[c1]مها فهد الحجيلان *[/c]في منتدى الإعلاميات السعوديات الأول - الذي نظمته مؤسسة الأستاذة ناهد باشطح وعقد في الرياض في الفترة السابقة تحت رعاية سمو الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبد العزيز آل سعود- برزت على السطح بعض القضايا الفكرية والثقافية المتصلة بالمرأة السعودية. وقد عرضت قضية عداوة المرأة للمرأة من ضمن القضايا المطروحة للنقاش، ولم تحاول المحاضرات التطرق بشكل جاد للموضوع رغم أنه واقع مضن تعيشه المرأة على المستوى المهني والاجتماعي. ربما يكون من المفارقات أنني شخصيا لمست صورة معتادة من فكرة عداء المرأة للمرأة حينما قابلت بعض الإعلاميات ممن كن يبحثن عن عيوب أو نقص في المنتدى متناسيات الجهد العظيم الذي كان على كاهل منظمة اللقاء والمغزى الرائع الذي كانت تعمل من أجله. ومما يذكر أن المنتدى بحد ذاته يعتبر فكرة رائدة وجميلة من الأستاذة ناهد باشطح التي كانت وراء نجاح ذلك المنتدى من حيث التنظيم والإعداد والطموحات التي رافقته وكذلك تلك التي نتجت عنه. والحديث في هذه المقالة ليس له صلة بالمنتدى بقدر تركيزه على قضية معينة برزت في المنتدى باعتبار ما حصل هو مجرد مثال يمكن التركيز عليه ودراسته بوصفه يمثل نمطا يكاد يكود ثابتا في عقلية المرأة وعلاقتها ببنت جنسها. إن المرأة في جميع أنحاء العالم وحتى في أكثر البلدان تطورا لاتزال تبذل جهدا لإثبات نفسها أمام الرجل وأنها قادرة على تحمل المسؤوليات التي تفرضها الحياة الحديثة. هذه المحاولات على اختلافها توضح شعور المرأة الدوني لنفسها أمام الرجل مما يجعلها تبحث عن إرضائه ولفت انتباهه ليؤكد لها أنها مختلفة عن غيرها من النساء، وحينها تشعر بالرضا عن نفسها لأنها أخذت شهادة من رجل. إن هذه الممارسات التي يقوم بها بعض النساء لا تحدها ثقافة معينة ولا مستوى تعليمي بذاته بل هناك نساء متعلمات ومثقفات مازلن يتعاملن مع بعضهن البعض ومع الرجل على أساس من هذا الأسلوب الجنسي الأولي.أشرت في مقالة سابقة إلى أن بعض النساء يجدن نشوة غير طبيعية في لفت انتباه رجل يسير في الشارع مع امرأة أخرى، وذكرت أن هذا يرجع لأن تلك المرأة تريد أن يلتفت لها ذلك الرجل حتى تشعر أنها أجمل وأفضل من المرأة التي يسير معها. وهذه الفكرة بغض النظر عن مدى صحتها من عدمه فإنها تبين مدى ضحالة عقول بعض النساء وكأنهن دجاج يتعاركن على ديك الحظيرة، ويتناسين أن الرجل الذي عزز هذا الدور هو بلا شك رجل لا يستحق العناء. ومن الصور الاجتماعية الأخرى لعداء المرأة للمرأة تقبل بعض النساء فكرة الزواج برجل مرتبط بامرأة وعدم اكتراثهن بزوجته وأطفاله، ويبنين بيتًا على خراب بيت آخر بكل أنانية ورضا تام عن النفس. بعض النساء يتحولن إلى ما يشبه الشياطين حينما يكون الموضوع يخص رجلا، وهذا الصراع الجنسي بين النساء يعزز عداوتهن لبعضهن البعض لأنهن لا يثقن ببعضهن، وكثير منهن يسعين للتميز على غيرهن ليس بجهدهن وجدارتهن بقدر ما يكون عن طريق تحطيم غيرهن وسلب ما كان لديهن من مغريات. وهذا النوع من التميز الذي تحصل عليه بعض النساء هو تميز مزيف لأنه ظهر ليس بسبب جدارته وأحقيته في الظهور ولكنه ظهر لعدم وجود غيره في الساحة.هذه الصور العدائية رغم بشاعتها فإنها موجودة وحاصلة ليست في مجتمعنا فحسب بل في المجتمعات الأخرى من دون استثناء؛ ولا أعلم هل الخلل في العقل الجمعي النسوي أم إنه في الضمير الإنساني العام الشامل للمرأة والرجل والثقافة التي يعيشانها؟تشير الباحثة ليندا والدمLinda Waldham في محاولة لتفسير ظاهرة العداء المستحكم عند المرأة للمرأة إلى أن ذلك راجع إلى عوامل قديمة رسخت في عقل المرأة الجمعي بسبب التنشئة الاجتماعية التي نشأت عليها المرأة في العصور القديمة جعلت منها شخصية تشعر بالنقص لحاجتها للحماية من الرجل. وبسبب بقاء النساء في البيوت وذهاب الرجال للخارج فقد كان الرجال يتعرضون للخطر أكثر منهن وربما يفارقون الحياة فتخسر المرأة حاميها. وبهذا فإن الخوف من فقدان الرجل الحامي جعلها تعيش قلق الفقدان في عقلها فتحرص بشكل مستميت على كسب الرجل من منطلق إيجاد عنصر مساعد. ولما تغيرت الحياة وعاش الناس في المدنية الحديثة التي صارت المرأة تذهب فيها للعمل ولم تعد بحاجة حسية لحماية يقوم بها الرجل؛ ظلت صورة الرجل في ذهنها باقية، تستدعيه للحماية ولكن بصور مختلفة عما كانت عليه في الأصل.إن المرأة قد وضعتها الثقافة في موضع تقتصر قيمتها فيه على الجانب الجسدي، ولأن هذا الجانب معروض للرجل، فإن التقدير الصحيح له هو الآتي من الرجل وليس من المرأة. وهذا شيء لا تدركه المرأة حينما تسعى إلى إرضاء رئيسها أو زميلها في العمل أكثر من إرضاء رئيستها أو زميلتها. إن المرأة تفرح بمدح الرجل لها أكثر من فرحها بمدح مضاعف يأتيها من بنت جنسها؛ والسبب أن مدح الرجل يتضمن معنى يشير إلى قيمتها الجسدية. يشار إلى أن هناك عددا من النساء اللاتي اهتممن بشؤون المرأة وكافحن من أجلها على مستوى العالم. ولعل بروز مفهوم الجنسgender نهاية الستينات في الغرب إبان الموجة النسويّة التي ترفض حجة الاختلاف البيولوجي بين الجنسين لتسويغ إهانة المرأة والشك في قدراتها الجسدية والعقلية- كان بسبب جهود بعض المناضلات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وقد استطعن استصدار قانون أدرج في النظام القانوني الفدرالي لأمريكا، وهو البند السابع من الحقوق المدنية الذي يبين أن "كل تمييز مبني على الجنس ممنوع". لكن وضع المرأة في السعودية في علاقتها بالمرأة يبدو أنه يمثل مشكلة أعمق؛ لأن الكره بين النساء يولد حيلا ومكائد بينهن غير أخلاقية. وهو كره مبني على أساس غير أخلاقي في أصله وهو الغيرة ومحاولة الاستحواذ على الرجل. مثلا قد تكون المرأة متزوجة ولها أسرة ولا يمكن أن تفكر ذات يوم في غير زوجها، لكن عقلها غير الواعي هو الذي يسعى إلى إرضاء الرجل الآخر والبحث عن رغبته. وهذا ما أشارت إليه بعض الأبحاث التي نشرت في أمريكا -مثل بحث كورنيل 1995- التي تبين أن النساء يعملن بنشاط وإنتاجية أفضل تحت إدارة رجل أكثر من عملهن تحت إدارة امرأة مثلهن؛ علاوة على أن مشكلات المديرة المرأة كثيرة وفي غالبها تنشأ لأسباب تافهة.لقد طرحت جنفيف فرسG. Fraisse سؤالا افتراضيّا حول علاقة النساء ببعضهن في مجتمع ليس فيه رجال. وتوقعت زوال الكره العنصري بينهن بسبب الجنس مع إمكانية وروده في سياق يشبه الكره الذي يحصل بين الرجال الناتج عن خلافات حسيّة معروفة.وإذا كانت تنقصنا في السعودية التجربة والدراسة الميدانية لمعرفة مستوى الإنتاجية وطبيعة المشكلات في الجهات النسوية ومقارنتها بالجهات الرجالية التي تتفق في طبيعة العمل كالجامعات والمدارس مثلا- فإنه يتوقع أن الرجال أكثر تركيزا على العمل ويبتعدون عن ربط العمل بصاحبه مقارنة بالنساء. إضافة إلى أن المظهر الخارجي للرجل ليس موضع مشكلة بين الرجال لكنه يمثل مشكلة كبيرة في مجتمع النساء؛ سواء أعجبهن أم لم يعجبهن. لأنهن في حال الإعجاب من المظهر ستتولد لديهن الغيرة، وفي حال عدم الإعجاب به فسيتولد لديهن النفور والاشمئزاز.إنه من المؤكد أن العلاقة التنافسية بين النساء متأصلة ولكن التغلب عليها يمكن أن يظهر في أشكال إيجابية يحيّد فيها دور الرجل. كما أن الاعتراف بهذه السمة ووضعها موضع الدرس والتحليل وسيلة مفيدة في التعرف عليها ورؤيتها بعين مكبرة بعيدا عن المبالغات أو الاختباء وراء مقولات أيديولوجية تزيد الموضوع التهابا وجرحا* نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية
المرأة ضد المرأة
أخبار متعلقة