حديث: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب» الذي رواه «مسلم» غير صحيح بشهادة عائشة وأحاديث البخاري
هل تتصور ان بعض كتب الحديث والتفاسير تصور المرأة باعتبارها أقرب الى النعجة؟! وتساوي بين المرأة والكلب في قطع صلاة الرجل، تقرأ مثلاً فى القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) (15/172) يقول في تفسيره لآية{ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } ما نصه:«والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة؛ لما هي عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب. وقد يكنى عنها بالبقرة والحجرة والناقة، لأن الكل مركوب».وقد لا أجد تعبيرا أكثر رؤية وشمولية وأصدق لهجة يعبر عن عقلية أهل التراث من المفسرين والفقهاء وأهل الحديث إلا ما تفضل به علينا القرطبى, حيث يجزم في معرض تفسيره أن المرأة يكنَّى-كناية التعبير- عنها بالنعجة والشاة لما هي عليه من السكون والمَعجَزة - العجز الشديد - وضعف الجانب, مردفاً من فيض علمه الغزير وموضحا أنه يمكن كذلك أن يكنَّى-يعبر- عن المرأة بالبقرة والحُجرة - أنثى الفرس - والناقة لأن الكل مركوب أي أن الثلاثة يركبهم الرجل, ويا هول هذه الكلمات العليلة القبيحة الفجة التي وصم بها القرطبي نصف أمة النبي المصطفى, ووصم بها أمهات المؤمنين ووصم بها أمه هو نفسه بأنهن لا يختلفن كثيرا عن البقرة وأنثى الفرس والناقة حيث الكل مركوب, والغريب أن القوم من أهل التراث كانوا يتمتعون بجرأة عجيبة قلَّما نجدها عند المعاصرين، فالرجل لا يستحي أن يكون هذا رأيه فقط، بل إنه وتأكيدا للتكبر والغلو يضع رأيه بين ثنايا تفسير القرآن العظيم, القرآن الذي نزل بروح العدل والتساوى والحرية والعزة للمؤمنين جميعا رجالا ونساءً (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون 8), ولذلك فإن كلمات القرطبي هذه إنما هي تلخيص بليغ لروح الجاهلية التي عادت في الظهور تجاه المرأة من خلال وسم الدين بآرائهم وطبائعهم واستنطاق الأحكام الشرعية الإلهية برؤى فقهية بشرية وبروح طبقية ذكورية تحتقر المرأة من المهد إلى اللحد، وتحط من شأنها وتفسر القرآن العظيم بالهوى والعادة, ومن تلك العقليات ظهرت وانتشرت واستقرت تفسيرات ومفاهيم نقصان العقل والدين والضلع الأعوج وأصبح تحقير المرأة نوعا من الحفاظ على التقاليد من خلال هذه العقليات العصبية القبلية التي جعلت من المرأة إنسانا من الدرجة الثانية.ولأن تاريخ تحقير النساء في التراث الإسلامى تاريخ طويل ومركب, يمثل لوحة فسيفساء كبيرة جدا فليس أمامنا إلا تفكيك هذه الفسيفساء قولا ورأيا وحديثا وتفسيرا, وقد اخترنا للمناقشة في هذا المقال حديثين فقط أخرجهما (مسلم) عن أسباب قطع صلاة الرجل المسلم.الحديث الأول: أخرج (مسلم) 4/228: «حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية.ح قال وحدثنى زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن يونس، عن حميد بن هلال، عن عبدالله بن الصامت، عن أبى ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل. فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود. قلت: يا أبا ذر! ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخى! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتنى فقال »الكلب الأسود شيطان».الحديث الثاني: أخرج (مسلم) في نفس الباب 4/228: «حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا المخزومى، حدثنا عبدالواحد، حدثنا عبيد الله بن عبدالله بن الأصم، حدثنا يزيد بن الأصم, عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل». والمعنى في الحديثين قد لا يحتاج إلى شرح وهو أن الرجل إذا صلى لغير سُترة مثل مسافة أو طول مؤخرة رحله يقطع صلاته مرور الحمار والمرأة والكلب.هنا يجب نقد متن - نص - الحديث لتعارضه مع أحاديث صحيحة صريحة، فنحن نعلم أن السنة النبوية في أصلها هي أفعال للنبي الكريم نقلت عنه وأقوال حفظت منه، وأنه في حال تعارَض حديثان للرسول أحدهما سنة فعلية أو تقريرية كأن يشهد قوم من الصحابة أن الرسول فعل كذا أو سكت عن فعل كذا, والحديث الآخر سنة قولية محفوظة رجحت كفة السنة الفعلية أو التقريرية على كفة السنة القولية التي يعتريها الخطأ في الحفظ والسهو والخلط والخرف والنسيان والكذب والتدليس المتعمد والرواية بالمعنى من رواة الحديث.[c1]الأحاديث المعارضة[/c]أولاً : أخرج البخاري 1/751، وأخرج مسلم نفسه4/221: «حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة، عن عبدالله بن عباس أنه قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدى بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد».وهذا الحديث يؤكد فيه ابن عباس الصحابى الجليل أنه أقبل على الرسول في جماعة يصلي بالناس وهو راكب على حمار أتان -أنثى الحمار- ورسول الله لا يتخذ جدارا ولا سترة وأنه نزل وصلى معهم, وظلت الأتان تسعى بينهم فلم ينكر عليه الرسول ذلك الفعل ولا أي من المصلين, فكيف يقر رسول الله بذلك ثم يقول عكسه.[c1]مناقشة أقوال التراثيين في الحديث الأول[/c]رغم وضوح الدليل في كلام الصحابى الجليل ابن عباس والذى ينقض ويهدم الحديثين المرويين عن قطع الصلاة, فإن التعنت والغلو المعهود في عدم رد أي حديث في البخاري أو مسلم جعل الشرَّاح يلتفون حوله بأقوال واهية, فيقول (أبو زرعة العراقى) في طرح التثريب 2/391): «حديث ابن عباس ليس صريحاً في مخالفة حديثى (أبى ذر وأبى هريرة) لأن ابن عباس قال: (فمررت بين يدى بعض الصف) ولا يلزم منه أنَه مر بين يدى النبى، ولا الأتان التي كان عليها. والإمام سُترة للمأمومين وإن لم يكن بين يديه سترة، ولا يلزم من قوله فيه (إلى غير جدار) ألا يكون ثَم سترة».والمعنى أن أبا زرعة يقول كلاما غاية في العجب فيقول إن تلك الرواية ليست دليلا على مرور ابن عباس بين يدى النبي لأنه قال (فمررت بين يدى بعض الصف) ومع عدم تسليمنا بهذا فماذا عن قول ابن عباس (يصلى إلى غير جدار) فيقول أبو زرعة إن ذلك لا يتطلب تباعا ألا يكون هناك سترة من الأساس فلعل هناك سترة غير الجدار, وإذا صدقنا هذا القول فيجب أن نعترف أن ابن عباس قد قال كلاما زائدا في الحديث ليس له معنى, لأنه لماذا يقول« إلى غير جدار» وهو يعلم أو يرى أن هناك سترة أخرى للنبى, وبالله على أي عاقل لماذا ذكر ابن عباس ذلك إلا إذا كان قاصدا المعنى المراد أنه يصلي وأمامه فراغ, ثم ماذا عن قول ابن عباس ( فلم ينكر على أحد) فلا يمكن تخيل أن ابن عباس يحكى قصة للأطفال, بل يقول ذلك عامدا أن يخبرنا معنى واضحا أقرَّه النبي وإلا لو أن ابن عباس يعلم أن الإمام سترة للمأمومين وأن الحمار لم يمر بين يدى النبي إذن لماذا يحكى ابن عباس الحديث من الأصل, وما وجه الاستدلال في الرواية فهل يحكيها علي سبيل الفكاهة مثلا ولماذا ختم قوله بجملة (فلم ينكر على أحد) إذا كان يعلم أن ما فعله لا يستدعي أصلا أن ينكر عليه أحد, فهل ابن عباس لم يكن يعلم أن هذا الذي فعله لا يستحق الإنكار وأبوزرعة وأهل التراث هم الذين يعلمون.ثانياً : أخرج البخاري 1/773، ومسلم 4/229: «عن عائشة: ذكر عندها ما يقطع الصلاة، الكلب والحمار والمرأة، فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب، والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وإني على السرير، بينه وبين القبلة مضجعة، فتبدو لى الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأنسل من عند رجليه«.وقد كرر البخاري الحديث مرات عدة في الشواهد والمتابعات, والمعنى الواضح الصريح أن ما ذكر من قطع المرأة والحمار والكلب للصلاة قد تداول على ألسنة بعض التابعين حتى وصل لأسماع أم المؤمنين عائشة وهى الفقيهة التي عاشت الإسلام من خلال التطبيق العملي السهل المرن في بيت النبوة, وهى النبيهة الذكية الفطنة وهى معلمة الصحابة, فقالت بذكائها وعلمها وقراءتها للمستقبل الذي لاحت في أفقه بعد وفاة النبي بوادر وشواهد عودة الجاهلية تجاه المرأة, فقالت غاضبة ومنكرة وحازمة (شبهتمونا بالحمر والكلاب) وهي بذلك قد أخرجت المعنى والسياق من سياق مصطنع للحديث يمثل شرطا تعبديا للصلاة إلى السياق الحقيقي وهو إذلال المرأة وتحقيرها ويالها من فطنة حقيقية لأم المؤمنين- ثم أقسمت بالله صادقة وقالت (والله لقد رأيت النبي يصلي، وإنى على السرير، بينه وبين القبلة مضجعة، فتبدو لى الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذي النبي، فأنسل-أخرج- من عند رجليه) والمفهوم والمعقول أن هذا الحدث ربما يتكرر يوميا في حياة الأزواج أي أن الرسول الكريم قد توفي وهو لا ينكر أن تكون أم المؤمنين الحبيبة والزوجة معترضة وقاطعة فيما بينه وبين القبلة من غير وجود سترة ولا شىء, فماذا قال التراثيون تفسيرا لهذا الحديث الذي ينقض صراحة حديثي (مسلم).[c1]مناقشة أقوال التراثيين في الحديث الثاني[/c]أبدع التراثيون وتوسعوا في مدى التعنت والجرأة والالتفاف على معنى هذا الحديث الواضح كالشمس, والذى قالته أم المؤمنين قاصدة رد الرواية المكذوبة على النبي, وقد تفرقوا على ثلاثة أقوال كلهم يسعى بأى سبيل لتصحيح الحديثين فالمهم أن يعيش مسلم سالما من الرد والتضعيف.القول الأول: يقول (ابن خزيمة) في صحيحه 2/21: «الدليل على أن هذا الخبر -أي: حديث أبى ذر- في ذكر المرأة ليس مضادا لخبر عائشة، إذ النبي إنما أراد أن مرور الكلب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلى لا ثوى الكلب ولا ربضه ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة يقطع صلاة المصلى وعائشة إنما أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدى النبي وهو يصلي لا أنها مرت بين يديه»، أما ابن القيم فيقول في (زاد المعاد) 1/306: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعائشة نائمة في قبلته، وهكذا المرأة يقطع مرورها الصلاة دون لبثها».ولنشرح معنى ما تقدم أولا, يقول (ابن خزيمة) إن الحديثين عند (مسلم) عن قطع المرأة والحمار والكلب للصلاة لا يعارضان قول (عائشة) أنها كانت تستلقي بين رسول الله والقبلة حين صلاته, لأن الحديثين مقصود بهما أن مرور المرأة هو الذي يقطع الصلاة أما أن تنام وتستلقي بين الرجل والقبلة فلا يقطع الصلاة, وكذلك جلوس الكلب وربض الحمار أمام المصلي لا يقطعانها بل مرورهما فقط, وبذلك يصبح الحديثان بلا تعارض فالذى يقطع الصلاة هو المرور وليس الجلوس أو الاستلقاء, وكذلك قال (ابن القيم) و هذا التفسير البغيض من (ابن خزيمة) ومثله الكثير مما اكتتبه أهل التراث قد يؤدي بكثير من الباحثين المعاصرين لفقد أحد شيئين، فإما أن نفقد عقولنا أو أن نفقد أخلاقنا, لأنه ليس من المستحب أن يقرأ الإنسان المسلم ما يشعره أنه مغيَّب أو مغفل أو أنه حيوان يحمل قرونا فوق رأسه, فكيف يقول عاقل فضلا عن أن يصدقه العقلاء أن مرور المرأة يقطع الصلاة وجلوسها ونومها أمام الرجل لا يقطعان الصلاة, فهذا التفاف حول الحقيقة غاية في السخف والجهالة لا يراد به إلا تصحيح حديثي مسلم حتى لو كانا يعارضان فعل النبي وإقراره.ولكن النقطة الأهم أن تفسير (ابن خزيمة) وأعوانه يخلِّف مشكلة دينية كبرى, ويولد من ورائه خطأ فاحشا بليغا بحق أم المؤمنين, فإذا كانت أم المؤمنين عائشة قد أقسمت على أنها كانت تعترض بين الرسول وقبلته ردا على الرواية التي نسبت للرسول أن الحمار والمرأة والكلب تقطع الصلاة, معنى ذلك أن السيدة عائشة كانت تعلم جيدا أن الاضطجاع أو النوم أمام المصلى هو أشد من المرور من أمامه, وأن ذلك الحدث الذي روته وأقسمت عليه إنما يهدم ويرد الرواية المنسوبة للنبي انتحالا وزورا, أما إذا أخذنا بكلام (ابن خزيمة) وأعوانه أن الاضطجاع والاستلقاء يختلف عن المرور, لاتهمنا أم المؤمنين صراحة بالجهالة وعدم الفقه-معاذ الله- حيث إنها لا تعلم الفرق بين النوم والاستلقاء أمام المصلي وبين المرور لأنها إن كانت تعلم أن النوم والاستلقاء هو بخلاف المرور فلماذا إذن ردت الرواية المزورة بهذا الحديث الذي روته, فهناك حلان لهذا المأزق الذي وقع فيه (ابن خزيمة) وإخوته, الأول أن عائشة وهي الفقيهة العالمة كانت تعلم أنه لافرق بين الاستلقاء وبين المرور أمام المصلي, بل إن النوم والاستلقاء أشد من المرور, ولذلك روت هذه السنة التقريرية عن النبي الكريم لتبطل بها الرواية الأخرى, وبهذا يبطل كلام (ابن خزيمة) وشركائه ويتضح التفافهم العليل وسخف شروحهم, أما الحل الثانى أن عائشة كانت قليلة الفقه والتدبر-معاذ الله- بحيث لم تتمكن من معرفة الفرق بين الاستلقاء وبين المرور أمام المصلى, وأنها قد استشهدت بسنة لرسول الله في غير موضعها وردت حديثا بغير علم, لأنها من قلة علمها-معاذ الله- لم تكن تعلم أن المرور بين يدى المصلى وهى زوج الرسول في بيته لتسع سنوات- يقطع الصلاة وأن النوم بخلاف المرور, وبذلك يصبح (ابن خزيمة) وأعوانه هم الأعلم والأفقه والأنبه-من النباهة- من أم المؤمنين عائشة, وأنهم فهموا ما لم تفهمه وعلموا ما لم تعلمه, وبالتأكيد فإن هذا الحل يليق بالمخابيل والحمقى الذين يظنون أن (ابن خزيمة) وكل أهل التراث أفقه من السيدة عائشة.القول الثانى لأهل التراث: أما البعض فقال إن الحديثين ليسا على ظاهر معنى قطع الصلاة, ولكن المعنى هو الانشغال عنها رهبا- خوفا - من الكلب والحمار, ورغبا - رغبة وشهوة بالمرأة, وهذا الرأى أيضا بلغ من الحماقة والسخف مبلغا كبيرا, فمن أين أتوا بأن معنى قطع الصلاة ليس على ظاهره فلا دليل لغويًا ولا اصطلاحيًا ولا إشاريًا على أن القطع المراد به الانشغال فقط, أما الشق الثانى وهو الكلام عن الخوف من الكلب والحمار فقد علمنا ورأينا من يخاف من الكلب ولكننا لم نسمع أبدا أن أحدا يخاف من الحمار, ثم إذا كان الانشغال بسبب الخوف فقط فلماذا لا يقطع الصلاة الذئب والفرس والجمل والتمساح والثعبان والأسد وكل حديقة الحيوان, أما قولهم إن المرأة ينشغل بها الرجل شهوة, فهذا كلام مذموم لا يقع من مؤمن, وحتى إن فعل أحدنا ذلك فهو مريض القلب وقليل الإيمان وعليه هو الملامة والذنب, وليس على المرأة التي مرت, ولا يمكن أن يعمم رسول الله حكما لمرضى القلوب على سائر أمته, وإذا كان الأمر بهذا المنطق فلماذا لا يقطع الرجل صلاة المرأة أيضا فلعلها تنشغل به إذا مر أمامها أليست بشرا مثله, أم أن صلاتها تهبط إلى الأرض وصلاة الرجل هي التي تصعد للسماء.القول الثالث: ذهب إلى أن الذي ذكرته أم المؤمنين خاص بالزوجة وأن الرسول كان مقصده هو مرور المرأة الأجنبية, ولا أدري كيف امتلك هؤلاء الجرأة ليفتشوا عن نية النبي ويستنطقوه بما لم يقل, لأن ظاهر الكلام لغة ومعنى ودلالة لا يمكن أن يقبل التخصيص, فالمفترض أن ما نسب للرسول قوله يقطع الصلاة المرأة بالعموم فكيف خصصوا المرأة الزوجة عن الأجنبية.[c1]نقد سند الحديثين[/c]الحديثان آحاد وقد قال أغلب أهل الحديث والفقهاء إن حديث الآحاد يرد إذا خالف المقطوع به, لأنه لا قدسية لحديث آحاد أو غيره طالما خالف الثابت المعقول من القرآن أو سنن الرسول الفعلية والتقريرية.[c1]نقد السند في الحديث الأول[/c]يكفي لبيان اضطراب السند ذكر أن مدار الرواية على (عبدالله بن الصامت) فماذا قال فيه أهل الجرح والتعديل: (الرازي 5/84): «بصري يكتب حديثه» وهذه درجة ضعيفة لتعديل - عدالة - الراوي حسب اصطلاحات الجرح والتعديل فهو يكتب الحديث ولا يحتج به, وقال (الذهبي): «يكتب حديثه», وقال (أبو حاتم): «يكتب حديثه», وقال (ابن سعد): «كان ثقة، وله أحاديث» أي له أحاديث أخطأ فيها, أما (ابن رجب) فقال:«والبخاري لا يحتج بحديث عبدالله بن الصامت، ولم يخرج له في كتابه شيئا». والمعنى أن البخاري لا يحتج بهذا الراوى ولم يرض به لحد أنه لم يخرج له في (الجامع) ولو حديثا واحدا.[c1]نقد السند في الحديث الثاني[/c]ومدار الرواية فيه على (عبيدالله بن عبدالله بن الأصم) وقال بعضهم بل هو شقيقه (عبدالله بن عبدالله بن الأصم) فماذا قال أهل الجرح والتعديل فيهما:أولا (عبيدالله): قال (ابن رجب): «لم يخرج البخاري ليزيد بن الأصم، ولا بنى أخيه عبدالله بن عبدالله، وأخيه عبيدالله شيئا», وقال ابن حجر عن (عبيد الله): «مقبول» وهذه أضعف درجات التصحيح عند أهل التعديل.أما (عبدالله): فقد قال ابن حجر: «صدوق», وقال أبو حاتم: «شيخ» وهى أيضا درجات ضعيفة من القبول. وعلى هذا يظهر عوار واضطراب السند في الحديثين مع مخالفة ونكارة متنهما-نصهما-للصحيح الثابت المقطوع به؛ لذا فقد رد الشافعى أحاديث المرأة والحمار والكلب (مختلف الحديث) (8/512) لمخالفتهم حديث عائشة وغيره, وجاء في (فتح البارى) (1/589): «قال أحمد: «يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفى النفس من الحمار والمرأة شىء»، أي أن أحمد بن حنبل كان يرتاب في رواية قطع المرأة الصلاة.ولهذا فالحديثان في (مسلم) مردودان لأنهما مضطربا السند ومنكرا المتن ولا يصح لنا دينا ولا عقلا أن ننافح عن الباطل ونحن نعلمه, لأن رد حديث في البخاري أو مسلم هو أمر أكاديمى وبحثي بحت وليس أمرا دينيا يدفع لجنة ولا نار.عزيزتي المرأة المسلمة يا نصف أمة النبي ويا أيتها الإنسان الكامل, نعتذر منك كثيرا مما فعله التراثيون ونعتذر منك أن تذكرين في جملة مفيدة مع الكلاب والحمير لأنك أكرم على الله من ذلك, فلا تصدقي أن هذا الكلام من قول النبي وهو (أبو البنات), ونعتذر منك عن البذاءات والغباءات التي اكتتبها القرطبي وكثير مثله من الغث الذي حملته كتب التراث من حطٍ وتحقير لمكانتك العلية, حيث لا ريب أن هذا التراث قد حمل بين ثناياه أضعاف أضعاف هذين الحديثين من التحقير والتهميش لدور المرأة المسلمة, ولا ريب أيضا أنه أصبح لزاماً أن نستدرك هذه الأخطاء التاريخية ونستأصلها من عقولنا لأن ذلك هو روح الدين وهدف وجوده في الأرض .