الخط الساخن
مدة عام او يزيد تفصل بين زيارتي الأولى لها وبين الأخيرة.. صنعاء بعماراتها الجديدة وعمارتها القديمة التي ازدادت جمالا بعد ترميمها بلمسات لم تنل من جمالها بل زادته بريقا.. ثم شوارعها المتسعة والمتشعبة والمتفرعة. “صنعاء حوت كل فن.. كم يضحك الزهر فيها من دموع الغمامة” كما قال الشاعر رحمه الله.ودموع الغمامة ما أجملها حين تنسكب عليها ثم تتوقف.. وللمتعة والنزهة خرجت بصحبة احد اقربائي متجولة في ازقة صنعاء القديمة التي ازدانت بقناديل تكاد تكشف اسرارا غامضة تغنى قديما بها الشعراء والعشاق للجمال. كانت نزهة راجلة.ثم تجولنا بالسيارة في شوارعها الخلابة.. مدينة الجمال والتاريخ اللذين صاغهما انسانها وأرضها وطبيعتها.النزهة كانت ممتعة للغاية لولا المسميات المطلقة على شوارعها الجديدة التي عكرت صفو الزمان والمكان.. تلك المسميات أخذت طابعا رقميا لا يحمل أي دلالات بطولية كانت أو جمالية سوى “السبعين” لانه يرمز الى حصار هذه المدينة وصمودها البطولي ضد فلول الملكية والإمامية التي حاصرت جمهوريتها الفتية، واستبسل خلالها بل وتوحد تحت مظلتها اليمن شمالاً وجنوباً بأبطاله الأشاوس.والرقمية التي عنونت هذه الشوارع منها (الخمسين والخمسة والاربعين والخمسة والعشرين والتسعين.. الخ) من تلك العناوين الغريبة عنا وعن كل زائر او سائح يمر بها.. بل ومن المضحك المبكي ان يتساءل هؤلاء عن هوية هذه الأرقام هل تعني بطلاً او شهيداً او علماً من أعلام الأمة وابن من هذا الخمسين؟! وما هو تاريخه؟! وما هي مآثره في حياة شعبنا اليمني؟!.وفي الحقيقة لا أعلم مصدر هذه المسميات مع انها تعطي دلالة على هويته وثقافته وتصفه اما بالغبي الذي يجهل تاريخ بلده وصناعه.. او بحاقد يجافي هؤلاء الاعلام ويشعر بتقزمه أمامهم.صحيح ولا انكر ان هناك شارعا اطلق عليه اسم البطل الشهيد الزبيري لا يتعدى الثمانية كيلومترات وآخر لعلي عبدالمغني، بيد ان صاحب العصمة في اطلاق استحقاقات ابطال بلادنا استكثر ذلك على الثلايا وزيد الموشكي و.. وهم من ابرز عمالقة النضال في اليمن وكذلك الشهيد سالم يسلم الهارش وهاشم اسماعيل وغيرهما الذين لم يبخلوا بارواحهم ودمائهم علينا.. ولولاهم لما اكتمل جمال هذا الوطن ولا عاصمته الابية صنعاء ولولاهم لما نعم الشعب اليمني بحريته ورفاهيته.وهناك من الادباء والعظماء من تزخر بهم الساحة وهم رموز للثقافة والادب وللتاريخ.حقيقة بل وعي الحقيقة ان صاحب الشأن الذي بخل على هؤلاء العمالقة باطلاق اسمائهم على تلك الشوارع وهي خطوة لا تقاس بمدى ما قدموه لأمتهم حاقد، ولكنها تبقى تذكرة لاجيالنا المتعاقبة وتاريخهم.ان هذه المجافاة ليست لمن يزخر التاريخ بهم بل لطمس هذا التاريخ من ذاكرة شعبه.. فقليلا من الحياء ايها السادة في بلدية أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء وعودوا الى جادة الصواب وتعالوا واكبروا فوق هذه المشاعر اللاانسانية والجاحدة وتذكروا ان صنعاء مازال قلبها ينبض.