أضواء
ضمن تجليات التراث المجيد،المعبرة عن عمقه الممارس لكافة أنواع التمييز بين المرأة والرجل،يتعدى هوس الرجل للاستمتاع بالمرأة حدود الإنسانية والخلق والأدب،فتراه ينزع عنه لباسه ليرينا سوءاته الفكرية تجاه المرأة،بانسياقه خلف همجيته الجسدية الفائقة كل التصورات. ففي زاد المستقنع للفقيه الحنبلي البهوتي: «أن الزوج لايلزمه كفن امرأته ولو كان غنياً،لأن الكسوة وجبت عليه بالزوجية والتمكن من الاستمتاع وقد انقطع ذلك بالموت «ولا يلزم الزوج بشراء دواء لزوجته أو دفع أجرة الطبيب»ويشرح ابن قاسم:بتوصيف المرأة بالبيت المستأجر:»لأن العلاج يراد لإصلاح الجسم كما لا يلزم المستأجر بناء ماتهدم من الدار»!ويضيف(المحلى بالآثار)المسألة(571)معللاً:»لأن أموال المسلمين محظورة إلا بنص قرآن أو سنة،مستشهداً بقوله عليه الصلاة والسلام»إن دماءكم وأموالكم حرام»وكأن زوجته عدوٌ له.ويستمر هذا التأسيس الفقهي المخجل بشرحٍ مذهبيٍ وافٍ في(موسوعة الفتاوى)رقم 61717 بتاريخ30/ 3/ 1426 تكمن المشكلة في تناول أقوال رجال باعتبارها مقدسا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،والمشكلة الأهم أننا مازلنا نعاني تأثيرها في التأسيس لدونية المرأة،وتلك الكتب شاهد على مكانتها في مجتمع مازال يطبعها ويدرسها ويتناولها بكل احترام وتبجيل. وبقراءة كتب الفقه نفهم سبب قهر المرأة الإنساني العام الذي أفرزه الفقه الذكوري حيث يعدّها من المتاع بل من سقطه، في تفسيرٍ عابثٍ مضللٍ للعلاقات الإنسانية،ومناقضٍ للآيات الكريمة المؤسسة لقيم العدل والمساواة، والمهيئة لنفوس تحمل الأمانة وتعمر الأرض وهي تزهو بصحتها النفسية والجسدية،يقول تعالى(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم...) فالإسلام يطالب الرجل بمناصفة المهر لمن لم يُدخل بها،بينما ينسف التراث كل الفضل بحرمان المرأة حقوقها في الصحة والحياة وبعد الموت بمجرد توقفها عن إمتاع الرجل جسدياً،ناسفاً العشرة في علاقة تجافي الروح وتتجافى عن المودة والرحمة والسكنى. الجميع يتحدث عن الإسلام دون أن يخامر أحدهم أنه يطرح في الحقيقة فهمه للإسلام أو لنصوصه،وحتى الاستناد إلى آراء القدماء واجتهاداتهم أصبح هو الآخر استناداً إلى الإسلام،الذي كثيراً ما تضاف له كلمة(الصحيح) فصلا له عن الزائف الذي يمثل اجتهاداً آخر.يؤدي التوحيد بين الفكر البشري والدين إلى التوحيد بين الإنساني والإلهي،وإضفاء قداسة على الإنساني والزماني،وذلك يفسر لنا التردد في تخطئة كثيرٍ من آراء علماء الدين بل والتستر أحياناً على هذه الآراء وتبريرها.فتاريخ الإسلام شهد تعدداً في الاتجاهات والتيارات والفرق لأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية،صاغت مواقفها بالتأويل والاجتهاد في فهم النصوص،ولا بأس؛إنما البأس هو التوقف عند هذه الأقوال وممارستها على سبيل التبجيل والقدسية لا على سبيل النقد والتقييم. وتجديد التراث مطلب يوجب إعادة تفسيره طبقاً لحاجات العصر،والتراث ليس قيمة في ذاته إلا بقدر ما يعطي من نظرية علمية لتفسير الواقع والعمل على تطويره..هو نظرية للعمل وموجّهٌ للسلوك وذخيرة يمكن استغلالها واستثمارها من أجل إعادة بناء الإنسان وعلاقته بالأرض. [c1]*عن/ صحيفة (الوطن) السعودية [/c]