نجوى عبدالقادر:[c1] إخوان الصفا.. من هم؟ وما حقيقة دعوتهم؟ وما هي فحوى رسائلهم؟[/c] إخوان الصفا : جمعية سياسية دينية شيعية ظهرت في القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، واتخذت البصرة مقراً لها، غايتها السعي إلى سعادة النفوس الخالدة، أما نزعتهم الفلسفية فهي نزعة اليونان والفرس والهنود، وقد يأخذون من كل مذهب بطرف. ولإخوان الصفا اثنتان وخمسون رسالة من مؤلفيها أبو سليمان المقدسي، وأبو حسن الزنجاني والنهرجوري والصوفي وزيد بن رفاعة، ومجموعة الرسائل تشبه موسوعة في علوم مختلفة في مبادئ الرياضيات والمنطق وعلم النفس. وفيما بعد الطبيعة والتصوف والتنجيم والفلك وغير ذلك.لقد كان التقدم العلمي والأدبي عقب عصر الترجمة (حوالي 750م – 850م) عصر إنتاج وابتكار أثبت العرب فيه كفاءتهم باقتباس تراث فارس القديم وتراث الهند وتراث اليونان المدرسي، ليس ذلك فحسب بل وهضموه وسخروه لحاجتهم الخاصة وطرق تفكيرهم، وأضافوا إليه ما استطاعوا أن يستنبطوه، وقد ظهرت مآثرهم في الطب والفلسفة وأروع ما تجلت في الكيمياء والفلك والرياضيات والجغرافيا، بل تفردوا – عرباً ومسلمين – بمذاهب البحث والابتكار في ميادين الشريعة وعلوم الدين وفقه اللغة وعلومها.أما الترجمات التي قاموا بها فقد طبعتها العقلية العربية بطابعها الخاص ومن هنا كان ظهور هذه الجماعة إخوان الصفا كأحد تلك الروافد.ففي حوالي منتصف القرن الرابع للهجرة ( نحو 970م) ظهرت في البصرة مدرسة فكرية جديرة بالاهتمام قامت على أساس اختيار شيء من الفلسفة الرائجة آنذاك مع الميل إلى النظريات الفيثاغورية وعرف أصحابها بإخوان الصفا.[c1]من أين جاءت تسميتهم بإخوان الصفا؟[/c]يقول الدكتور (فيليب حتي ) في كتابه ( تاريخ العرب المطول ) هذه التسمية، إنها مستعارة في الراجح – من قصة الحمامة المطوقة في كتاب ( كليلة ودمنة ) التي ذكر فيها على لسان الحيوان : أن إخوان الصفا إذا تم تواصلهم استطاعوا النجاة من الصياد.ومن هنا يتضح أن معنى الصفا، هو الإخلاص في المودة.كما يرى فيليب حتي أن دعوتهم ( لم تقم على الفلسفة بل تعدتها إلى ميدان الدين والسياسة، وقد ظهرت فيهم ميول شيعية متطرفة – إسماعيلية – في الأرجح – معادية للنظام السياسي القائم وقد جعلوا غايتهم هدم هذا النظام وذلك بزعزعة الأسس التي تقوم عليها المعتقدات الفكرية والدينية الشائعة آنذاك. ومن هنا كان هذا التستر والخفية التي أحاطت بالأعمال التي قاموا بتأليفها وبقضية الانضمام إلى العضوية في مؤسستهم.وقد تحدر إلينا مجموعة من رسائلهم رتبت بشكل موسوعة فيها أسماء بعض من ساهموا في إنشائها، ولكنها أسماء غامضة لقوم غير معروفين منهم أبو سليمان محمد بن مشير البستي المقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني وزيد بن رفاعة والعوفي.. وعدد الرسائل اثنتان وخمسون رسالة تعالج أبحاثاً في الرياضيات والفلك والجغرافيا والموسيقى وعلم الأخلاق والفلسفة وقد تضمنت خلاصة ما ينتظر من الرجل المثقف أن يقف عليه من معارف ذلك العصر، وكلها توطئ للأخيرة التي تعتبر خلاصة العلوم).أما عن أسلوب هذه الرسائل وإنشاء أصحابها فيرى ( فيليب حتي ) أنه ( يظهر أن اللغة العربية في ذلك العصر قد بلغت من الكفاءة والغنى ما جعلها أداة مطواعة صالحة للتعبير عن الفكر العلمي في جميع مناحيه ).وقد تأثر الغزالي بما كتبه إخوان الصفا وكذلك راشد الدين سنان بن سليمان زعيم الحشاشين بسورية، وذكر أن المعري لما نزل بغداد أخذ يحضر حلقات الإخوان أيام الجمع، وكان أبو حيان التوحيدي المعتزلي تلميذاً لهم.والذي يجدر ذكره أن إغفال أسماء مؤلفي هذه الرسائل قد جعلها عرضة لكثرة الظنون، خصوصاً في النصف الآخر من القرن الرابع للهجرة، حيث كانت بغداد تموج بالفتن والاضطرابات. يقول الرحالة المقدسي واصفاً بغداد إنه ( بيت الفتن والغلاء وهو في كل يوم إلى الوراء ومن الجور والضرائب في جهد وبلاء). العالم الكبير أبو حيان التوحيدي يصف مجالس إخوان الصفا ويثني على فكرهم وأدبهم وفلسفتهم ومن أهم النصوص التاريخية وأقدمها التي أرخت لرسائل إخوان الصفا ما ذكره أبو حيان التوحيدي في مجلس الوزير صمصام الدولة البويهي الذي سأل أبا حيان قائلاً : حدثني عن شيء هام خطر على بالي، إني لا أزال أسمع من زيد بن رفاعة قولاً ومذهباً لا عهد لي به، وإشارة إلى ما لا يتوضح منه شيء، يذكر الحروف ويذكر النقط ويزعم أن الباء لم تنقط من تحت واحدة إلا بسبب، والتاء لم تنقط من فوق اثنين إلا لعلة، والألف لم تعر إلا لغرض.. وأشباه هذا. فما حديثه؟ وما شأنه؟ وما دخلته؟ وما خبره؟ فقد بلغني أنك تغشاه، وتجلس إليه وتكثر عنده، وتورق له، ولك معه نوادر مضحكة، وبوادر معجبة ومن طالت عشرته لإنسان صدقت خبرته به وانكشف أمره له وأمكن إطلاعه على مستكن رأيه وخافي مذهبه وعويص طريقته.قال أبو حيان : أيها الوزير.. أنت الذي تعرفه قبلي قديماً وحديثاً بالتربية والاختبار والاستخدام، وله منك الآصرة القديمة والنسبة المعروفة![c1] قال الوزير : دع عنك هذا وصفه لي؟[/c] قال أبو حيان : هناك ذكاء غالب وذهن وقاد، ويقظة حاضرة ومتسع في فنون النظم والنثر، مع الكتابة البارعة في الحساب والبلاغة وحفظ أيام الناس، وسماع للمقالات، وتبصر في الآراء والديانات![c1]قال الوزير : فعلى هذا ما مذهبه؟[/c] أجاب أبو حيان : لا ينسب إلى شيء، ولا يعرف برهط لجيشانه بكل شيء، وغليانه مع كل باب. وقد أقام بالبصرة زماناً طويلاً، وصادق بها جماعة جامعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة، صحبهم وخدمهم، وكانت هذه العصابة قد تآلفت العشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة. فوضعوا بينهم مذهباً، زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله، والمصير إلى جنته.ذلك أنهم قالوا : الشريعة قد دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة، وذلك أنها حاوية للحكمة الاعتقادية، والمصلحة الاجتهادية!وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال، وصنفوا خمسين رسالة في أجزاء الفلسفة ( علميها وعمليها ) وأفردوا لها فهرساً وسموها ( رسائل إخوان الصفا، وخلان الوفاء). وكتموا أسماءهم وبثوها في الوراقين، ولقنوها الناس، وادعوا أنهم ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء وجه الله عز وجل ليخلصوا الناس من الآراء الفاسدة التي تضر النفوس. والعقائد الخبيثة التي تضر أصحابها، والأفعال المذمومة التي يشقى بها أهلها، وحشوا هذه الرسائل بالكلم الدينية والأمثال الشرعية والحروف المحتملة والطرق الموهمة.وفي كتابه ( صائبة حران وإخوان الصفا ) يقول المؤلف محمد عبد الحميد الحمد، الذي سقنا منه هذا الحوار بين أبي حيان التوحيدي والوزير البويهي معقباً : ( نجد مما مر أن رسائل إخوان الصفا قد ظهرت في القرن الرابع الهجري، في مجتمع متعدد الثقافات، متباين الأجناس والعقائد، في مجتمع بغداد الذي كان فيه من الحرية الفكرية الشيء الكثير، فيه فلسفة أبي بكر الرازي وأبي زيد البلخي، اللذين قالا بتحكيم العقل في كل الأمور، مما قادهما إلى القول بعدم ضرورة النبوة طالما أن العقل يوصلنا إلى مظان الوحي، وفيه فلسفة أبي الخطاب الصابئي، وأبي إسحاق الصالي، وهما من المتعصبين للمذهب الحراني، وأصحاب الديانة النجومية يقولان ما تقوله رسائل إخوان الصفا، ويجعلان الفلسفة هي المخلصة للإنسان من ظلام الجهالة وهي التي ترتفع بالعقل إلى مقام الألوهية، بالإضافة إلى الفلسفة الإسلامية التي تحاول جاهدة أن توافق بين العقل والنقل، أو بين الشريعة والفلسفة كمذهب الفارابي في التوفيق بين أفلاطون وأرسطو وبين الفلسفة والدين ..).ومن المفيد الإشارة هنا إلى جهود جمهرة كبيرة من الباحثين العرب في التنقيب في المصادر الأساسية للتربية الإسلامية والمفهومات التربوية المختلفة..[c1]الأفكار التربوية عند إخوان الصفا[/c]ذلك ما نجده لدى الدكتورة نادية جمال الدين التي نشرت دراستها عن ( فلسفة التربية عند إخوان الصفا) وهي تميز إخوان الصفا بأنهم وإن انتموا إلى دائرة الفلاسفة إلا أنهم تميزوا عليهم بعدم اكتفائهم بالفلسفة والإنتاج الفلسفي نهاية لاجتهادهم في مجال المعرفة، ( فالناظر في رسائلهم يلمح بوضوح أن التربية والتعليم جزء لا يتجزأ من بنائهم الفلسفي، والركيزة الأساسية التي اعتمدوا عليها في محاولة ترجمة فكرهم إلى واقع، فسعوا لإيجاد جماعة من الشباب عالمة خيرة فاضلة ذكية مستبصرة وإعدادهم على هذه الصورة ليكونوا رجالاً عاملين في (دولة الخير) المنتظرة ).كما تشير المؤلفة نادية جمال إلى ذلك التحفظ الهام وهو أن فكر أخوان الصفا لا ينبغي أن نتلقاه على أنه يمثل الفكر التربوي الإسلامي خصوصاً، والإسلامي على وجه العموم ( بل أنهم يمثلون الفكر التربوي الخاص بهم ) وبعبارة أخرى ( أنهم يمثلون نمطاً من أنماط الفكر التربوي في دائرة الفلاسفة المسلمين في مجتمع معين وزمان محدد بكل ما في هذا من قوى وعوامل أدت إلى تشكيل فلسفتهم التربوية تبعاً لظروفهم وواقع مجتمعهم ).
|
آراء حرة
إخوان الصفا وخلان الوفا
أخبار متعلقة