اغتيال الصحفية فاتن توفيق
المصريون غنوا للقطن والفول والقمح فدادين خمسة اذن من أين يأتي الفساد ؟ فيلم اغتيال " فاتن توفيق " يتحدث عن استغلال القلة لرغيف العيش لان القمح ومعظم مواد التموين الضرورية تستورد من الخارج بينما المسئولون الفاسدون عجزوا عن تلبية مطالب المواطنين بسبب مصالحهم الفردية التي وصلت الى حد التلاعب بقوت الشعب وتهريب امواله الى الخارج وفي هذه الحالة لن يكون من الانصاف ان تضيع فرحة المواطن برغيف العيش التي تضاعفت تكلفته مرات عما كانت عليه في الستينات . هذا الفيلم يعرض هذه التجربة في قصة نضال الصحفية فاتن توفيق باعتبارها نموذجاً وتجربة صادقة تستحق ان تروى .نهاة عبدالله: يقال ان القوانين والقرارات عندما تتخذ يكون لها عادة بعض الضحايا أي حينما يكون القانون هدفه الصالح الهام فيتحول بسبب مصالح القلة لصالحهم الشخصي وحتى لا نبتعد عن موضوع الفيلم بصورة مباشرة وخاصة دعم سلع التموين المستوردة من الخارج والتي تدخل مصر بدون جمارك ولكن بشروط محددة توضع بحسن نيه لكي يخترقها الكبار الذين يستوردون القمح والفول والزيت ولم يدفعوا الجمارك بل كل ما يفعلوه هو الوساطة التي تحقق لهم ارباحاً بالملايين يودعونها بارقام سرية بالبنوك الاجنبية . وهكذا يضيع رغيف العيش على المواطن وترتفع اسعار مواد التموين كما يضيع المال على الدولة من قبل السماسرة الذين يدفعون الرشاوي من مال الشعب ويضعون الباقي في جيوبهم هذه النتيجة اكدها فيلم اغتيال فاتن توفيق من بطولة الهام شاهين الصحفية التي تمسك بخيوط المؤامرة على قوت الشعب بالتعاون مع محمود ياسين " علي هوادة " المواطن الشريف . وباختصار شديد رأينا كيف فرضت مصالح القلة التي يمثلها " منصور " و صلاح عويس ، (وحيد سيف واحمد بدير) وشلة من الفاسدين الذين ازعجتهم قرارات الدولة بشأن تمويل ودعم السلع الغذائية للشعب مما اثر سلبياً على مصلحة الشعب بدرجة رئيسية ولا خلاف بينهم على ان هذه المصلحة المضروبة ترتبط اشد الارتباط بتعاونهم وبقائهم معاً وما دام رغيف العيش يبلغ الانفاق عليه 2 مليار سنوياً أي ما لايقل عن نصف الانفاق على الصحة والتعليم فان المسألة ستفرض ترتيبات جديدة على اولويات تلك القرارات التي تبدأ باستغلال صفقات التموين ومناقصاته ومنافسة الواردات واحتكارها ورفع اسعارها في الاسواق مما يؤثر أشد الاثر على موازين المدفوعات الخارجية لمصر . فتتأرجح الاسعار لان معظم السلع تستورد كاحتياجات من الخارج بينما تتعثر كثير من المشاريع الزراعية والصناعية في الداخل من دون محاسبة او رقابة عن هذه التعثرات او لمصلحة من تكون . الصحفية المذيعة فاتن توفيق تقول : من المنطق ان استصدار قانون الدعم لا بد ان يكون وراءه سلطة تنفذه وتشرف على تطبيقه ولكن وللأسف ان هذه السلطة المسؤولة تنحرف عن تنفيذ هذه القرارات بل وتكافئ كل من يقف من المواطنين في وجهها بالقتل فلا يكفي اصدار القوانين العشوائية وانتفاخ جيوب لصوص الدعم وغيرهم من المنتفعين الفاسدين على حساب المواطن الشريف الذي يتعذر تحصيله على الراتب الجيد والشقة المريحة والزوجة والأولاد مثل علي هواده والحكومة تقف عاجزة عن عمل أي اجراء امام هذه المطالب وفي كل الحالات يزداد عدد الفقراء كما يزداد عدد الاغنياء بصورة غير واقعية . ومثلما انتهت الجولة الاولى من هذا الصراع باغتيال فؤاد الهوارى زوج الصحفية المذيعة فاتن توفيق يفوز منصور بيه وصلاح عويس في ملاحقة علي هواده وتشريده ومحاولة قتله في مخيم ايواء اللاجئين وسرقة المستندات التي بحوزته . وكان لابد في امر هذا الصراع ان كل جانب اتخذ الى جانبه كل انواع الاسلحة والشخصيات فمثلاً نجد فاتن توفيق وجدت حليفاً قوياً لها هو المواطن علي هواده اللي فقد خطيبته ووظيفته وبيته بسبب مواقفة الشجاعة . اما منصور بيه وصلاح عويس وسعيد ابراهيم فقد استخدم منصور بيه كل ما لديه من نفوذ ليؤكد جشعه وتلاعبه بالأموال العامة وبالناس ليحصل على الدعم اللازم من علاقاته ببعض المسؤولين الفاسدين . وبخلاف القيمة الترفيهية لهذا الفيلم الجاد فانه يعكس طبيعة بعض الجوانب الغريبة والمليئة بالتفاعلات بين اشخاص ضعفاء مثل القاتله المأجورة التي تلعب بعواطفها بين شلة من الرجال المجرمين المستغلين لانوثتها واشياء اخرى يحق للمرأة الحفاظ عليها ولكنها مثلما وقعت فريسة لمخالبهم الجارحة كانت هي السبب وراء ضياع نفسها بنفسها وحسن ابواصبع طفاشة النشال جار علي هواده والناس اللي في المخيم وكثيرين غيرهم ممن يدفعون ثمن اخطاء الانظمة الرقابية حكومية وغير حكومية وخطأ الكبار ووقوفهم الى جانب المسئولين الفاسدين ووقوع البنوك الحكومية على شعار الافلاس وانهيار البنايات على رؤوس ساكنيها الا يعد اكبر دليل على تمادي شلة الفساد بالشكل الذي اضر ويضر بمصالح المواطنين من ابناء الشعب المصري وهذه هي مشكلة المشاكل ومن اجل هذا تظل الصحفية فاتن توفيق على صراع مع قوى الشر بالتعاون مع علي هواده وتظل القضية مفتوحه باعتبارها القضية الاولى التي تتعلق بالفساد وتحدد صورة المستقبل في مصر وهل ستتقدم ام ستتخلف اكثر بسب هؤلاء ؟ وقد يبدو اثر الافه في تيسير وتسهيل سبل تصرفات الفاسدين والغش والسرقة ونهب خيرات البلاد وتحويلها للخارج ثم من اين يأتي هذا الفساد من مصر اليس هذا شيئاً خطيراً جداً حتى ان القاتله المأجورة وحسن ابو اصبع النشال وابن عديله الدلاله المنحرف والمنكوبين في المخيم كل هؤلاء كانوا ضحايا لمشاريع مشكوك فيها . وضحايا لاقناعهم التي كانت دون المستوى المطلوب والاجواء البيئية الفاسدة وبعدها ايضاً لابد ان يستفيد منصور بيه وصلاح عويس والبقية من هؤلاء الضحايا وجاءت ازمة الدعم وما تلاها من تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية لتشكل ايضاً عاملاً مؤثراً في صياغة انعكاساتها وردود الافعال المعروفة ازاءها وكان لابد ان يكون علي هواده اول متصدي لرصاص الفاسدين وفي المقدمة ايضاً فاتن توفيق التي لم تخسر زوجها المواطن الشريف فقط بل اشياء كثيرة عزيزة عليها وهي منجزات هذا البلد العظيم في هذه المبارزة غير المتكافئة بين شلة فاسدة تملك قوة القمع وبين الضحية التي تملك قوة الحق . وليس المواجهة كما يتصورها البعض بمنتهى السهولة ان يقال للفاسد انت فاسد فهذا هو الدافع الحقيقي للمواجهة وللاغتيال بينما الحقيقة تظل قائمة على رؤوس الاشهاد في اطار الازمة التي تواجه الشعب واستمر تفاقمها الى درجة يصعب معها مواجهة مخاطرها وتقف اجهزة الدولة عاجزة عن مقاومتها حتى اصبحت واقعاً حتمياً لابد من مواجهة ليس فقط بفضح الفاسدين مثلما عمل علي هواده وفاتن توفيق بل محاربة الفساد كظاهرة خطيرة ورهيبة . ليس وراءها الا صالح مصر . كان الفيلم من اخراج اسماعيل مراد وقصة جمال منصور .