محمد بن عيسى الكنعان:الكيان السعودي يتجسد بالأرض والمجتمع والدولة، فالأرض وجد عليها مجتمع أنتج دولة، لذا فالمجتمع هو القاسم المشترك بين أساس الكيان وعموده.والمجتمع السعودي بطرائق تفكيره وأنماط حياته وتكوينات نسيجه، لم يتشكل إلا مع نشوء الدولة السعودية (الثالثة)،لتي وحد شعبها وأسس كيانها الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله تعالى، تحت مسمى (المملكة العربية السعودية)، وعندما أقول (الثالثة) تحديداً رغم وجود الدولتين السعوديتين (الأولى والثانية)، اللتين حققتا الشرعية الدينية والتاريخية للدولة السعودية بشكلٍ عام، فلأن دولة الملك عبدالعزيز هي التي حققت مفهوم الدولة الحديثة بنظامها السياسي، وهويتها الوطنية، ومركزيتها الإسلامية، وأجهزتها الحكومية، وقطاعاتها العسكرية، وعلاقاتها الدولية.. إلى غير ذلك. هذا المجتمع الصحراوي المتلون من أطياف القبائل العربية العريقة مر بكثير من مراحل التحديث المادي، وعمليات التطور الاجتماعي، التي انعكست بشكل إيجابي على حياته العامة بشؤونها وشجونها، رغم أنه لم يسلم خلال تلك المراحل وأثناء المضي في مسار التطور من (تصادم الأجيال) في (صراع الأفكار) بين الجديد الوافد والقديم السائد، سواءًاكان هذا الجديد (طريقة حياتية)، أو (وسيلة حضارية)، أو (موجة إعلامية). فقبل ربع قرن تقريباً تعرضت هيئة التحرير في إحدى المجلات السعودية لطوفان من اتصالات الاستنكار وفاكسات الشجب، على خلفية مناقشة المجلة في قضيتها الأسبوعية ل(هوية المرأة السعودية)، رغم أن تلك المناقشة لم تتجاوز إطار التساؤل عن سبب غياب هوية المرأة، أو مبرر حرمانها من وثيقة تثبت هويتها الوطنية كنساء الأرض، ما يعني أن أية قضية تمس منظومة القيم الاجتماعية لايمكن طرحها بسهولة أو مناقشتها بحرية، بغض الطرف عن كون تلك القيم مرتبطة بتشريع ديني أو محكومة بعادات بيئية. اليوم بإمكان أية امرأة أن تحصل على بطاقة هويتها الوطنية بدقائق دون أن تعترضها أية عوائق أو توجه لها أية استنكارات، فالمسألة لم تكن تحتاج إلا لقرار رسمي وهو ما حدث بالفعل، الأمر الذي يفتح المجال للخوض في نقاش حول (التحولات في حياتنا السعودية). هل تلك التحولات عائدة للتطور الاجتماعي في طرق التفكير ومن ثم (قبولها) وانعكاسها على أسلوب الحياة الواقعية!، أم هي عائدة لحتمية التغيير التي أشار إليها الرئيس الأميريكي السابق بيل كلينتون في كلمته التي ألقاها في أحد منتديات جدة الاقتصادية قبل نحو عامين، ومن ثم (الرضوخ) لها، وهي ببساطة تقول: إن لم تتغير بنفسك وفق ثقافتك، فحتماً ستتغير بفعل تأثير الآخر، أقول ذلك من وحي قضية (قيادة المرأة للسيارة) التي كانت مرفوضة للبحث والنقاش فضلاً عن التأييد والتنفيذ، بيد أنها في الوقت الحالي تلقى قبولاً في بعض أوساطنا الاجتماعية، بالأمس كان الجميع يرفضها ويستنكرها ويعلق عليها كل مخازي الحاضر وفتن المستقبل، أما اليوم فالصوت المؤيد يملك المساحة والقدرة على نقاش الصوت الرافض لها، والأمر لا يحتاج لكثير جهد.. فالاستطلاع اللحظي بسؤال مجموعة من الأشخاص في جلسة قصيرة، قد يصدمك بنتيجته، أشرت سلفاً لمثالين كونهما من أكثر الأمثلة تداولاً بين الناس في المجالس والإعلام، ولو أردت التوسع فلك أن تقيس بأمثلة غائرة في واقعنا السعودي كتعليم المرأة وعملها وعلاقته بالاختلاط، والقنوات الفضائية والسفر للخارج لدواعي السياحة، والحجاب بين غطاء الوجه وكشفه، وجوال الكاميرا إلى آخر القائمة. بتقديري أن المسألة برمتها مترابطة، فالتغيير حتمي في المجتمع السعودي بحكم نظرية (التطور الاجتماعي) لكل أمم الأرض، ولكن برغبة السعوديين في التطوير وسعيهم نحو التحديث، وأدل على ذلك.. أن (الأفكار) التي كانت مرفوضة قد تم قبولها لاحقاً وإن كانت ببطء شديد، بمعنى أن الرغبة موجودة ولكنها متوقفة على من يعلق الجرس ويجعل حياته الاختبار الأول للجميع، خصوصاً في ظل وسائط اتصال متعددة وإعلام فضائي مفتوح، ما يعني أن السعوديين يطلعون على تجارب غيرهم عبر (القنوات الفضائية)، ويتناقشون في ما بينهم عبر ميادين متنوعة كالصالونات الثقافية والأندية الأدبية والمنتديات الإلكترونية والبرامج التلفزيونية، وهذا يشجع على مراجعة المواقف القديمة من الأفكار الاجتماعية والقيم الحضارية، وانتقاء ما ينسجم مع الدين أو على الأقل لا يتعارض معه، وبالذات تجارب الشعوب العربية والإسلامية التي تدين بنفس الدين وترتبط معنا بنفس التاريخ، حتى لو ارتهن أحدنا إلى مسألة (الخصوصية) وصنع مقارنات عجيبة بيننا وبين تلك الشعوب، من قبيل أننا نمثل الإسلام الصحيح أو أننا نعتبر المجتمع المحافظ (رقم واحد) في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وهذا غير صحيح لأنه من الوهم الذي يفضحه واقعناً أولاً، قبل أن تؤكده حقائق واقعية تتمثل بأننا نسافر إلى تلك الشعوب ونتزاوج معها ونأخذ منها ونعطي، فنحن مثلها لنا نفس الرصيد في معرفة الدين واللغة وممارسة الأخلاق، ولا نكاد نختلف أو بالأصح نتباين عنها إلا بطريقة الحياة الاجتماعية التي هي متغيرة أصلاً. [c1]عن /صحيفة "الجزيرة" السعودية[/c]
المجتمع السعودي: حتمية التغيير أم رغبة التطوير
أخبار متعلقة