نبيهة عزيم هي مرحلة من تاريخ الفن النسائي في عدن، ومن أصحاب البدايات في ظهور المرأة المطربة على المسرح، وعندما ظهرت لتغني أمام الميكرفون كانت عدن تسهر لتستمع إلى أول فتاة عدنية تعرف بشكل واسع في هذا المجال.كانت أول أغنية لها هي “ياللي غرامك زاد” من كلمات ولحن الشاعر الكبير الأستاذ لطفي جعفر أمان، وكانت قد ظهرت على المسرح في شهر ديسمبر من عام 1957م في الحفلة التي أقامها الفنان الأستاذ يحيى مكي.بعد ذلك ظهرت لها عدة أغان وأشهرها “أنا أنثى عربية” وهي من تلحين الفنان الأستاذ محمد مرشد ناجي، ومن خلال هذا الحضور في عالم الفن الغنائي، قالوا عنها في ذلك الزمان : إن مستقبلها زاهر في عالم الغناء على شرط أن تجد الاهتمام الكافي حتى تستمر هذه الموهبة.ولم يكن الطريق لها وحدها في تلك الحقبة من العصر الذهبي للفن في مدينة عدن، فقد أفسحت المجال لفنانات أخريات مثل فتحية الصغيرة ورجاء حامد عبد الغني وفوزية علبي وغيرهن.إن هذه الشخصية الفنية والرائدة في هذا الجانب، غاب صوتها عن الذاكرة الثقافية لبلادنا، ولم نعد نذكر من تاريخها أي شيء، إلى حد أن اسم نبيهة عزيم لا يذكر مع أسماء الفنانات ولا نعرف إن كانت أعمالها الغنائية ما زالت محفوظة في إذاعة عدن أم ضاعت مثلما ضاع الكثير من تاريخ عدن؟ لا نعرف في أي عام غادرت هذه الفنانة عدن، لذلك انقطعت أسباب الاستمرار والتواصل معها وغاب تراثها عن الأجيال الجديدة من فنانات هذا الوقت، ولم نسمع عن أية محاولات للبحث في تاريخ هذه الفنانة أو جمع أعمالها وإعادة تقديمها للناس وكأنها لم تكن موجودة في هذه البلاد في يوم من الأيام.ربما هذه الحالة من النسيان والإهمال لا تقف عند تاريخ نبيهة عزيم، بل توسعت لتحصد حياة وأعمال الكثير من الشخصيات التي ساهمت في قيام أسس للمجتمع المدني في عدن، ذلك المجتمع الذي جعل من المعرفة والإبداع سبل الاتصال مع العالم والتجديد الذي يرتقي بمستوى الهوية إلى أعلى مدارج الوعي الحضاري.نبيهة عزيم كانت أول فتاة عدنية تدخل المجلس التشريعي الذي أفتتح عام 1947م وكان ذلك بعد افتتاحه بسنوات ومشت أمام الجموع في قاعته، وتلك خطوة لم تقدم عليها أي امرأة في عدن بذلك الوقت حتى عرفها الناس بعد ذلك فنانة رقيقة الإحساس، جريئة مقدامة وكان والدها صاحب الفضل الأول في تشجيعها على الانطلاق في هذا العالم الجميل، عالم الكلمة الحالمة والنغم الرقيق والصوت المغرد في عالم العواطف الإنسانية، وفي نفس الوقت كانت طالبة ناجحة ومجتهدة في دراستها وتتمنى أن تتخصص في العلوم العالية، وبالرغم من صعوبات المرحلة ظلت تحاول وتسعى نحو غاية كانت حلماً من أحلام النفس.عندما تحاول الذاكرة استعادة بعض من ملامح ذلك الزمان، لا يمكن تجاهل اسم نبيهة عزيم من عالم الغناء ودورها الريادي في خلق مساحة لصوت المرأة في عالم الغناء، وبالرغم من أنها قد أصبحت صوتاً من الماضي، وذهبت طموحاتها بعيداً عن مفارقات الحياة، إلا أنها سوف تظل من أعلام الفن في هذه المدينة ومن الشخصيات التي تركت بصماتها في تطور الأغنية في بلادنا، وهذا الجانب من الأحداث في سيرتها لم يجد بعد من يدونه ويحفظه حتى تعرف الأجيال الجديدة صور وحكايات من ذاكرة عدن التي مازالت الكثير من أوراقها متطايرة في مهب الضياع والفقدان.
|
ثقافة
الفنانة نبيهة عزيم صوت من الماضي
أخبار متعلقة