صدمني ما ورد في تقرير البيئة العالمية الرابع لأنه يزعم أن دول الخليج تستهلك من المياه ضعف أي بلد غني بالمياه. يقول إن «الخليجي يستهلك في اليوم 750 لترا من المياه، مقابل 360 لترا يوميا للفرد الأميركي، وهو ما يجعل الفرد الخليجي أعلى في استهلاك حول العالم».قلت ربما هناك مبالغة، أو خطأ في تفسير الإحصائيات. استبعدت الخطأ لأن من وضع التقرير هم 390 خبيرا، كلفتهم الأمم المتحدة بدراسة التأثيرات العالمية، ولم يعد بوسعنا إلا أن نقبل به. التقرير نشرته «الشرق الأوسط» في عدد الجمعة الماضي.هنا لابد أن نسأل كيف لأفقر منطقة في المياه في العالم أن تهدر مياها أكثر في العالم من دول غنية بالبحيرات والأنهار والأمطار طوال العام؟ كيف يمكن أن يحدث هذا الإسراف وفي نفس الوقت نرى شحا، ففي جدة يقف آلاف الناس أمام سيارات صهاريج المياه من اجل الحصول على مياه للطبخ والشرب؟ أيضا، كيف لا نستخدم كل مصدر بديل أو مساعد. فنحن أمام بحيرة هائلة من مياه الصرف الصحي تتكون خارج الرياض، تمثل مياهها الآسنة موردا إضافيا لاستخدامات آدمية ومنزلية مختلفة لو صار لها مشروع للتنقية؟خبراء الأمم المتحدة منذ فترة يطلقون التحذيرات من قدوم كارثة بيئية، بسبب سوء إدارتنا شأن مياهنا. نحن نعرض منطقتنا للخطر البيئي ليس بسبب حاجات أساسية مثل الشرب والطبخ، بل عن ترف مثل الزراعة، وغسل البيوت، والسيارات، والمسابح، وتسريبات الشبكة المائية القديمة. ويمكن أن نلخص الأسباب، وأولها يكمن في المشهد العام. نحن نعيش في مناطق صحراوية جافة طاردة، كانت تؤوي ما لا يزيد على خمسة ملايين نسمة، واليوم فيها فوق الثلاثين مليون إنسان في مدن مكتظة بالبشر وفدوا من أنحاء العالم. والثاني في علاقة المال بالماء. فرخص سعر المياه يعدم حس المسؤولية عند الفرد، وهو رخص قد لا يستمتع به الفرد في أغنى بلدان العالم مائيا. والحل بسيط، بتسعير الماء وفق الحاجة، بحيث يدفع كل بيت ثمنا رخيصا جدا لما يكفيه لحاجاته الرئيسية كما هو قائم، وما تجاوزها يرفع ثمنه بشكل خرافي، حتى تجبره على الاقتصاد. والثالث رفع كلفة الزراعات، ولا أبالغ إذا قلت إلى درجة إلغاء الزراعة. فمعظمها يمكن الاستعاضة عنه بالاستيراد. والبديل هو بتشجيع الشركات الزراعية المحلية على عبور البحر الأحمر، وشراء وإدارة، مزارع ضخمة في الدول المجاورة مع تأمين ضمان حكومي لاستثماراتها. وتشجيعا لها يمكن أن تعفي الحكومات الخليجية منتجاتها من الجمارك، فلا تصاب هذه الشركات ومساهموها بضرر كبير، ولا تستهلك مياه البلاد. كما ان تشجيع الشركات الزراعية الخليجية العملاقة على التوسع خارجيا سيدعم الزراعة في بلدان كالسودان وإثيوبيا والمغرب، ويعينها على تطوير صناعتها وخدماتها الغذائية، ويحقق التكامل الاقتصادي المأمول.المهم أن نغلق الحنفية حتى لا نشرب كل مياه الأجيال المقبلة، الذين يواجهون محذور ثنائية نضوب النفط وعطش الصحراء.[c1]عن / صحيفة ( الشرق الأوسط)[/c]
هل يعقل أننا أكثر استهلاكا للمياه ؟
أخبار متعلقة