متابعة/ احمد علي عوض: إن قضية الاصطفاء بين البشر والمفاضلة بين أعمالهم الجليلة بمختلف الحقول والتخصصات بحاجة إلى دراسة تقييمية وتقويمية مستفيضة وجادة ترتكز على أسس وقواعد لا تنحصر بالزمان والمكان، كما تتطلب فرز محصلات نتائجها الإيجابية ومردودها العملي على أرض الواقع وفق معايير ومقاييس وافرة الخصائص والمقومات الفريدة والمتميزة، التي قلما تجدها مجتمعة عند غيرهم من البشر العاديين من ذوي الطاقات والهمم المحدودة، وتقدر بعظم المهام الجسيمة الملقاة على عاتقهم وما تحتاج إليه من عزائم تنوء بها الجبال، ترتبط بإمكانيات وقدرات خلاقة وبروح حيوية تنبض بالحياة على امتداد جميع مراحل العمر.ومن أولئك الذين حفروا أسماءهم في سجل تاريخنا المعاصر وحجزوا لأنفسهم مقعداً وضاءً بين موكب الخالدين المناضل عبدالسلام سيف آل سفيان الشرعبي النهمي المولود في محافظة تعز في العام 1934م، والذي يعتبر من الرعيل الأول لقوافل المناضلين الذين ارتبط تاريخ نضالهم بثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل تحرير الوطن ونيل الحرية وفقهوا معاني الملاحم البطولية وعانقوا أمجاد الانتصارات.لقب بالمصلي لكثرة تعلقه بالمساجد ومجالسة العلماء الأطهار الذين تغذى من موائدهم المعرفة الغنية والثرية وشرب من مناهل أخلاقهم النقية والصافية أسمى آيات القيم والمبادئ السامية، تميز بالتواضع وطيبة المعشر ودماثة الأخلاق ما جعله محط أنظار المعجبين بسلوكه الحسن ومستودع حبهم واحترامهم وتقديرهم العظيم له.نشأته الصالحة أسهمت في قدرته على إصلاح ذات البين بشفافية وحيادية وسعة صدر وحصنته من الانزلاق في مجهول الأفكار والنظريات اليسارية العوجاء وحمته من الوقوع في براثن التعصب الحزبي الضيق، لذا فقد مثل العامل المشترك لجميع معتنقي الأفكار المتباينة.تبنى العديد من الأعمال والأنشطة الخيرة على الجبهات حيث يرجع إليه الفضل الأول بعد الله سبحانه وتعالى في التأثير على العديد ممن وصلوا إلى أعلى هرم في السلطة اليوم وتشجيعه على التعلم وتقديم كافة التسهيلات لهم من أبناء مناضلي يافع وردفان والضالع بعد ان كان التعليم محظوراً عليهم.نال ثقة القادة السياسيين والعسكريين الميدانيين ما أهله لتقلّد العديد من المناصب الحربية الهامة والحساسة كان آخرها تعيينه مسؤولاً عسكريا ومالياً على جبهة ردفان، حيث كانت تربطه علاقات وطيدة ومتينة بزعماء الثورة وقياداتها أمثال المناضل سالم ربيع علي والمناضل علي ناصر محمد الذين زاراه في بيته والمناضل عبدالفتاح إسماعيل والمناضل علي عنتر والمناضل علي سالم البيض وغيرهم كثير ممن جمعتهم الأحداث والنوازل.يحتفظ ببعض الوثائق المتضمنة بعض المراسلات التي كانت تتم بينه وبين المذكورين سلفاً والمتعلقة بالمسائل المالية والخطط الحربية التي تحدد كيفية وموعد قيام العمليات البطولية وتحكي عن عقد صفقات لشراء الأسلحة من شمال الوطن وتهريبها إلى ساحة القتال وبعض الإعانات لأسر المناضلين والشهداء.. وتدرس تحركات بعض الزعامات على المسرح السياسي، أخذ بعضها الرئيس السابق علي ناصر محمد ليدعم بعض الأحداث المرصودة في كتابه عن تاريخ ثورة 14 أكتوبر وتوثيقها بالتاريخ واليوم والمكان.كما استعان بجزء من تلك الوثائق الأخ د. عبدالعزيز المقالح إبان شغله منصب رئيس جامعة صنعاء من خلال الاستدلال والاستشهاد بها لبعض الوقائع.كان أمله الوحيد قاصراً على عزمه تأليف كتاب تاريخي عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر لكن المنية وافته في صنعاء عام 97م قبل أن يستكمل المشروع.شارك في صنع الوحدة اليمنية المباركة عام 90م، ومن ثم عارض قيام حرب الانفصال حقناً للدماء البريئة، بل كان من المؤيدين بشدة لموقف الشرعية المتمثلة بفخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية.وبعد نيل الاستقلال في 30 نوفمبر1967م اتجه صوب العمل الاجتماعي والإصلاح بين الأسر وأفراد المجتمع من خلال انخراطه ضمن لجان الدفاع الشعبي في منطقة دار سعد.آثر تجنب العمل السياسي نظراً لما طفح على السطح من خلافات ومنازعات وصراعات بين الأطراف المتناحرة في الحزب الواحد والأحزاب الأخرى المختلفة المندرجة تحت مسمى (الجبهة القومية)، كما عمل في وظيفة بسيطة ومتواضعة في مستودع بمؤسسة 14 أكتوبر للطباعة والنشر تاركاً وراءه كل متع الحياة وملذاتها التي زهد بها وأحجم عنها براتب زهيد كان يتقاضاه عند رأس كل شهر خالٍ من العلاوات والمكافآت، رغم كل المغريات التي انهالت عليه من كل حدب وصوب تطالبه بالموافقة.عاش وحيداً ومات وحيداً وعظيماً بقيمه ومبادئه، حيث أني لا اعتقد أن هناك من عشق الثورة وأحب الوطن إلى حد التفضيل على نفسه وأهله واسرته الذين مازالوا حتى اليوم يسكنون بعفة وقناعة في بيت بالإيجار ولم يورث لهم درهماً ولا ديناراً إنما ورّث لهم المثل العليا والأخلاق الحميدة التي ينعمون اليوم تحت ظلالها مقتنعين بما أتاهم الله من فضله ونعمه وكرمه.لديه زوجة و8 أولاد، 5 ذكور و3 إناث بانتظار لفتة كريمة من القيادة السياسية لا من باب الصدقة، إنما هو استحقاق قديم حرمهم إياه إخلاص ونزاهة والدهم المناضل الشريف، فهل تكرر الدولة نفس المأساة لتحرمهم من حقهم في العيش برغد الحياة أسوة بالمناضلين الآخرين؟
محطات في حياة المناضل عبدالسلام سيف ال سفيان
أخبار متعلقة