أما آن لهذه الاقدار ان تتئد؟! وألم يكف الأيام ما بنا من أوجاع وأحزان حتى تهل علينا مع اشراقة كل صباح خبر فاجعة أخرى؟! ولماذا تتلاحق المصائب هكذا تتابعاً؟!ونصحو لنسمع برحيل عزيز هكذا فجأة.. دون ان نتمكن وأياه من نظرة وداع!.. اللهم لا اعتراض على مشيئتك.. ولا لنا قول أو رأي فيما قضيت، و"كل نفس ذائقة الموت". ونحن ولله الحمد مؤمنون بقضائك وقدرك لكنك وقد زرعت فينا قلوباً تخشع وأعيناً تدمع.. ووهبت لنا من صفاتك الرحمة فاننا كذلك سنظل نجزع ونتأوه لرحيل كل عزيز.. وكيف لا تكون لنا في نبيك يعقوب أسوة حسنة وقد أبيضت عيناه من الدمع حين فارق يوسف وقد كان يدرك أنه لم يمت وأنه سيعود ـ بمشيئة الله ـ ذات يوم .. أما نحن فنعلم علم اليقين أن من نحزن ونبكي على رحيلهم لن يعودوا إلينا ثانية .. ولهذا نخال الاقدار قاسية.. ونتمنى لو ان الموت رجلاً لقتلناه جميعاً حتى لا نفقد عزيزاً أو صديقاً. لقد كان صديقي وأستاذي عبدالله الشدادي (أبو وجدي) ـ طيب الله ثراه وأسكنه علياء جناته ـ ملء السمع والبصر عرفته حين جمعتنا ظروف العمل في غرفة واحدة لسنوات طويلة .. اختلفنا.. اتفقنا.. تصالحنا تنافرنا .. لكني لم اجده يوماً حاقداً أو ناقماً على احد حتى أشد اعدائه وخصومه.. كان له أسلوب حياته الخاصة وطريقة تعامل مع الآخرين ـ لا لا تعجبهم ـ لكنه كان واضحاً كالشمس.. مدافعاً عن الحق ولا يخشى لومة لائم منافحاً عن آرائه.. كريما.. شهماً ابتعد عن حياة الصخب.. وتجمعات الشلل .. وانزوى ما بين مكتبه ومنزله ـ قبل ان يحال للتقاعد قبل عام ـ لحكمة أدرك مغزاها. حتى لا يقع في براثن النميمة ـ التي نهى الله عنها ـ والحشوش التي عادة ما تكون قاعدة للمقايل والتجمعات وابتعد بنفسه وقلبه ولسانه وأذنيه عن السوء قولاً وسمعاً وهاجساً ونأى عن السيئات التي تورثها تلك المقايل واللقاءات مثلما نأى عن التحزب والحزبية التي طاردته استمالات أهلها كثيراً تهديداً وترغيباً.. وكان رأيه الذي حدثني به أكثر من مرة واضحاً .. ولا مساومة فيه.. الحزبية تعصب.. والتعصب بلاء يعمي القلوب.. كان البعض يعتقد في ذلك الأسلوب تكبر على الناس لأنهم لم يقتربوا منه حد الكفاية .. ولو كانوا فعلوا لادركوا ـ يقيناً ـ كما كان (أبو وجدي) حكيماً في ذلك .. وانه لم يعرف معنى التكبر.. بقدر ما كان دمث الاخلاق.. حاله حال نفسه.. ويشهد له الاعداء ـ مع يقيني انه لا يوجد له أعداء ـ قبل الأصدقاء انه لم يحدث قط ان ( جرح) أحداً بكلمة مقصودة, سوء نية ولم يؤذ امرأً ولم يحصل قط ان اشتكى منه شاكٍ. وحيث ان الآباء عادة ما يورثون طباعهم وصفاتهم أكانت خيراً أم شراً.. فهاهم أبناؤه ـ وهم خمسة ولدان وثلاث بنات (د. وجدي، وجدان، مجدي، أسوان، لوزان) يضرب بهم المثل في مدينتهم أبين بحسن الخُلق والطباع والسلوك المستقيم وحب الناس وهم خير ما ورث في هذه الدنيا الفانية تيمناً بحديث رسول الأمة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم (يموت المرء إلا من ثلاث.. علم ينتفع به، أو صدقة جارية, أو ولد صالح يدعو له). عفواً لم يكن هؤلاء هم ابناؤه فقط.. فهناك مئات غيرهم ممن تتلمذوا على يديه وفتحوا أذهانهم على أبجديات التعلم وخط خطاهم على مشارف المستقبل، فقد عرفته أبين معلماً هماماً من ذاك الصنف الذي افتقدناه مازال آلاف الطلاب يذكرون بصماته بفخر واعتزاز على حياتهم ومستقبلهم، قبل أن ينتقل إلى محراب آخر يؤدي من خلاله رسالته التي اؤتمن عليها.. ويدافع من خلالها عن آلام وطموحات المقهورين والمستضعفين عندما غدا كاتباً مسرحياً لا يشق له غبار، عرى كثيراً من سلبيات المجتمع ومظاهر الفساد في أعماله المسرحية، كما حمل هموم وتطلعات مجتمعه الباحث عن غد أكثر اشراقاً ونقاءً. وفي ذات الوقت كان قلماً/ موقفاً لم يبتذل أبداً أو يسفك مداده على ورق التحويلات للتكسب والارتزاق والبيع أو يعرف نفاقاً أعرضت عنه كثير من القيادات المتوالية في المحافظة .. ولم تقربه منها.. لما كان يطلقه قلمه من نقد لاذع وتصوير دقيق لما يجري من خروقات أو تجاوزات او تحايل على القانون. رحم الله صديقي وزميلي وأخي الأستاذ عبدالله صالح الشدادي الذي مات مهموماً بمجتمعه مسكوناً بحب هذا الوطن الذي لم يكافئه قدر عطائه وخدماته لنحو عقدين من الزمن. فضل علي مبارك
|
ثقافة
صحفي مسكون بحب الوطن
أخبار متعلقة