطراء فلن اوفيه حقه كاملا غير منقوص. نعم انها الحقيقة التي باغتتني على حين غرة .. حقيقة الموت التي افقدتني صوابي وأخرجتني من رشدي لانها حرمتني واحدا من اعز الاصدقاء واوفى الاصحاب وخير الزملاء ان لم يكن افضلهم على الاطلاق. ولامناص ايضا من البوح بان وقع الصدمة وهول الفاجعة اعجز اني عن القول فكلما حاولت الكتابة خانتني العبارات وخنقتني العبرات وتجددت في قلبي جروح الاحزان على فراق امي الحبيبة التي اختطفها القدرمني دون سابق انذار بعد اربعين يوما فقط من سفري وانتقالي مع اسرتي الصغيرة الى العمل في المملكة العربية السعودية الشقيقة، التي لم يمض على وفاتها الا عام ونصف عام فقط وكان ذلك في صباح يوم الثلاثاء 30|6|2009م .. كيف لا والراحل هذه المرة هو الحبيب والرفيق والصديق بكل ماتحمل الكلمة من معان ومضامين الذي عاد الى خالقه فجر يوم الثلاثاء 21|12|2010م _ ويالها من مصادفة عجيبة ان تموت الام الحنون والصديق الودود في يوم الثلاثاء الاسود الحزين_ !! انه توأم الكاميرا الصحفية المبدع الاول صاحب الحس المرهف والقلب الكبير جان علي عبد الحميد شهادات الذي كان لي خير ناصح ومعين منذ ان جمعتني الاقدار به مصادفة قبل نحو 14 عاما داخل سيارة اجرة في الطريق من شبوة الى عدن اثناء عودته من تغطية الاستعدادت والتحضيرات الاخيرة للانتخابات البرلمانية 1997م برفقة الاخ والزميل العزيز محمد عبد الواسع - اطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية- وقد لفت انتباهي اليهما الروح المرحة التي كانت تغلف الجدال والحوار الساخن الدائر بينهما ما دفعني الى التعرف عليهما فكانت صدفة هي خير من الف ميعاد وبعد ان علم بامري وانني ابحث عن عمل طلب مني وشجعني على تقديم ملفي الى قيادة المؤسسة وكان على راسها وقت ذاك الاخ محمد علي سعد ولم يخب ظن جان وتقديره فقد كانت الموافقة فورية على استيعابي وضمي الى طاقم ادارة التحقيقات الصحفية بنظام الاجر اليومي تحت قيادة الاخ المربي والاب الموجه المرحوم طه حيدر_طيب الله ثراه. ومنذ ذلك الحين حتى الايام الاخيرة قبل وفاته ربطتني بالفقيد جان صلة حميمة وعلاقة وطيدة ورافقني في معظم التغطيات الصحفية والمغامرات والبحث عن السبق في عدد من المحافظات بين القفار ووسط الصحاري والرمال وعلى القمم العالية فوق المرتفعات الشاهقة والجبال الشامخة وكان بالنسبة لي الاخ الذي لم تلده امي!! نعم كانت هذه مكانته في نفسي ومنزلته بين ارجاء قلبي وكان هو ايضا يراني كذلك لان المحبة المتبادلة التي زرعها الله في قلبينا كانت خالصة نقية من الشوائب بعيدة عن الاغراض الدنيوية والمصالح الانانية . طيلة تلك السنين لم يتركني جان وكان في السراء والضراء الى جانبي و في الافراح والاتراح اجده بجواري لم يبخل علي يوما بالنصيحة الصادقة التي تقود الى السلامة وبر الامان هو الوحيد الذي كان قادرا على اطفاء ثورة غضبي وكبح جماح غليان انفعالاتي وتهدئتي واعادتي الى جادة الصواب ببساطته وطيب معدنه وحلو منطقه وحميد سجاياه ودماثة اخلاقة.خبر وفاته المفاجئ الذي جاءني برسالة جوال من اليمن لا ادري من بعث بها معزيا نزل علي كالصاعقة الحارقة والزلزال المدمر ولم استطع ان اتمالك نفسي واسيطر على مشاعري وعجزت عن تحمل الصدمة ولم اصدق النبأ المحزن الا بعد ان هرعت الى جهاز الكمبيوتر وطالعت موقع الصحيفة على الانترنت ووقعت عيناي على النعي والى جانبه صورته الباسمة فاغرورقت عيناي بالدموع وصار قلبي يخفق كأنما يريد ان يقفز فزعا من بين الاضلاع.. لقد فرق الموت بيننا بعد ان عجزت الغربة والغيبة في المهجر ان تفعل ذلك فلم تنقطع الاتصالات بيننا التي كان آخرها في صبيحة يوم السبت 27|11|2010م حيث هنأني فيها باداء فريضة الحج وسلامة العودة الى اولادي متمنيا لي الشفاء العاجل من الاصابة التي لحقت بقدمي اثناء الحج ،والتي لازلت اعاني من آثارها حتى اليوم وما يزيد حزني واسفي على فراقه انني لم اعلم بالازمة القلبية التي المت به مؤخرا فاواسيه واشد ازره واخفف من آلامه واصبره على تحمل البلاء لانه كان بالنسبة لي وربما لأناس آخرين غيري يمثل فيض العطاء ونبع الحنان ومستودع الاسرار ومرسى الامان. في اجازتي التي قضيتها بين اهلي في عدن اواخر رمضان الماضي وعطلة عيد الفطر المبارك كانت لي ايام وساعات لاتنسى بصحبة جان كان من اجملها تلك التي جمعتنا على جسر كورنيش الشاطئ الذهبي،حتى في يوم عيد ميلاد ابني ابراهيم 25| 9| 2010م شاركني فرحتي وذهب معي بكاميرته ومعنا الاخ فهد محمود سعيد الى محل القبة الخضراء بخورمكسر لشراء الكيكة والتقط لنا صورا واهداها لي في (CD) بعد ان قام بعمل مونتاج بديع لها مع الموسيقى الكلاسيكية اما لقاؤنا الاخير فكان قبل سفري بيومين فقط واوصلته فيه الى كريتر وافترقنا هناك ولم نكن نتوقع مطلقا ان يكون اللقاء والوداع الاخير!! ابى جان ان يرحل الا بعد ان ترك بصمته في حياتي وذكرياته في وجداني وهي تطاردني في كل مكان. كثيرون لايعرفون جان المصور الصحفي الفنان والقلة القليلة هي من تعرف جان الانسان الذي استطاع بعزيمته الصلبة وارادته القوية وهمته العالية ان يبني بيديه والى جانبه حرمه المصون مملكته الخاصة وبيته الاسري عودا عودا ولبنة لبنة ، وهؤلاء هم الوحيدون الذين يدركون حجم المصيبة وفداحة الخسارة التي المت بهم وعمق الحزن الذي تركه في قلوبهم فقدان هذا الرجل العظيم عالي الهمة رفيع الشان كريم السجايا . فطب ميتا بعد انتقالك الى جوار ربك كما طبت حيا وانت بين اهلك ومحبيك وماهي الا ايام ونلتقي مجددا في الحياة الابدية التي ليس بعدها شقاء ولاموت ولا فناء. وداعا جان فبرحيلك ترملت الكاميرا وتيتمت الصور وانفطرت القلوب المكلومة وعزاؤنا الوحيد انك تركت فينا الكثير من المثل والقيم والمبادئ التي سنحملها من بعدك لتنير لنا الطريق مابقي فينا عرق ينبض!! .محبوب عبدالعزيز
وداعا جان .. يا نبع العطاء ومرسى الأمان
أخبار متعلقة